سام الغباري : وهج التأثير
منذ شهر
سام الغباري على أرضٍ تنبض بتاريخٍ لا يشيخ، حيث الشمس تتسلل من بين أحجار#الدرعية العتيقة، تلامس جباه الحاضر بوقار الزمن القديم
هنا، في ميادينقاعة الدرعية، تنساب الأرواح كما لو أنها نُسجت من تراب المكان وحكاياته، تحت سقفٍ يُشبه مجرّة ممتدة لا تنتهي، جدرانه تفيض من دفء الحكايات، وأرضه تحنو تحت خطوات المؤثرين القادمين من أصقاع الأرض، كأنهمضيوف على وليمة النور
كان الإعلان عابرًا، ظهر في منصةٍ تفيض بما يستهلكه البشر من صوروأفكار
ملتقى صُنّاع التأثير
شيءٌ يقيمه الزمن السعودي الجديد، تُنظّمهوزارة تكتب فصلًا إضافيًا في كتاب الطموح
تركتُ الصمت الذي اختبئخلفه
لأول مرة أردت أن أراقب أصواتهم
أردتُ أن أعرف كيف يُصاغالتأثير حين تُستبدل الكلمات بالفعل
على حافة الموقف، بدت سيارتي المتواضعة غريبة بين جموع الفخامة، مركبات تلمع كأنها ولدت من فكرة الضوء
خبأتها خلف الصفوف الأخيرة
تبرأت منها ومضيت
باصات النقل اصطفت، مستعدة لحمل الغرباء إلىبهاءٍ لم يتوقعوه
مواقف المكان لم تكن عادية، شيء يشبه حشد المدن فيساعة يقظتها
كان العدد مُذهلًا، كأن لا مدينة أخرى تحت الشمس تستحقالزيارة
المسافة بين الباص والمدخل كانت حياةً مختصرة
أيدٍ مفتوحة، ابتساماتتُضاء بصدق، لغات تتطاير بلا حواجز، سعوديون وسعوديات بحضور يشبهالإجابة على سؤال لم يُطرح بعد
قاعة ميادين واسعة، بلا حدود تُحاصرالعين
الأرض تلمع كمرآة تُعيد إليك دهشتك الأولى، والسجاد بلونالخزامى يُبسط الطريق لمن يحمل شيئًا من التأثير
ورود توزّع السعادة كما يُوزع المطر الغزير على الأرض العطشى
أصواتٌ تُرحب، كلمات تُلقى، وضوء يُحيّي الممرات
لا زحام يُشبه هذا الزحام، لاهدوء يُشبه هذا الاحتفاء
وقفت هناك
للحظة، كان الحضور ينتظر شيئًا أكبر مني، أكبر منهم، شيئًا يتجاوز ضجيج القاعات الاعتيادية
صنعت مقعدًا من ظلي، وجعلتنيواحدًا من جمهورٍ أراد أن يرى، أن يسمع، أن يُعيد تعريف الصمت الذييكبّله
في ذلك الصرح، حيث السجاد يتموّج بنقوش تُشبه وشم الرمال ساعةتراقصها المريح، وحيث الضوء يُغازل المرايا فيخلق زوايا من ذهب، وقفالعالم يتأمل المملكة وهي تعيد صياغة لغة التأثير
تابعت كل تفصيل بشغف، كما يتابع نحاتٌ تشكيل تمثاله الأخير
كنتأنصت للمكان قبل الأصوات، أرقب كيف تتجاور العقول وتتشابك الأيديلتُعيد تشكيل الغد
مشهدٌ أبعد من مؤتمر، أقرب إلى ملحمة بشرية تكتبتفاصيلها على نسيجٍ مرصع بالرؤى
تجاوز الملتقى الأرقام بمساحته الشاسعة التي فاقت 23 ألف متر مربع، وتجاوز الحضور بتوافد أكثر من 30 ألف زائر، لكن القيمة الحقيقية كانتفي نبض الأفكار التي وُلدت
في ورش العمل والحوارات، كانت الكلماتتُطرح كحجارة كريمة فوق طاولة المستقبل
التأثير لم يعد يُختزل في عددالإعجابات أو المقاطع المتداولة؛ التأثير أصبح معادلة خالدة
قال الأستاذ سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي؛ في لحظة أقرب إلىالحكمة من التصريح: المؤثرون ليسوا فقط على الشاشات؛ هم مُعلم فيفصلٍ يُحيّي الحروف في قلوب تلاميذه، أمٌ تُربي خلف الأبواب المغلقةرجالًا يحملون على أكتافهم قضايا المستقبل، جارٌ يطبطب على باب الحياةليُعيد ترتيب أولويات الجوار
عام 2025 حمل معه وعدًا: سيكون عام التأثير
لم يكن هذا الشعار مجردعتبة من زمن تُضاف إلى التقويم، بل صرخةً هادئة بأن المملكة ليست لاعبًاعلى هامش العصر؛ هي من يقود إيقاعه
في ورشةٍ كُتبت على جدرانها أسئلة المستقبل، ناقش الحاضرون الذكاءالاصطناعي ومصيره
هل سيختفي المؤثر؟ هل تصبح الآلة أقدر على فهمالإنسان؟ لكنّ أحدهم قال، بصوت عميق كأنما هو بئر التاريخ: سيبقىالتأثير إنسانيًا ما دام الحلم لا يُزرع في الآلات
وسط الزوايا الأربعة عشر التي صُممت لتحتوي شتى المسارات: التقنية، الفنون، الاقتصاد، البيئة، الرياضة، كانت الأحاديث تنساب كأنهار تجتمعلتصب في بحر لا تُرى نهاياته
قاعة ميادين في الدرعية لم تكن مجرد فضاء يجتمع فيه الناس؛ كانت كقلبالأرض يضخ طاقته إلى أرجاء المكان
كان الضوء الذي يتسلل من نوافذهايُشبه #دفء_السعودية حين تفتح ذراعيها لكل فكرة جديدة
وكان المتحدثونكمن يحفرون على ألواح الزمن أسماءً لا تمحى
وعند خروجي، ترَدّدت داخلي تلك اللحظة كما يتردد الصدى بين الجبال: كيف استطاعت المملكة إعادة رسم وجه التأثير؟ وكيف استطاعت قاعةميادين أن تجمع العقول كما يجمع البحر حبات المطر؟ في ظلال الدرعية، حيث الأرض تحفظ ذاكرة التاريخ، وحيث النجوم تُنصتللأحاديث، بعثت السعودية للعالم رسالةً كتبتها بمداد الحكمة، ومضت بهابخطى ثابتة، كما لو أنها تتقدم وحدها في سباق لا يُدركه غيرها
وإلى لقاء يتجدد
•كاتب وصحافي من اليمن المُحتّل