عبدالناصر العوذلي : البحر الأحمر ، باب المندب ، خليج عدن منطقة صراع جيوسياسي استراتيجي

منذ سنة

إن مايحصل اليوم في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن صراع محموم لرسم واقع بحري جديد ينطلق من مفاهيم السيطرة على خطوط الملاحة الدولية والتحكم بحركة السفن في باب المندب وصولا إلى قناة السويس

 كان ومازال باب المندب هو المضيق الأهم والمهم نظر لموقعه الإستراتيجي الذي يربط الشرق بالغرب ويختصر المسافة 80% من الحركة عبر رأس الرجاء الصالح

 ظلت اليمن على مدى مئات السنين عرضة لحملات إستعمارية متعددة الوجوه الرومان والبرتغاليون والإنجليز والأتراك ولم تهدأ هذه المنطقة من التوتر

  وفي عام 1839 احتلتها بريطانيا واحكمت السيطرة عليها بعد تفكك إمبراطورية الرجل المريض ( الدولة العثمانية ) ومكثت بريطانيا جاثمة على هذا الممر البحري الحيوي قرابة 129 عام حتى 30 نوفمبر 1967 حيث تسلمت البلاد آنذاك مايعرف حينها بالجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن

 جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية هي الدولة التي نشأت بعد رحيل الإستعمار البريطاني وتحولت بعد الى الحزب الاشتراكي اليمني الذي تبنى النظرية الإستراكية وانعزل جنوب الوطن عن محيطه العربي نظرا لراديكالية اليسار المتشدد في الحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يتبنى فكرا مخالفا لفكر المنطقة وكان ذلك أبان الإحتقان السياسي بين قطبي العالم الإتحاد السوفييتي وحلف وارسو وأمريكا والغرب وحلف الأطلسي او الناتو

 الإتحاد السوفييتي تواجد في هذه الرقعة الجغرافية كداعم لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وكانت له قواعده في الجنوب اليمني الى أن تفكك بعد نظرية البرسترويكا التي مثلها ميخائيل جورباتشوف وهو آخر رئيس لما سمي بالاتحاد السوفييتي

   23 سنة هي المدة التي حكمتها الجبهة القومية وحزبها الاشتراكي اليمني وبعد ذلك دخل الجنوب في وحدة اندماجية مع الجمهورية العربية اليمنية وانتهت من الخارطة السياسية جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ونشأت عنها الجمهورية اليمنية

 الوحدة اليمنية

  توحد شطري البلاد في 22 مايو 1990 بميلاد دولة جديدة هي الجمهورية اليمنية التي ضمت الشمال والجنوب في إطار سياسي واحد باتفاقية هزيلة لم تراعي مصالح الشعب وكانت النوايا غير صادقة من قبل القائمين عليها والموقعين على تأسيسها إذ أن لكل طرف نواياه التي أراد تحقيقها

  وضع مضطرب

   دخلت البلاد في وحدة غير متكافئة بل ومضطربة إذ أن الخلافات نشبت بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الإشتراكي شركاء الوحدة أفضت هذه الخلافات الى حرب 1994 التي انتهت في 7 يوليو بسيطرة المؤتمر الشعبي العام برئاسة علي عبدالله صالح وإقصاء الحزب الاشتراكي اليمني برئاسة علي سالم البيض

  عدم الإستقرار

  ظل اليمن غير مستقر والقيادات لم تستطع أن تنهض بالبلاد عجز تام في إدارة الدولة يقابله أطماع إقليمية ودولية للعودة إلى هذا الجزء الحيوي والإستراتيجي وظلت اليمن محط أنظار قوى الهيمنة الإمبريالية والإستعمارية العالمية وكان ضعف النظام هو ما سهل لهذه القوى التواجد من خلال اتفاقيات تنقيب للنفط والغاز وكانت اتفاقيات لم تراعي مصلحة الشعب اليمني بل كانت عمليات إهدار للثروات الطبيعية ومنها اتفاقية شركة توتال للغاز المسال والتي اهدرت حق الشعب في ثروته وبيع الغاز لتوتال باقل من السعر العالمي بنسبة كبيرة وتواجدت عبر ذلك فرنسا في المشهد اليمني   ميناء عدن وفترة هادي وتم بعد ذلك اتفاقية تأجير ميناء عدن لشركة موانىء دبي الشركة الإماراتية المنافسة للميناء وتجمد الميناء فترة من الزمن حتى ثورة التغيير 2011 التي أطاحت بالنظام القائم في البلاد وجاء عهد جديد برئاسة عبدربه منصور هادي الرجل الذي ظل في الظل لقرابة العشرين عام وفي 21 فبراير 2012 انتخب الرئيس هادي رئيسا توافقيا مزمنا بحسب المبادرة الخليجية لمدة عامين والغى في عهده اتفاقية تأجير ميناء عدن لشركة موانىء دبي ولكن لم تنتهي الأطماع الإمارات من السيطرة على ميناء عدن وكان ذلك من خلال التحالف العربي الذي مكن للسعودية والإمارات من رسم سياسة جديد في الجنوب تنطلق من مصلحة الدولتين

 وكانت فترة هادي هي أسوأ فترة مرت على اليمن نظرا لإمكانياته السياسية المتواضعة واهتزاز شخصيته وعدم قدرته على توظيف مطبخ سياسي يدعمه في التنظير ورسم الخطط السياسية التي تحفظ كيان الدولة ، فهو رجل عسكري وليس سياسي بالإضافة إلى أن قوى الدولة العميقة للمؤتمر الشعبي العام وأيضا أطماع الإمامة بالعودة مرة أخرى متمثلة في الجناح الحوثي أضعفت أداء هادي وأوصلته الى الفشل التام في السيطرة على الوضع

 الحوثيون وصالح    وجد صالح مصلحة في رسم علاقات مع الحوثيين واستخدامهم للتخلص من قيادات الإصلاح التي يرى أنها سبب الثورة عليه، وفي المقابل وجد الحوثيين ضالتهم في توحيد العمل مع المؤتمر الشعبي العام ومع علي عبدالله صالح للوصول الى احكام السيطرة على صنعاء خصوصا ان صالح كان يرى أن هادي والقوى السياسية التي مددت له المدة لخمس سنوات قد انقلبوا على التزمين لمدة العامين التي اكدت عليها المبادرة الخليجية   وكان هذا بعد مؤتمر الحوار الوطني الذي توافقت فيه القوى السياسية على إعادة تصحيح عقد الوحدة اليمنية والخروج من مرحلة الدولة البسيطة الى مرحلة الدولة الاتحادية الفيدرالية بنظامها الجمهوري الذي يحفظ الحقوق والحريات

 الأجندات المتقاطعة

   تقاطع الأجندات الإقليمية والدولية في اليمن ودخول إيران في المشهد السياسي والعسكري من خلال الحوثيين الذين يعدون احد أهم مليشيات إيران في المنطقة وسقطت صنعاء في يد الحوثيين بدعم إيراني وعربي وأمريكي وبتماهي السلطة إنذاك في 21 سبتمبر 2014 ودخلت البلاد مرحلة جديدة معتمة ومظلمة واختلطت الأوراق وانقلب الحوثيين على الإتفاقيات التي ساعدهم للوصول الى صنعاء بغرض تحقيق هدف معين ؟؟  وتأكد الإقليم حينها أنه خدع وأن إيران أرضعت أولادها لبنها وتثق فيهم فكانت البداية لتشكيل التحالف الذي ضم 18 دولة بقيادة مجلس التعاون الخليجي بإستثناء عمان

 التحالف العربي   تشكل التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات بحجة دعم الشرعية وهزيمة الانقلاب الحوثي والمد الصفوي وكان هذا بعد فرار هادي من صنعاء الى عدن ومن ثم الى عمان والسعودية وبقاءه في السعودية من نهاية مارس 2015 الى أن تم الإنقلاب على شرعيته في 7 ابريل 2022 بولادة مجلس القيادة الرئاسي بثمانية أعضاء مناصفة بين الشمال والجنوب وبرئاسة دكتور رشاد العليمي

 الحوثيون يستفيدون من كل التباينات التي تطرأ على التحالف العربي وقوى الشرعية المنضوية تحت لوائه إذ أن القرار السياسي في الشرعية له عدة مصادر وليس قرارا مستقلا وغرفة عمليات غير موحدة ما أضعف الشرعية ضعفا تاما

 ولكن في المقابل إيران يبدو أنها تحقق انتصارات من خلال مليشياته التي تأتمر لقيادة واحدة وغرفة عمليات عسكرية واحدة وليس هناك عند الحوثيين تعدد مصادر للقرار السياسي

  في الوقت الذي لم يستطع التحالف من توحيد الإستراتيجية والانطلاق بروح واحدية لقوى الشرعية بل لقد عمق التحالف العربي الخلافات بين الشرعية وأوجد كيانات وقوى سياسية وعسكرية جديد أضعف بها أداء الشرعية وشتت قرارها السياسي وأضعف قوتها العسكرية

  وفي المقابل نرى تماسك مليشيات الحوثي الذي يعكس قوة الداعم الإيراني وتبنيه بكل قوة لحلفائه في المنطقة التي يريد أن يتواجد في مياهها ومضايقها وكانت تصريحات قيادات إيرانية تقول انهم يسيطرون على الملاحة في البحر الأحمر وهذا لم تأت من فراغ بل هو تأكيد على دعمهم لمليشيات الحوثيين التي تنفذ سياستهم

 تحالف الزهور   دخول أميركا وإسرائيل وأوروبا في عمليات البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن فيما يعرف بتحالف الزهور هو تأكيد على أن قوى الهيمنة الإمبريالية والإستعمارية مازالت تنطلق من مفاهيم القوة والذرائع الواهية

 

فالحوثيين إن كانوا خطرا كما تدعي أمريكا فالأمر يحتاج الى بحث ذلك مع الشرعية لدعم جيشها للوصول الى ميناء الحديدة والصليف ورأس عيسى وبذلك ينتهي خطر الحوثيين ولكن الامور أبعد من ذلك فهناك مشروع شرق اوسط جديد وهناك قناة بن غوريون المراد شقها وهناك خطة حصار مصر والأردن وخنق قناة السويس وخليج العقبة للوصول الى اعتراف عربي بإسرائيل وتذويب وصهر القضية الفلسطينية

 ومازلت اضطرابات باب المندب تعيق الملاحة الدولية وتخنق قناة السويس وتؤثر تأثيرا بالغا على الأمن القومي العربي

 ويل للعرب من شر قد اقترب