عام على تشكيل المجلس الرئاسي
منذ 2 سنوات
كان الإعلان عن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي اليمني في أبريل/ نيسان، العام الماضي، خبرًا مفاجئًا، وتطورًا غير متوقع للملايين من اليمنيين
اختفى الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي من المشهد السياسي تمامًا، وبرزت قيادة جديدة لتولي المهام السياسية والعسكرية والاقتصادية في اليمن
يتكون المجلس الرئاسي من ثمانية أشخاص يمثلون عدة أحزاب ومكونات سياسية، برئاسة رشاد العليمي
انطلق بعد التأسيس بأهداف كبيرة وطموحات عالية، منها إنهاء الانقسام الداخلي، ومواجهة الحوثيين سلمًا أو حربًا، وتحقيق إصلاحات اقتصادية
اليوم، وبعد انتهاء عام كامل منذ تأسيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، ما الذي تحقق؟كان أول خطاب للعليمي عقب تأدية اليمين الدستورية في 19 أبريل/ نيسان 2022، وتعهد حينها بالعمل على تماسك المجلس وتوحيد المؤسستين العسكرية والأمنية لمواجهة تحديات استعادة الدولة من الحوثيين، غير أن هذا الأمر لم يحدث
يرى العديد من الباحثين السياسيين أن أداء المجلس الرئاسي خلال عامه الأول لم يكن في المستوى المأمول، ولم ينجح في تحقيق أهدافه التي أعلن عنها عند التأسيس، لا سيما توحيد القوى المناهضة للحوثيين وإنهاء حالة الانقسام في صفوفها
برزت أحداث عدة، وعكست حجم الخلافات المستمرة بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي
في ديسمبر 2022، اتهم العليمي، قيادات في المجلس -لم يسمها- بمحاولة جرّ قيادات أخرى إلى “حالة صدام”، ويعد ذلك التصريح بمثابة اعتراف أن المجلس فشل في إنهاء الانقسامات بين القوات اليمنية المناهضة للحوثيين
بحسب مصدرين في الحكومة اليمنية، فإن الخلافات التي نشأت بين أعضاء المجلس كانت حول “دمج التشكيلات العسكرية والأمنية في إطار وزارتي الدفاع والداخلية، وعرقلة عمل اللجنة المعنية بهذا الشأن”
ويقول المصدران، فضلا عدم الكشف عن هويتهماـ لـ”المشاهد” إن الخلافات كانت حول بعض القرارات المتعلقة بالتعيينات في المؤسسات الأمنية والعسكرية، وبدا هذا واضحًا في قرار تغيير قائد القوات الخاصة في شبوة في أغسطس الماضي، وما نتج عنه من تداعيات خطيرة واقتتال دام عدة أيام
هناك حاجة ملحة لإعادة هيكلة وتوحيد مختلف القوات العسكرية والأمنية، إلا أن “هذا الملف لم يُنجز بعد، ما جعل مجلس القيادة الرئاسي في مأزق حقيقي”، بحسب المصدرين
عبدالسلام محمد، رئيس مركز أبعاد للدراسات، يرى أن المجلس لم يحل “إشكالات الجماعات المتناقضة المصالح والولاء” في معسكر الشرعية الذي “ظل مُفككًا، ولم يستطع الرئيس ولا الحكومة إدارة البلاد من عدن”
يضيف محمد في تصريح لـ”المشاهد” أنّ “النصف الأول الذي تديره السعودية وهو توجيه المجلس لاتفاقيات وهدن وعملية سلام هي الناجحة”
مضيفًا أن “النصف الآخر الذي هو حل إشكالية القيادة الوطنية لليمنيين كان فاشلًا بامتياز، والدليل على ذلك لا يوجد أي إنجاز واضح يُذكر في الفترة الماضية في إنهاء المشاكل”
ويعتقد أن نفوذ الدولة “تراجع كثيرًا، وتراجع دعم المؤسسة العسكرية التي هي صمام أمان لإنهاء الانقلاب” منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي
سياسيًا، كان أداء المجلس الرئاسي “ضعيفًا وغائبًا عن المشهد السياسي اليمني”، حسبما يرى المحلل السياسي نبيل الشرجبي
يقول الشرجبي لـ”المشاهد” إن رفض الحوثيين الاستجابة لدعوات المجلس للحوار ورفضهم التعامل معه زاد من فشل المجلس الرئاسي على المستوى السياسي
وكان قرار نقل السلطة نص على تولي المجلس الرئاسي التفاوض مع جماعة الحوثيين (أنصار الله) لوقف إطلاق نار دائم في كافة أنحاء البلاد، والجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي نهائي وشامل يتضمن مرحلة انتقالية تنقل اليمن من حالة الحرب إلى حالة السلام
لكن ذلك لم يتحقق
ولتحقيق هدف التوصل إلى حل سياسي؛ شُكلت هيئة التشاور والمصالحة، ويعد من صميم مهامها توحيد القوى الوطنية وتهيئة الظروف المناسبة لوقف الاقتتال والصراعات بين كافة القوى، والتوصل لسلام يحقق الأمن والاستقرار في كافة أنحاء البلاد
ومنذ تشكيل هذه الهيئة البالغ عدد أعضائها 50 عضوًا، عُقدت سلسلة اجتماعات خرجت في النهاية بوثيقتين تضمنتا رؤية لعملية سلام شامل ومبادئ مصالحة بين القوى والمكونات السياسية الشرعية
وتضمنت وثيقة رؤية السلام الشامل عدة بنود أبرزها: “وقف إطلاق نار شامل من خلال آليات محددة وضمانات، وإجراءات بناء الثقة بما في ذلك، القضايا الإنسانية والأسرى والمعتقلون والمعتقلات والمرتبات ورفع الحصار عن المدن واستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب ومناقشة الجانب العسكري والأمني في التفاوض وعدم السماح بالقفز إلى الجوانب السياسية ووضع تصور شامل لذلك”
