سام الغباري : جزء من حقيقة سقوط صنعاء

منذ 13 ساعات

سام الغباري كان أكثر ما شغلني منذ العام 2015 البحث عن القصة الحقيقية لاختطاف صنعاء

العاصمة التي استيقظت على وقع صدمة السقوط، بينما ظل السياسيون يدورون حول الحقيقة دون أن يلمسوها

طرقت أبواب كبار رؤساء الأحزاب، رجوتهم أن يقولوا شيئًا للتاريخ، لكنهم جميعًا آثروا التحفظ، ربما خوفًا أو حرجًا أو كما هي عادة السياسة والحقائق في اليمن، يُراد لها الدفن

في أحد تلك الأيام، جلست مع اللواء محمد صالح طماح رئيس هيئة الاستخبارات بالجيش اليمني، رحمه الله، في لقاء لم يكتمل

كان عسكريًا محترفًا، ملتزمًا بالصمت حين يكون الكلام إفشاءً لأسرار الميدان

قلت له: حدثني عن سقوط صنعاء

هز رأسه وقال بهدوء: لنجعلها للتاريخ

أجبته حينها: قد يموت الإنسان دون أن يكون مستعدًا لقول شيء

كنت آنذاك أحاول، من موقعي الإعلامي، ترتيب لقاءات مباشرة مع الرئيس عبدربه منصور هادي نفسه

لم يكن الأمر سهلًا

رفضوا مرارًا

كان واضحًا أن ثمة حقائق ثقيلة ليس ذلك الزمن وقت البوح بها، وأن اعترافًا صريحًا سيجعل كثيرين عراة أمام دم هذه العاصمة المختطفة

ومع ذلك، في ذلك الحوار القصير، أخبرني طماح بشيء مهم: أن الرئيس هادي أصدر أكثر من أمر عملياتي صريح لردع الحوثيين في عمران قبل أن تسقط

لكن اللواء محمد القاسمي، المفتش العام، واللواء علي الجايفي، قائد معسكر 48 (الذي صار اسمه قوات الاحتياط)، كانا يصرّان على أن الجيش محطم نفسيًا ومعنويًا، غير قادر على القتال

تحركت بالفعل كتائب إلى نقطة الأزرقين، وهي بوابة خارجية لصنعاء، لكنهم ما إن تمركزوا حتى جاء الصوت عبر اللاسلكي مستنجدًا بأن الحوثيين هجموا، ثم استسلموا وسلموا السلاح والسيارات والمعدات، وعادوا إلى بيوتهم

لم يكن ذلك الإهمال الوحيد

الرئيس هادي حاول، كما علمت، أن يرسل الطيران لضرب تجمعات الحوثيين على مداخل عمران

لكن الطائرات كانت تعود لتخبره بأنها ضربت مناطق خالية، وكان الطيارون يقولون إنهم لا يستطيعون قصف يمنيين

هذه الحقائق المعقدة تجعل من السذاجة أن نسأل ببساطة: لماذا لم يدافع هادي عن صنعاء؟ أي دفاع يُنتظر من رئيس ورث دولة مفككة، كان الحوثي قد ثبت أقدامه فيها أصلًا، مسيطرًا على صعدة، متمددًا في الجوف، وسط جيش جرب قتاله ست سنوات وفشل، بل انتهى إلى تسليم صعدة له بمؤامرة صامتة بين كل الأطراف السياسية

إن سقوط صنعاء بدأ مع أول قرار سياسي وإعلامي يشرعن الحوثيين باعتبارهم أصحاب رأي، وطرفًا مقبولًا في الحوار الوطني

فلا تلوموا هادي وحده على الهزيمة

الرجل كان معزولًا عن الواقع العسكري والقبلي، غارقًا في زحام الآراء الحادة، في وقت كانت القوى السياسية قد سلمت له دولة يعيش فيها الحوثيون شركاء في لجنة الحوار، بينما الحقيقة أنهم كانوا يعدّون لليوم الذي يخنقون فيه العاصمة

نعم، هو الرئيس، وتحمل المسؤولية العامة قدر ما تسمح صلاحياته ونفوذه، لكن ما نفع رئيس يحاصره إعلام معاد، وجيش منقسم، وسياسيون يطعنون بعضهم، وتدخلات خارجية – غربية وعربية – تشجع الحوثي في السر أو العلن وتدعم تقدمه؟ما نراه اليوم من تصريحات، مثل تلك التي أطلقها صلاح باتيس مؤخرًا، ليس كشفًا جديدًا بقدر ما هو تذكير مؤلم بأن الكلام ظل مكبوتًا طويلًا

لكنه يفضي إلى خلاصة أخطر: يجب على الرئيس هادي أن يتحدث الآن

فلا مبرر لصمته، أو تنصله، فالتاريخ ينتظره لقول الحقيقة، حتى وإن كان مشاركًا في الخطأ

فموت الحقيقة أخطر من موت الرجال

ولأن جريمة الصمت عن اختطاف صنعاء حتى هذه اللحظة يجب أن تُعلن بشفافية دون ضغائن