عندما تصبح الكرامة ثمنًا للخبز
منذ 2 ساعات
صنعاء- غادة الحسينيفي ظل تزايد حالات البطالة وغياب الرقابة على بيئات العمل الخاصة، تتصاعد قصص مريرة عن موظفين يعيشون استعبادًا مقنّعًا، حيث تتحول لقمة العيش إلى قيد ثقيل لا يُرى، لكنه يُشعرهم بأنهم رهائن داخل مؤسساتهم
تبدو المأساة أكثر وضوحًا عندما يجمع صاحب الشركة بين الملكية والإدارة، فيغيب الرقيب ويختلط القرار المالي بالإداري؛ لتتحول العلاقة إلى هيمنة مطلقة
في هذا السياق يقول سمير محمد، موظف في شركة خاصة بصنعاء: “رئيسي في العمل يصرخ يوميًا في وجوهنا لأتفه الأسباب، يُهددنا بالفصل باستمرار، أعلم أن هذا غير قانوني، لكنني أخشى التحدث، فأنا أعيل أسرتي ولا أستطيع تحمل خسارة الوظيفة”
ويضيف: “نحن في دولة ترتفع فيها معدلات البطالة، لذا لا يملك الموظف رفاهية الرفض أو الاعتراض، يتقبل الإهانات، وساعات العمل الطويلة، والخصومات غير المبررة، لأنه ببساطة لا يملك بديلًا”قصص كهذه لم تعد استثناءً، بل واقعًا صامتًا يعيشه كثيرون، حيث تُختزل العلاقة بين الموظف وربّ العمل إلى معادلة “اصمت أو ارحل”
في استطلاع أجري عام 2020 وشاركت فيه نحو 3,613 مؤسسة خاصة من 14 محافظة يمنية، فإن 61
6 % من هذه المؤسسات حافظت على موظفيها ولم تقم بأي تسريح للعمال، وأكثر من 21 % من هذه المؤسسات تحدثت عن توظيف عمال جدد بشكل دائم، وفقًا لدراسةٍ عن مجموعة هائل سعيد أنعم التجارية نشرت في أغسطس 2023
وبحسب نفس الدراسة فإن القطاع الخاص في اليمن كان يسهم قبل الصراع عام 2015، بنحو 70% من إجمالي الوظائف في البلاد
ويسهم القطاع الصناعي في البلاد في توظيف نحو 36 % من إجمالي القوى العاملة
وهذه الأرقام تشير بوضوح إلى أن هناك عدد كبير من العمال اليمنيين في القطاع الخاص
لكن هذا العدد الكبير يخفي ورائه آلامًا للعاملين؛ بسبب سوء تعامل أرباب العمل
ورصد مكتب محاماة -في صنعاء لوحدها- حوالي 2,100 قضية تم رفعها في المحكمة العمالية من قبل العمال وأرباب العمل، بحسب المحامي طاهر الحريبي، محامي متخصص في قضايا العمال والعمل في صنعاء
الاستغلال الوظيفي لا يسرق جهد الموظف فحسب، بل ينهك روحه أيضًا
تحت ضغط الظلم وفقدان الحقوق يتآكل الأمان النفسي، ويتحول العمل من مصدر رزق وفخر إلى عبء خانق يزرع القلق والاكتئاب
تقول الاخصائية النفسية في المركز اليمني للإرشاد الأسري بصنعاء، سكينة عيسى، في حديث خاص لـ”المشاهد”: “الاستغلال الوظيفي ليس مجرد مشكلة إدارية أو مهنية، بل هو عبء نفسي ثقيل يترك أثره العميق على الموظف”
الاخصائية النفسية في المركز اليمني للإرشاد الأسري بصنعاء، سكينة عيسى: “الاستغلال الوظيفي ليس مجرد مشكلة إدارية أو مهنية، بل هو عبء نفسي ثقيل يترك أثره العميق على الموظف”
وتشير إلى أن تعرّض الموظف للضغط المستمر والشعور بعدم التقدير يولد حالةً من التوتر المزمن، تنعكس على صحته النفسية وقدرته على التركيز، بل وعلى حماسه وإبداعه في العمل
وتشير الى أن الاستعباد الوظيفي قد يقود إلى الاكتئاب أو القلق المزمن، فالإحساس المستمر بالظلم والعجز يفاقم من المشاعر السلبية، ويجعل الموظف عرضةً لنوبات الهلع أو الإحباط العميق إذا لم يجد دعمًا نفسيًا أو بيئة عمل صحية