كل تلك الأفكار لم تجد التطبيق الفعلي
عسكريًا، شهدت جبهات القتال في البلاد جمودًا عسكريًا شبه تام خلال فترة العام من تشكيل المجلس الرئاسي، وهذا الأمر ارتبط بفعل الهدنة الإنسانية المبرمة بين الحكومة والحوثيين، والتي استمرت ستة أشهر
ورغم تعثر جهود تمديدها إلا أن الجبهات لم تشهد سوى معارك محدودة لم يحقق الطرفان خلالها أي تقدم ملموس على الأرض
علي الذهب، الباحث المتخصص في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، يرى أن الأداء العسكري لمجلس القيادة الرئاسي كان مقيدًا بقرار نقل السلطة والهدنة الأممية
ويضيف الذهب لـ”المشاهد” أن وزارة الدفاع في الحكومة المعترف بها دوليًا “التزمت بأحكام الهدنة وحافظت على مواقعها ولم تستجب لتهديدات الحوثيين لا سيما الهجمات على مصادر إنتاج وتصدير النفط وموانئها في حضرموت وشبوة، فضلًا عن استهداف مراكز بحرية جنوبي المخا”
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2022، شنت جماعة الحوثي هجمات على موانئ نفطية في محافظتي شبوة وحضرموت، الواقعتين ضمن سيطرة الحكومة ما أدى إلى توقف صادرات النفط؛ بالمقابل ردّ المجلس الرئاسي بتصنيف الحوثيين كمنظمة “إرهابية”
أمنيًا، يرى الذهب أن أداء المجلس الرئاسي “لم يكن بالقدر المطلوب، وواجه تحديات كثيرة، وإن حققت وزارة الداخلية بعض الإنجازات لكنها تظل وفق المتاح لديها لأنها تواجه تحديات في الإمكانيات المادية والفنية واللوجستية”
ويعتقد أن “الاختلالات الأمنية ]في المناطق التي تحت سيطرة المجلس الرئاسي كانت واضحة، فمثلًا لم يتمكن وزير الداخلية من البقاء والاستمرار في عدن وممارسة مهامه من هناك”
لم يستطع المجلس الرئاسي مواجهة مشكلات تهريب الأسلحة والمخدرات وتدفق المهاجرين غير الشرعيين في السواحل الشرقية والجنوبية للبلاد في ظل استمرار سيطرة التحالف العربي على القرار العسكري والأمني، بحسب الذهب
تولى المجلس الرئاسي السلطة في ظل وضع اقتصادي منهار، وكان الوضع الاقتصادي من أكبر التحديات التي واجهها المجلس ولا يزال
اتخذ المجلس عددًا من السياسات النقدية والمالية قادت في المجمل إلى الحفاظ على استقرار نسبي للعملة عند 1200 ريال للدولار مقارنة مع 1500 ريال أواخر العام 2021
وفيق صالح، صحفي اقتصادي، يرى أن المتغيرات والتطورات التي حدثت منذ تشكيل المجلس الرئاسي لا تساعده في العمل على إصلاح الأوضاع والاختلالات الاقتصادية ووضع الحلول والمعالجات وتحسين الأوضاع المعيشية والخدمية للمواطن
يقول صالح لـ”المشاهد”: “خلال الربع الأول من العام الماضي وعقب تشكيل المجلس الرئاسي حدث نوع من الاستقرار النسبي في قيمة العملة الوطنية وفي القطاعات الاقتصادية والايرادية والقيمة الشرائية للعملة مع استمرار التضخم وارتفاع أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية”
ووفق مراقبين فإن الوديعة السعودية والإماراتية المقدرة بنحو ثلاثة مليارات دولار، أسهمت بتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية واستمرارية صرف رواتب الموظفين لا سيما بعد توقف تصدير النفط جراء هجمات الحوثيين على الموانئ والتي تسببت بحرمان الحكومة 70% من إيرادات موازنتها
تشكل عائدات الموارد النفطية نحو 75% من الموازنة العامة للدولة في اليمن، يصرف منها مرتبات للموظفين وتسديد اعتمادات الواردات من السلع الغذائية ونفقات تشغيلية لتيسير أعمال السلطات المحلية بالمحافظات التي تديرها الحكومة
حصل مجلس القيادة الرئاسي على تعهدات إقليمية بالدعم خلال جولة شملت دول الخليج ومصر في الفترة من 6 إلى 8 يونيو/ حزيران 2022، فضلًا عن استقطاب تمويلات طارئة بقيمة 300 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة لدى صندوق النقد الدولي
لكن تلك التعهدات لم تغير الوضع الاقتصادي في اليمن كثيرًا
بحسب صالح، تجربة المجلس الرئاسي “ما يزال ينقصها الكثير من العمل وبذل الجهد في مختلف المجالات والقطاعات وإنهاء التباينات والخلافات السياسية، حتى يمكن أن تتحقق وعود تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية”
بدت إنجازات مجلس القيادة الرئاسي خلال العام الماضي متواضعة، ولم تصنع فرقًا كبيرًا في حياة اليمنيين على المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي
وفي ظل ذلك الأداء المتواضع، تبددت آمال اليمنيين في المجلس الرئاسي، وصاروا يعتقدون أنه لا يستطيع أن يحقق أهدافه التي أعلن عنها
ليصلك كل جديدالاعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير