صالح الجبواني : كلفة تأخر الحسم في حضرموت والمهرة
منذ 3 ساعات
صالح الجبواني ليس التريّث السعودي -وهو الموقف الأهم في معادلة الشرعية والتمرد الإنتقالي- في حضرموت والمهرة موضع خلاف بحد ذاته؛ فالمملكة تتحرّك في بيئة إقليمية معقّدة، وتدير ملفًا يمنيًا مثقلاً بالحساسيات والتداخلات
غير أن الإشكال الحقيقي لم يعد في مبرّرات الحذر، بل في إطالة أمده إلى حدّ بات يفرض كلفة سياسية وأمنية تتجاوز كلفة القرار المؤجَّل
في السياسة، لا وجود لفراغ محايد
وكل تأخّر طويل يتحوّل تلقائيًا إلى مساحة تُملأ بقوى أضافية، ووقائع تُصنع خارج الإرادة الرسمية
وهذا ما يحدث اليوم في حضرموت والمهرة، حيث تُختبر الخطوط الحمراء، وتُعاد صياغة التوازنات على الأرض، فيما تبدو المرجعية الضابطة مترددة في الانتقال من إدارة الأزمة إلى حسم اتجاهها
أولى نتائج هذا التأخّر هي تآكل القدرة على الضبط والهيبة
فالصبر، حين يفقد سقفه الزمني، يُقرأ كضعف قابل للاستثمار
وتدريجيًا، تتعامل القوى المحلية مع الغموض السعودي بوصفه إذنًا مفتوحًا للمناورة، لا خيارًا محسوبًا
وهنا، تصبح كلفة استعادة المبادرة لاحقًا أعلى وأقسى
الأخطر أن التأخّر سمح بترسيخ وقائع ميدانية على الأرض للتمرد
قوى أمر واقع تتوسّع، تشكيلات مسلّحة تُعاد هندستها، وإدارات تُفرض بقوة الواقع، بينما تتآكل الشرعية وتغيب الدولة
ومع كل يوم يمر، يصبح تجاوز هذه الوقائع أكثر صعوبة، وأكثر كلفة، وأقل شرعية
ولا يقلّ خطورة عن ذلك أن السعودية، بصمتها الطويل، تخاطر بخسارة الحاضنة الاجتماعية المعتدلة في حضرموت والمهرة
وهي حاضنة لطالما راهنت على دور سعودي متوازن وحاسم في آن
لكن حين يطول الانتظار، يتآكل هذا الرهان، ويتحوّل الحياد إلى خيار دفاعي، وربما إلى انكفاء يفتح الباب أمام مشاريع لا تنسجم مع الاستقرار ولا مع المصالح السعودية ذاتها
المفارقة أن ما يُؤجَّل اليوم تحت عنوان تجنّب الكلفة، قد يتحوّل غدًا إلى كلفة مضاعفة
فالحسم المتأخّر ليس خيارًا أقل ألمًا، بل غالبًا أكثر قسوة، لأن الوقت لا يجمّد الأزمات، بل يعيد تشكيلها ضد من ينتظر
إن السعودية، بثقلها وموقعها، ليست بحاجة إلى إدارة الوقت بقدر ما هي بحاجة إلى إدارة الاتجاه
فالتردّد الطويل لا يحمي الاستقرار، بل يستنزفه، ولا يمنع الانفجار، بل يؤجّله إلى لحظة يكون فيها أثمن وأخطر
والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم ليس: هل تملك المملكة أسباب التريّث؟بل: إلى متى يمكن لهذا التريّث أن يستمر دون أن يتحوّل إلى عبئ استراتيجي؟!