صحفيو المؤسسات الرسمية في صنعاء.. بين الإقصاء والتهميش بعد الانقلاب الحوثي
منذ 12 ساعات
في بلدٍ مزقته الحرب منذ نحو عقد من الزمن، لم ينجُ الصحفيون اليمنيون من آثار الانهيار، لا سيما أولئك المنتمين إلى المؤسسات الإعلامية الرسمية، الذين وجدوا أنفسهم بعد انقلاب ميليشيات الحوثي الإرهابية في سبتمبر 2014 بلا رواتب، ولا ضمانات، ولا حتى كرامة مهنية
ومنذ الانقلاب الحوثي وسيطرته على العاصمة صنعاء واحتلاله مؤسسات الدولة، تغيّرت حياة هؤلاء العاملين في الصحف والقنوات ووكالات الأنباء الحكومية بشكل جذري
فالكثير منهم اضطر لمغادرة عمله قسرًا، بينما اختار آخرون الصمت والبقاء في منازلهم، أو الانخراط في مهن هامشية لتأمين لقمة العيش، بعيدًا عن الأضواء
القهر أو مصدر بديلفي صورةٍ تختصر سنوات من القهر والإقصاء، ظهر مؤخرًا مدير فرع مؤسسة الثورة للصحافة بمحافظة عمران، الصحفي هشام الحكمي، وهو يعمل في مغسلة سيارات متواضعة شمال العاصمة صنعاء
الرجل الذي قضى سنوات خلف مكتبه محررًا ومديرًا، بات اليوم يمسك بخرطوم المياه وممسحة، باحثًا عن لقمة عيش شريفة في بلد مزقته الميليشيا وعبثت بمقدراته
ويُعد الحكمي أحد أبرز الصحفيين العاملين في مؤسسة الثورة للصحافة، وقد تولّى لسنوات إدارة فرعها في محافظة عمران، إلا أن الظروف الاقتصادية الصعبة، وتوقف صرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين منذ سنوات، أجبرته على البحث عن مصدر دخل بديل لإعالة أسرته
الصورة التي ظهر بها الحكمي عبّرت عن حال عشرات الصحفيين اليمنيين الذين وجدوا أنفسهم خارج المؤسسات الرسمية عقب انقلاب الجماعة، بعد سنوات من العمل في الصحافة الحكومية، حيث انتهى المطاف بالعديد منهم إلى الشوارع، إمّا عاطلين عن العمل، أو مضطرين لمزاولة أعمال لا تمت بصلة إلى مهنتهم الأصلية
حرمان ومخاطر ملاحقةيقول عبدالعالم سميع (اسم مستعار)، وهو أحد الصحفيين الذين تداركوا أوضاعهم بعد أن ضاقت بهم السبل: إنه يعمل الآن في بيع القات في أحد أسواق العاصمة المحتلة صنعاء، بعدما كان اسمه لامعًا في مجال إعداد البرامج الإذاعية في إحدى الإذاعات الرسمية
ويتابع بأسى: هذه الجماعة قضت على كل شيء، حرمتنا من أعمالنا، وبتنا نخاف على أنفسنا من المخاطر التي يتعرض لها الصحفيون المناهضون لفكرها ومشروعها الطائفي
ويضيف: ولأننا نخشى على أولادنا، فضلنا الصمت، وانتقلنا إلى مهن لا تليق بنا كصحفيين، لكن الواقع مأساوي ومرير في ظل سيطرة هذه الجماعة على المؤسسات
خوف دائم وإعلام مفرغإلى جانب الفقر المدقع، والإقصاء، والتهميش، يعيش كثير من الصحفيين في خوف دائم من الاعتقال أو الاستدعاء أو الفصل التعسفي، في حال عبّروا عن آرائهم خارج إطار ما تريده الجماعة
ورصد تقرير صادر عن مركز العاصمة الإعلامي ارتكاب ميليشيات الحوثي 33 جريمة وانتهاكًا بحق صحفيين وكتّاب وإعلاميين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي في العاصمة المحتلة صنعاء، خلال النصف الأول من العام الجاري
وأوضح التقرير الصادر عن وحدة الرصد والتوثيق تحت عنوان الإجرام الحوثي يطارد ما تبقى من صحفيين وكتّاب في صنعاء، أن تلك الانتهاكات تنوعت بين المحاكمات، والإخفاء القسري، والتهديد، وتقييد حرية التعبير
وبيّن أن هذه الممارسات دفعت العديد من الصحفيين والكتّاب والناشطين للنزوح إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، ما أدى إلى توقف مشاريع إعلامية كان لها أثر ملموس في المشهد الإعلامي
ويقول أحد الصحفيين الذين عملوا سابقًا في وكالة سبأ الرسمية – فضّل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية – إن مهنة الصحافة أصبحت محفوفة بالخطر، ولم يعد هناك مجال للعمل المهني أو الحيادي، كل شيء أصبح طائفيًا، وحتى البقاء في المؤسسات الرسمية مرهون بالولاء، ومقتصر على السلالة
من جهته، يقول مدير مركز العاصمة الإعلامي، عبدالسلام الغباري، إن بيئة العمل الصحفي تكاد تكون معدومة في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية، بسبب سطو الجماعة على المؤسسات الإعلامية، وممارساتها القمعية ضد الحريات الصحفية
وأضاف: باتت العاصمة صنعاء اليوم مفرغة من العمل الصحفي المهني
وأكد الغباري أن انتهاكات الحوثيين بحق الصحفيين في تصاعد مستمر، وأن الجماعة تعمّدت إسكات كل الأصوات المخالفة، والتنكيل بمن تبقى في مناطق سيطرتها، مما اضطر غالبية الصحفيين للبحث عن مصادر دخل بديلة لا تليق بمكانتهم، لكن الميليشيا أوصلتهم إلى هذا الحال