سليمان العقيلي : سوريا .. للارتقاء فوق العصبيات: الهوية الجامعة شرط الخلاص

منذ 9 ساعات

سليمان العقيلي ليست سوريا مجرد وطن على خريطة، بل هي فكرة أزلية عن الحضارة التي ترفض الموت، وعن الأرض التي تنبت المعنى كلما حاولت الحروب اقتلاعها

إن السلم الأهلي فيها ليس مطلباً سياسياً عابراً، بل هو فعل مقاومة للانهيار، وقاعدة وجودية تعيد تعريف معنى أن يكون السوري إنساناً في مواجهة التمزق

فحين يصبح الانتماء للطائفة أو المذهب أو القبيلة هو سقف الولاء، تضيق الأرض على أبنائها، ويتحول الوطن إلى ساحة يتقاسمها الغريب والطامع

سوريا الجديدة، إن قدّر لها أن تولد، لن تقوم إلا من رحم وعيٍ يتجاوز العصبيات، ويفهم أن التنوع ليس لعنة، بل ثراء روحي وحضاري، وأن الأمة التي تتصارع حول هوياتها الصغيرة لا تملك أن تحلم بمستقبل كبير

فكل جرح يفتحه التحريض المذهبي أو العرقي ليس سوى خنجر في قلب الوطن

ومهما كان الطريق إلى إعادة بناء الدولة طويلاً وشاقاً، فإن غيابها يعني ضياع المعنى نفسه

لهذا تبذل دمشق كل جهد لاستعادة سيادتها الكاملة، وحماية شعبها من مشاريع التمزق التي تُدار من خلف الحدود

هذه الجهود، وإن كانت محفوفة بالعقبات، قد وجدت صدىً لدى العواصم العربية والدولية التي أدركت أن سقوط سوريا ليس حدثاً محلياً، بل زلزال يهدد الشرق كله

ان تمزقت فلن تتمزق وحدها ؛ ستتمزق معها لبنان والعراق وبلدان أخرى !يدرك السوريون أن حماية الدولة تبدأ من حصر السلاح في يد مؤسساتها الشرعية، لأن السلاح الخارج عن القانون ليس حرية، بل فوضى تتغذى من دم الأبرياء

فالدولة ليست فقط حدوداً ونظاماً سياسياً، بل هي الضامن الوحيد لبقاء المجتمع متماسكاً، ولحماية الجميع من الانحدار إلى حروب لا تنتهي

في المقابل، لا يمكن تجاهل العبث الإسرائيلي في الساحة السورية، تحت ذرائع مزيفة كحماية الأقليات

تلك التدخلات ليست سوى محاولات لتقويض وحدة سوريا، وإبقاء جراحها مفتوحة

كل صمت أو تواطؤ دولي أمام هذا الانتهاك الفاضح هو مساهمة في شرعنة الفوضى وتعميمها على المنطقة

لقد قالت الأمم المتحدة كلمتها، مؤكدة أن إسرائيل تعتدي على سيادة سوريا وتقوّض أي مسعى لإرساء سلام حقيقي

وهذا الموقف، وإن بدا صوتاً وسط ضجيج المصالح، يذكّر العالم بأن أمن المنطقة لا يبنى على الخراب، وأن سلام سوريا هو شرط لتوازن الشرق، لا تفصيل يمكن تجاوزه

إن سوريا التي عرفها التاريخ، بلد الفكر والعمران، لن تعود كما كانت إلا حين يدرك أبناؤها أن القوة الحقيقية ليست في رفع السلاح، بل في القدرة على إعادة صياغة الهوية الوطنية كهوية جامعة، تتسع للجميع ولا تلغي أحداً

في هذه اللحظة فقط، سيولد فجر سوريا الجديدة، فجر يتجاوز الركام ليقول للعالم: إن أمة تُسقى بدماء حضارات آلاف السنين، لا تموت، بل تعود كل مرة من رمادها أشد قوة ووضوحاً