لا يقف الأمر عند حدود بيئة العمل، إذ ترى الأخصائية أن الإجهاد النفسي الناتج عن الاستغلال يمتد ليُصيب الحياة الأسرية والاجتماعية، فيصبح الموظف أكثر انفعالًا وأقل تواصلًا، وقد يفضل الانعزال عن أسرته وأصدقائه؛ مما يزيد من دائرة الضغوط التي تحيط به
حين تُترك حقوق الموظف في مهب الاستغلال في ظل غياب إنفاذ القانون تُفتح الأبواب للاستعباد الوظيفي ويتحول العمل من بيئة إنتاج الى ساحة استغلال
يقول المحامي طاهر الحريبي، محامي متخصص في قضايا العمال والعمل بصنعاء، في حديث خاص لـ “المشاهد”: “ما يحدث في كثير من الشركات الخاصة في صنعاء ليس مجرد ضغط عمل، بل إرهاب وظيفي ممنهج، ليس توجيهًا إداريًا بل إهانة مقنعة، والموظف الذي يصمت اليوم ليس ضعيفًا، بل محاصرٌ بالخوف، في سجنٍ بلا قضبان”
ويشير الحريبي إلى أن المعروف في اليمن أنه لا يتم تطبيق كافة القوانين، وإنما يتم تطبيق بعضها، وذلك واضح من خلال ساعات العمل الطويلة التي يعمل فيها بعض العمال لدى ربّ العمل، التي قد تصل إلى 16 ساعة، بينما قانون العمل النافذ قد حدد ساعات العمل بعدد 48 ساعة في الأسبوع بمعدل ثماني ساعات يوميًا
المحامي طاهر الحريبي: المعروف في اليمن أنه لا يتم تطبيق كافة القوانين، وإنما يتم تطبيق بعضها، وذلك واضح من خلال ساعات العمل الطويلة التي يعمل فيها بعض العمال لدى ربّ العمل، التي قد تصل إلى 16 ساعة، بينما قانون العمل النافذ قد حدد ساعات العمل بعدد 48 ساعة في الأسبوع بمعدل ثماني ساعات يوميًا
”ويرى الحريبي أن قانون العمل النافذ ينص على إرسال مفتشين من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل للتأكد من عدم وجود مخالفات؛ لذا نطالب الجهات الرسمية بتنفيذ القانون نصًا وروحًا
لافتًا إلى وجود خطوات عملية يتخذها العامل عند إجباره على العمل خارج نطاق المهام المكلف بها أو ساعات عمل إضافية، إلا أن تلك الخطوات تنتهي بفصل العامل من قبل ربّ العمل، بالإضافة إلى تلفيق الكثير من القضايا الجنائية للعامل ومنها -خيانة الأمانة والنصب والاحتيال– وقد تصل إلى أن يتهم ربّ العمل العامل بالسرقة، وكل ذلك بسبب رفض العامل للعمل خارج نطاق اختصاص وظيفته أو أن العامل طالب ربّ العمل بحقوقه ومستحقاته العمالية لفترة العمل التي عمل بها
ويتابع: “نجد أن ربّ العمل قد تقدم بشكوى جنائية كيدية ضد العامل الذي وكَّلَنا للترافع بالشكوى العمالية المنظورة لدى مكتب العمل أو بالقضية العمالية المنظورة أمام المحكمة؛ لدرجة أن بعض العمال ممن له حقوق ومستحقات عمالية يتنازلون عن القضية أمام النيابة أو القسم مقابل الحصول عن مستحقاتهم؛ نظرًا لعدم قدرته على دفع أتعاب المحاماة في القضية العمالية والجنائية”
المطلوب ليس فقط قوانين مكتوبة، بل آليات رقابة حقيقية، ونقابات حرة، وتوعية مستمرة للموظفين بحقوقهم، يجب كسر دائرة الصمت، لا بالعنف، بل بالوعي، بالحديث، وبمواقف جريئة تقود إلى التغيير
الكرامة ليست هبةً من المدير، بل حق من حقوق الإنسان، وحدها بيئة العمل العادلة، هي التي تنتج موظفًا منتجًا ومجتمعًا متوازنًا؛ لأن الاقتصاد لا يُبنى بجثث الكرامة، ولأن الخبز المغموس بالذل طعمه مرٌ كالرصاص، يجب أن نعيد تعريف النجاح داخل المؤسسات، وأن يكون الموظف شريكًا لا تابعًا، محترمًا لا خائفًا، صانعًا للنجاح لا ضحيةً له
ليست العبودية دائمًا قيودًا حديدية، بل قد تكون عقد عمل يُملى بشروط مهينة، أو صمتًا يفرضه الخوف من الفصل
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير