عمل النساء في مناطق سيطرة جماعة الحوثي .. إقصاء وتضييق

منذ شهر

تعز – عبدالله محرم :تفاجأت فاطمة القباطي قبل نحو عام بقرار فصلها من عملها في إحدى الهيئات التابعة لوزارة الأوقاف والإرشاد في صنعاء دون إشعار مسبق

“تم إبلاغي من قبل إدارة الموارد البشرية بعدم الحاجة إلي دون ذكر تفاصيل أخرى على الرغم من محاولاتي المتكررة لمعرفة سبب فصلي من العمل”

عملت القباطي لأكثر من 16 عامًا كمختصة إدخال ومراجعة البيانات في تلك الهيئة، موضحة أنها ظلت ملتزمة بأداء عملها رغم عدم تحصلها على راتبها الشهري كما هو حال غيرها من الموظفين

تنتمي فاطمة الى ذلك النوع من الموظفين الذين استمروا في أداء مهامهم حفاظًا على درجاتهم الوظيفية منذ توقف الجهات عن صرف رواتبهم نهاية العام 2016م بسبب حالة الحرب التي تمر بها البلد

مع إشراقة كل يوم عمل جديد تذهب فاطمة وغيرها من الموظفين الحكوميين إلى أعمالهم على أمل وصول الأطراف الى حلول قريبة تعيد اليهم حقوقهم المادية والمعنوية، لكن قرار الفصل المفاجئ بدد تلك الآمال

القباطي ليست الوحيدة التي فقدت عملها إذ تقول بأن أخريات كُثر تم اقصاؤهن من أعمالهن خلال ذات الفترة 2021م لتصبح الوزارة شبه خالية من النساء الموظفات

نسب منخفضةفي اليمن يعاني قطاع الاعمال عمومًا من حالة خلل بين النساء المؤهلات والقادرات على العمل وبين من يتحصلن على فرص العمل

وحسب تقرير منظمة العمل الدولية للعام 2013م، فقد تسبب ربط مستويات التعليم العالي بزيادة مشاركة النساء في القوى العاملة في احداث فجوة بينهن وبين النساء ما دون التعليم الجامعي

ويفيد التقرير بأن 62

1% من النساء الحاصلات على تعليم جامعي تحصلن على فرص الانضمام إلى القوى العاملة في البلد، مقابل 4

5% فقط من الحاصلات على تعليم أقل

غير أن حجم قوة العمل النسائية في عموم البلد يمكن يظهر بشكل أوضح من خلال الصورة الكاملة

 ففي الأجواء التي كانت توصف بـ “الطبيعية” أي حتى ما قبل اندلاع الحرب في اليمن – سبتمبر 2014م، كان معدل مشاركة النساء في الوظائف والأعمال في حالة انخفاض ظاهر، إذ أن نسبة النساء ضمن القوى العاملة لم تكن تتعدى سقف الـ 6% من إجمالي عدد الموظفين وذوي الاعمال، لترتفع النسبة الى 7% خلال العام 2013م

في المقابل يبين استطلاع أممي النوعية الغالبة من الوظائف والأعمال التي تتحصل عليها النساء في اليمن، حيث يكشف استطلاع أجرته منظمة العمل الدولية، أن من بين 293 ألف امرأة تم توظيفهن قبل نشوب الصراع، عمل نصفهن في الزراعة، إما كمنتِجات ألبان أو في التربية الحيوانية أو كمزارعات، فيما عمل ثلث النصف الباقي في قطاع الخدمات، وثلث آخر في شركات مملوكة للعائلة وذلك مقارنة مع أقل من عشر العاملين من الرجال

زيادة طارئة وفي الوقت الذي تسببت الحرب في خفض عمالة الإناث في اليمن بمعدل 28% مقارنةً بنسبة انخفاض بلغت 11% في عمالة الذكور، فإنها فتحت من جانب آخر فرصًا جديدة امام النساء

ووفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي العام 2017، فإن تدفق التمويل الإنساني لليمن دفع بمزيد من النساء للعمل في قطاع المساعدات الإنسانية

 كما رجحت دراسة أجريت العام 2018م، أن عدد النساء اللواتي يعملن في المنظمات غير الحكومية المحلية يزيد عن عدد الرجال العاملين في ذات المجال

الدراسة أفادت كذلك أن المزيد من النساء تم استيعابهن في مجال توزيع المساعدات الإنسانية، كما اقتحمت النساء خلال حالة الصراع مهنًا كانت مغلقة أمامهن نظراً للقيود الثقافية، مثل العمل كنادلة أو بائعة تجزئة

خنق وتضييقلم تكتف سلطة الحوثيين في صنعاء بإقصاء الموظفات الحكوميات من وظائفهن، بل امتد الأمر الى النساء الموظفات في القطاع الخاص، حين أصدرت نهاية العام 2018م تعليمات إلى كافة المطاعم بمنع استيعاب العمالة النسائية ووقف العاملات

مارست جماعة أنصار الله (الحوثيين) حملاتها ضد النساء العاملات، بشكل تدريجي منظم لتبلغ تلك الحملات ذروتها خلال العام 2021م، حين اتجهت صوب النساء اللواتي يشغلن مواقع قيادية في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمنظمات والجمعيات

 اعتمدت الجماعة بداية أسلوب التضييق عبر عدد من الإجراءات كالمنع من السفر عبر مطار صنعاء والمنافذ البرية الأخرى دون وجود “مَحْرم”

تلى ذلك تنظيم حملات تحريض مبنية على أساس الإجراءات التعسفية

 كانت جماعة الحوثي فرضت قواعد اجتماعية مشددة ملبسة إياها صبغة دينية في عموم المناطق الواقعة تحت سيطرتها

نفذت الجماعة حملات تحريضية تحت عنوان الدفاع عن النقاب (تغطية وجه المرأة ورأسها) ليتم النيل خلالها من النساء اللواتي يرتدين الحجاب (غطاء الراس) مركزة الحملة اكثر على النساء العاملات في منظمات المجتمع المدني

استخدمت الجماعة خلال حملاتها تلك نصوصا دينية يتم تأويلها بالطريقة التي تخدم هدف افراغ المؤسسات من العمالة النسوية، فشجعت على الخطاب الذي يحث المرأة البقاء في المنزل، مكثفة رفقة ذلك الحديث عن الحروب الناعمة وما تصفه بسعي “الغرب” الى نشر الفساد الأخلاقي وتحريض النساء على عدم البقاء في منازلهن وتربية أطفالهن حد وصف الخطاب الديني السياسي المضلِل

يقول زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي في خطاب مسجل بثته قناة المسيرة الناطقة باسم الجماعة: إن عمل المرأة الأساسي، هو تربية الأطفال والاهتمام بالمنزل فقط، وهي نعمة كبيرة لا يجب التخلي عنها مهما حدث، الامر الذي عدّه مدافعو حقوق الإنسان تحريضًا صريحًا ضد النساء العاملات في المجال الوظيفي

موقف الشرعلا مانع شرعي من عمل المرأة إذا كان متناسبًا مع طبيعتها بحسب قول الباحث المختص بالشؤون الإسلامية عبد الواسع العامري الذي يقول: “الأصل في عمل المرأة في الإسلام مباح طالما أن العمل لا يؤثر سلبا على حياتها العائلية، مع التزامها بالضوابط الدينية والأخلاقية، والأمر ذاته ينطبق أيضًا على الذكور”

ويوضح العامري” هناك نصوص دينية وآيات قرآنية تحث على العمل وتخاطب الجميع دون تمييز”

يشرح التاريخ الاسلامي كيف ان المرأة شاركت الرجل في عهد النبي محمد في شتى أمور الحياة كالقيام بالاعمال والمشاركة في المعارك والفتوحات الإسلامية، كما ان لها إسهاماتٍ واضحة الأثر في بنية المُجتمع المسلم

يضيف العامري ” عملت المرأة في التجارة، وكانت زوجة النبي خديجة أبرز شاهد على ذلك، وكان للمرأة دور بارز في المجالات الطِبّية؛ كمشاركة السيدة رُفيدة الأسلميّة وجهودها هذا المجال، وعملت المرأة في الزراعة وتربية الأغنام، وغيرها من الأمثلة ولم يقتصر الامر وقتها على الرجل في ممارسة الاعمال”

في السياق تقول التربوية والمرشدة الاجتماعية فاطمة صالح أن ما تقوم به سلطات الحوثيين من فصل جندري بين الجنسين له عواقب وخيمة على النساء والمجتمع بشكلٍ عام؛ “تلك الممارسات تؤدي إلى عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية بين الجنسين وغالبًا ما يتسبب ذلك في حرمان النساء والفتيات من الفرص والوصول الى مراكز صنع القرار”

“استبعاد نصف المجتمع من المساهمة في التنمية شكل من اشكال صناعة الفقر في اوساط المجتمع” تضيف صالح مشيرة الى ان ذلك الحرمان يؤدي بالنتيجة الى عدم وصول الفتيات للتعليم، وحرمانهن من فرص الحصول على المعارف والمهارات اللازمة للمشاركة في المجتمع

الحرب الناعمة وقمع النساءيستخدم الحوثيون توصيف” الحرب الناعمة” في إشارة إلى تواجد النساء في الأماكن والشوارع العامة والتواجد المختلط في مقار العمل ويعتبرون ذلك شكلا من أشكال الغزو الثقافي الغربي حد وصفهم

وفي مواجهة ذلك قامت السلطات الحوثية بفصل الموظفات عن الموظفين في أماكن العمل من خلال إنشاء حواجز أو أماكن مستحدثة لعزل الموظفات عن زملائهن في مقرات العمل

كما نظمت الجماعة حملات إغلاق للمقاهي والكافيهات والنوادي وأماكن تجمع الشباب من الجنسين تحت ذريعة القضاء على الفساد الاخلاقي ومواجهة الحرب الغربية الناعمة

إجراءات التضييق تلك شملت ايضا الحدائق والمتنزهات العامة حيث يتم التحقيق مع الداخلين اليها وطلب وثائق رسمية لا ثبات القرابة او الزواج كشرط للسماح بعبور البوابة

الاجراءات ذاتها تتخذها الجماعة في الجامعات والمدارس والمعاهد الخاصة

وتقول موظفة في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إن “الوزارة قامت بفصل الموظفات عن الموظفين في الوزارة في كافة وحداتها ومنعت اختلاط الموظفين تحت أي مبرر، الأمر الذي جعل كافة المناصب والوظائف الإدارية حكرا على الرجال فقط بحكم أنها تتطلب الاختلاط مع الموظفين العملاء”

منشآت القطاع الخاص لم تسلم بدورها من تلك الاجراءات القمعية حيث اجبرتها سلطة الجماعة على منع الاختلاط بين الموظفين والموظفات و استحداث ما يُعرف بالقسم الثقافي الذي يتولى الإشراف على تنفيذ تلك القرارات والاجراءات  وايقاع العقوبات  التي تبدأ بالمساءلة وقد تصل حد الفصل من الوظيفة للمخالفين في مختلف قطاعات العمل العامة والخاصة والمختلطة

وتشهد الجامعات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية كيانات تحت مسمى “ملتقى الطلاب” تفرض سيطرتها على الجامعات الحكومية والخاصة للإشراف على ومراقبة تطبيق قرارات منع الاختلاط كما تمارس دور ما يعرف بـ “الرقيب الأخلاقي” على النساء المتواجدات هناك

وتعتبر الناشطة الحقوقية هدى الصراري ذلك النوع من الإجراءات انتهاكا صارخا ضد النساء تسعى من خلاله الجماعة إلى تدمير مكانة المرأة في المجتمع والحيلولة دون وصولهن الى العمل والتعليم ومنعهن  من المشاركة السياسية والانخراط في المجتمع المدني

مشيرة: “تلك الممارسات مخالفة للشرائع والقوانين الدولية والدستور اليمني الذي يكفل حماية كرامة المواطن والمساواة بين جميع أفراد المجتمع”

من جانبه يوضح “العامري” أن الإسلام لا يحرم اختلاط الجنسين في التعليم والعمل والحياة، بل أن هناك ضرورة للاختلاط في بعض الحالات كالتعليم وممارسة الطب على سبيل المثال، طالما كان ذلك الاختلاط محافظا على القيم الأخلاقية والدينية”، مضيفا ” المجتمع اليمني يتمتع بهذه القيم”

تصنيف اجتماعيتسعى جماعة الحوثيين من خلال التمييز الجندري والفصل بين الجنسين في الحياة العامة إلى إعادة النظام الاجتماعي التقليدي القائم على تقسيم المجتمع إلى فئات تراتبية، وهو نظام يقوم على اساس اللامساواة والتمييز على أساس الجنس، والعرق، والنسب، والمهنة

 وكان اليمن شهد في مراحل سابقة من التاريخ ذلك النوع من التصنيف الاجتماعي متعدد الالقاب والدرجات ما بين السيد والشريفة وبين الرعوي والقبيلي والمرأة القبيلية (أقل مرتبة) يليهم العوام والمزين والدوشان وغير ذلك من التصنيفات الدونية للسواد الاعظم من المجتمع

وبحسب الدكتور عبد الباقي شمسان أستاذ علم النفس السياسي في جامعة صنعاء فإن “التدخلات التي تحدث في هذا الشأن بين طلاب المدارس والنشء، وفي اعادة صياغة الكتاب المدرسي وفي الخطاب الإعلامي، تؤسس لهذا المشروع، الذي يؤسس بدوره لتبعات سلبية على مدى السنوات القادمة”

من جانبها تنوه المرشدة فاطمة صالح الى ان هناك مخاطر صحية قد تحدث للنساء بسبب عدم المساواة في الحصول على الرعاية الصحية، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الأمراض التي يمكن الوقاية منها بين النساء والفتيات

وتشير صالح الى مخاطر أخرى من نوع ” زيادة تعرض النساء والفتيات للعنف كون هذا التوجه يؤسس لنظام ذكوري يستبعد صوت المرأة حتى لا تستطيع الدفاع عن نفسها الامر الذي يتسبب في زيادة إصابة النساء بالأمراض النفسية المعقدة”

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز أصوات النساء من خلال الإعلام الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير