صناعة السلال من القصب… حرفة مهددة بالاندثار
منذ شهر
يجلس العم “هائل الشرعبي” صباح كل يوم مع عائلته يُشذب أعوادًا من القصب، لتكون جاهزة لصنع السلال، منكبًا على العمل في حرفة لم يعد يعمل بها الكثيرون
رغم أن الحرفة شارفت على الاندثار بفعل انتشار استخدام خامات بلاستيكية، لكن العم “هائل” لا يعرف عملًا غير هذه الحرفة
وبالرغم من دخوله العقد الخامس من العمر يتحرك بخفة ونشاط شاب عشريني، ترتسم حرارة الشمس على وجهه الأسمر، وعلى جروح أصابعه التي سببتها حدة أعواد القصب
ملامح يمنية تعارك قسوة الأيام، وتصر على هزيمة الظروف وعدم نيلها من حالة الرضا التي يعيشها
يسرد العم هائل -من أبناء مديرية شرعب السلام، شمالي محافظة تعز- قصته لـ«المشاهد» قائلًا: أعمل في هذه المهنة منذ أن كنت في الحادية عشر من العمر، لكن الحال كان غير الحال
ويضيف: هجر الحرفة كثيرون، فمنهم من عمل في مهن وحرف أخرى، ومنهم من سافر إلى المدن للعمل، ولم يعد أحد من الجيل الجديد من يرغب في تعلمها، حتى ابني رفض العمل معي في تلك الحرفة بحجة أنها مهنة متعبة
حسب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة فإن اليمن تعد واحدة من أكثر البلدان تلوثاً، حيث تتراكم النفايات البلاستيكية بمعدل ينذر بالخطر
يعود ذلك جزئياً إلى الصراع المستمر منذ سنوات، والذي أدى إلى انهيار العديد من الخدمات الأساسية، بما في ذلك ادارة النفايات
العم هائل الشرعبي: هجر الحرفة كثيرون، فمنهم من عمل في مهن وحرف أخرى، ومنهم من سافر إلى المدن للعمل، ولم يعد أحد من الجيل الجديد يرغب في تعلمها، حتى ابني رفض العمل معي في تلك الحرفة بحجة أنها مهنة متعبة”إن عمل هائل في هذه الحرفة يساعد ولو في الحد الأدنى في الحد من استخدام البلاستيك بين المزارعين على الأقل
حيث أن البلاستيك يحدث أضرارا صحية وبيئية هائلة على الإنسان، الحيوان والنبات، حسب حديث سابق للأستاذ الجامعي بكلية الزراعة في جامعة صنعاء، أحمد الملصي
يضطر صانع السلال للاستيقاظ يوميًا عند الفجر للبحث داخل الأراضي الزراعية وعلى أسوار البساتين عن القصب الذي ينتشر بكثرة في المنطقة
يجمع الصانع القصب ويعود بها إلى منزله، وهي عملية تحتاج إلى الصبر والأناة وتحمّل جروح النسلات
يقول الشرعبي: أقطع القصبة وأنقعها في المياه لتلين؛ ثم أشرّحها طوليًا وأنظفها من الشوائب قبل أن أبدأ معركتي معها في لفها وطيها وتطويعها لتنحني
ويواصل: ثم أجهّز بعدها قاعدة السلة التي تسمى “البدوة”، وهي عبارة عن الركيزة الأساسية، غالبًا ما تتألف من أكثر من عشر قصبات، يتم رصّها بالأرجل واليدين في حركة سريعة ولينة
وأشار الشرعبي إلى أنه يصنع أنواعًا من السلال، تُستخدم كأطباق وسلال للمحاصيل الزراعية خصوصا الفواكه
حيث يتم إنتاج سلال بطبقات عمودية خاصة بالخضار والفواكه، وسلال خاصة بالورود بأشكال دائرية أو بيضوية، وسلال كبيرة الحجم
وأوضح أن هناك قلة في إنتاج السلال، فقديمًا كان يوجد على الأقل يوميًا خمسون سلة، أما الآن لا يتعدى المعروض عشر سلال فقط
ويصف الشرعبي صناعة السلال بأنها كانت مصدر رزق وحيد للعاملين في حِرفة يدوية كهذه، لكن الحرب ألحقت ضررًا كبيرًا بهذه المهنة
حيث أدت إلى ارتفاع تكلفة المواد الخام وانخفاض الطلب على السلال، بحسب الشرعبي
ويتابع: لقد أجبرتني الحرب على بيع بعض حيواناتي لتغطية نفقاتي، كما أن تكلفة القصب اللازم لصنع السلال قد ارتفعت بشكل كبير؛ ما جعل من الصعب عليّ الحفاظ على هامش ربح معقول
وعلى الرغم من التحديات، لا يزال هائل متمسكًا بحرفته، قهو ورثها عن والده، ولن يستسلم بتركها
”ومع اقتراب موسم الحصاد، يبدأ المزارعون في طلب سلال هائل لجني الثمار والفواكه
ويقول المزارع علي محمد النخلي أنه يستخدم سلال القصب لأنها متينة وتسمح بتهوية الثمار؛ مما يساعد على بقائها طازجة لفترة أطول
وأوضح النخلي لـ«المشاهد» “أن هناك بدائل بلاستيكية رخيصة، إلا أنها لا تدوم طويلاً ولا تسمح بتهوية الثمار بشكل مناسب، لذا، فإن سلال القصب لا تزال الخيار الأفضل بالنسبة لنا
“المزارع علي النخلي: أستخدم سلال القصب لأنها متينة وتسمح بتهوية الثمار مما يساعد على بقائها طازجة لفترة أطول
من جانبه، يقول الستيني سعيد الغيلي، وهو منهمك في تنقية القصب: “كانت هذه الصناعة في وقت سابق تجلب عددا كبيرا من الشباب ممن يبحثون عن فرصة لتعلمها، وكانت تؤمن لقمة عيش للمئات من المواطنين”
إلا أنها اليوم أصبحت مهددة بالزوال، لعدة عوامل؛ منها المتعلقة بالبشرية والتكنولوجية الحديثة، وفقًا لحديث الغيلي مع «المشاهد»
ولفت إلى أن الصناعة الحرفية للسلال الطبيعية، ورغم تراجع نسبة الإقبال عليها على شرائها وصناعتها في العقود الماضية، إلا أنها تبقى من الصناعات التي توصف بـ”النظيفة والصديقة للبيئة”
موضحًا أن المواد الأولية المستعملة خالية من أي نوع من البلاستيك أو شيء آخر يهدد البيئة والمناخ
في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها العائلات اليمنية، دفعت أسرة هائل الشرعبي بابنها مروان رغم صغر سنه للولوج إلى عالم صناعة السلال اليدوية، ومساعدة والده في هذا العمل
يقول مروان لـ«المشاهد» لم أترك والدي يقوم بهذه المهنة الشاقة لوحده، كنت أقوم بمساعدته عندما كنت بالصف الثاني الإعدادي، وكانت أيضا طموحي هي تطوير هذه الصناعة اليدوية التي ورثتها أبًا عن جد
يقل مروان أن الحرفة لم تعد تجلب اهتمام الشباب لتعلمها، لكنه يجد نفسه في هذه الصناعة وتعجبه، خاصة أنه يكون محاطًا بأعواد القصب ويشبك بعضها ببعض محولًا إياها خلال ساعات إلى سلة جميلة
وأضاف: أهل المنطقة يتحسرون بعد أن هجر بعض الحرفيون هذه المهنة بحثًا عن فرص عمل في المدن، تاركين وراءهم إرث أجدادهم يئن تحت وطأة النسيان، والحرب
مشيرًا إلى أن هذه الصناعة تحتاج إلى دعم في ظل ارتفاع المواد الأساسية التي أصبحت مكلفة، خصوصًا أمام غياب الإقبال على شرائها من الزبائن
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير