سليمان العقيلي : محاولة لفهم امتناع ثلاث دول جارة عن التصويت لحل الدولتين !

منذ 3 ساعات

سليمان العقيلي التصويت على قرار المؤتمر الدولي بشأن حل الدولتين، الذي قادته المملكة وفرنسا، يجسّد المشهد الأرقى للإجماع العالمي، فيما بدت الولايات المتحدة وإسرائيل في عزلة دولية واضحة

  تبنت الجمعية العامة للامم المتحدة الإعلان الناتج عن مؤتمر الرياض-باريس بأغلبية ساحقة (142 مؤيداً، 10 معارضين و12 ممتنعاً)

ومن بين الممتنعين أثيوبيا وجنوب السودان وألبانيا

 يشعر الرأي العام العربي بغضب واضح تجاه امتناع الدول الثلاث عن التصويت لصالح قرار إعلان حل الدولتين في القضية الفلسطينية، إذ تربط هذه الدول روابط ثقافية وتاريخية وجغرافية مع الدول العربية

ويُنظر لهذا الموقف كتحفظ غير مبرر أمام إجماع دولي كبير يدعم الحقوق الفلسطينية ويطالب بإنهاء آخر احتلال في العالم ما يعزز الامن والاستقرار الإقليميين

ويتركز الغضب في عدة اتجاهات: الشعور بالخيانة أو عدم التضامن مع القضية المركزية للعرب والمسلمين، واعتبار التصويت أو الامتناع عنه معياراً للتموضع الجيوسياسي وتحالفات تلك الدول ضمن المشهد الدولي

يجب التفريق بين الامتناع (عدم التصويت بنعم أو لا) وبين التصويت ضد، فتلك الدول لم تعارض القرار بشكل مباشر بل لجأت للموقف الحيادي بسبب ضغوط أو مصالح أو توازنات دولية

وامتناع هذه الدول الثلاث لا يُقاس بمقياس واحد موحَّد ولا يقرأ على أنه «انحياز لأعدائنا» أو «خيانة»؛ إنه سلوك دبلوماسي ربما يكون مرتبطاً بتقدير المخاطر، كل لظروفه

إثيوبيا تقف في قلب القرن الأفريقي حيث تتقاطع مصالح المياه (قضية سدّ النهضة) مع امن الحدود، وصراعات داخلية تجعلها أقل رغبة في الانخراط في مواقف قد تفتح عليها مضاعفات إقليمية أو تزجّها في محاور لا تسدّ حاجاتها قصيرة الأمد؛ علاوة على أن علاقات إثيوبيا الخارجية مع لاعبين إقليميين ودوليين (بما في ذلك قنوات تعاون أمني مع إسرائيل في فترات ومجالات محددة) تجعلها تميل إلى الحذر

 جنوب السودان حالة مختلفة لكنها مفهومة: دولة حديثة الاستقلال هشة سياسياً وأمنياً، تعاني تفكك اتفاقات وفاقها  السياسي وأزمات داخلية واضحة، وأية خطوة دبلوماسية كبيرة قد تُستغل داخلياً أو تُفقدها دعماً إقليمياً وأمريكياً ضروريين لبقائها ؛ هذا قد يبرر لها الحذر أو الامتناع عن التصويت على نصوص مهمة قد تفرض عليها التعامل مع اثار  أو توقعات لا تستطيع تحمّلها الآن

كما أن الحكومة حرصت مؤخراً على نفي أي دور في محاولات «إعادة توطين الفلسطينيين» فلا تريد أن تُوضع في موقع المتورط سياسياً بملف حساس بينما مشاكلها الداخلية أكبر

  ألبانيا بدورها ليست «جاراً» للمنطقة لكنها عضواً في منظمة التعاون الإسلامي منذ 1992 ولها هوية مختلطة (إسلامية تاريخياً ولكن أوروبية وسياسية غربية مع تسارع مسار الانضمام إلى مؤسسات غربية مثل حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي)، ولذلك تميل إلى سياسة تقليل المخاطر: لا تريد أن تُعرقل مساراتها الأورومتوسطية أو تضع نفسها في مواجهة مع شركاء غربيين، وفي الوقت نفسه لا ترغب في مظهر المتجاهل لموقف العالم الإسلامي؛ لذا الامتناع يُقرأ كتمايز تكتيكي بين مواقف الهوية والتزامات الانخراط الغربي

  الخلاصة العملية والواقعية: الامتناع ليس بالضرورة رفضاً لمبدأ «حل الدولتين» بقدر ما هو استجابة ورد فعل لميراث سياسي ملتبس اضافة لمشكلات داخلية لا توفر البيئة اللازمة للاستقلال الكامل للقرار الوطني

 ومن اللائق الاحتفاظ بمسار الحوار والتفاهم مع هذه الدول وهو أفضل من القطيعة أو التصعيد خصوصا انه لايمكن الفصل مع الجغرافية الواحدة او التاريخ المشترك على مافيه من علل، وقد يكون لهذه الدول مواقف داعمة في ملفات أخرى أو في مراحل لاحقة من القضية الفلسطينية