غياب التعقيم يحول مستشفى حكومي بصنعاء إلى مصدر للعدوى
منذ 2 سنوات
صنعاء – محمد شريف:أصيب محمد عبدالله، 13 عامًا، بوعكة صحية مفاجئة، قبل بضعة أيام، وكان يشعر بألم في صدره وظهره، وبدأ بالتقيؤ
أخذته والدته إلى مستشفى الثورة بصنعاء لتشخيص الألم ومعرفة السبب
الحالة الصحية لعبدالله لم تكن حرجة، وكانت والدته تعتقد أنه سيستعيد صحته في غضون ساعات فقط
مع مرور الوقت، تدهورت صحة عبدالله سريعًا، وأدركت أسرته أن شفاءه سيأخذ وقتًا أطول
تقول أم عبدالله لـ”المشاهد”: “خضع ابني لتشخيص خاطئ، وتناول أدوية غير فعالة، واستخدموا له جهاز تنفس بعد مريض آخر دون أن يخضع للتعقيم الصحي، وأصيب بمتلازمة غيلان باريه، مما تسبب في تدهور حالته بشكل سيئ للغاية”
يظهر قصور في المستشفيات الحكومية في صنعاء تجاه الإلتزام بالنظافة والتعقيم الصحي للأدوات الطبية التي يتم استخدامها للمرضى، خصوصًا في بعض الأقسام مثل العناية المركزة وقسم الجراحة، وقسم الغسيل الكلوي، وقسم السرطان
ولهذا السبب، تنتقل بعض الأمراض القاتلة من شخص إلى آخر، ويصبح المستشفى مصدرًا للعدوى، بدلًا من أن يكون مكانًا للشفاء
طبيب جراحة في العناية المركزة بمستشفى الثورة بصنعاء يقول لـ”المشاهد”: “لا توجد أية رقابة حقيقية تضمن سلامة هؤلاء المرضى
يفتقر المستشفى للنظافة والتعقيم الصحي، ولهذا تصاب أعداد كبير من الحالات الحاملة للأمراض غير الخطرة بأمراض قاتلة
التعقيم من الأولويات الأساسية والضرورية التي ينبغي أن تتوفر في المستشفى، نظرًا للأضرار الوخيمة والأمراض الفتاكة الناجمة عن غياب التعقيم”
يضيف الطبيب الذي طلب عدم الإفصاح عن اسمه: “بعد كل عملية جراحية تجرى في العناية المركزة أو غرف العمليات، هناك كم هائل من الفطريات والبكتيريا القاتلة تتكدس داخل الغرفة، من أبرزها بكتيريا “الأسنتيو باكتر”، وتسبب أمراضًا مختلفة بمجرد دخولها جسم الإنسان، مثل التهاب الرئة الحاد أو التسمم فى الدم”
ويشير الطبيب إلى أن هذه الأمراض قد تصيب الأشخاص الذين يعانون من ضعف الجهاز المناعي ومرضى السكري، وتكون نسبة الإصابة أعلى للمرضى الماكثين في غرف العناية المركزة ممن هم على جهاز التنفس الصناعي
لم يتوقع محمد القوزي، 30 عامًا، أنه سيفقد والده بعد تعرضه للإهمال أثناء إجراء عملية اللوزتين في مستشفى الثورة بصنعاء
بعد إجراء الفحوصات، تبين أن لدى والده التهابًا في اللوزتين، وبعدها قرر الطبيب تنفيذ العملية الجراحية
يقول القوزي لـ”المشاهد”: “بعد يومين من العملية تدهورت صحة والدي بصورة توحي بالموت، سألت الطبيب الذي أجرى العملية عن الحالة السيئة التي وصل لها والدي وهو يمكث داخل المشفى، فقال إن ذلك ناتج عن آثار التعب من العملية، وسوف تزول بعد يومين فقط”
زادت حالة القوزي سوءًا بعد العملية، ولم تفلح معه أي حلول، حتى فارق الحياة
يقول محمد: “اتضح لنا أن والدي تعرض لاستئصال اللوزتين بغرفة وأدوات غير معقمة، حيث كان المكان مليئًا بالبكتريا والفيروسات القاتلة
تلك الفيروسات أدت إلى مضاعفات كبيرة على الجسم، وتوفي الوالد”
طبيب في ثلاجة الموتى بالمستشفى الجمهوري بصنعاء، يقول لـ”المشاهد” إن الكثير من المرضى يموتون نتيجة الإهمال والإصابة بأمراض خطيرة منقولة من المشفى جراء انعدام التعقيم الصحي بالمشفى
يضيف: “قبل أشهر فقط توفي 10 أشخاص من مرضى الغسيل الكلوي في ثلاثة أيام، وبعد أقل من شهر توفي 3 من مرضى القلب، و5 أشخاص من مرضى السل الرئوي
كل تلك الوفيات نتجت عن الإهمال وغياب التعقيم الصحي الذي يقتل الجراثيم والمكروبات القاتلة حسب تقارير طبية”
في أكتوبر 2022، نشرت وكالة سبأ الحكومية في صنعاء، تصريحًا لوزارة الصحة العامة والسكان الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وأفادت بـ”وفاة 10 أطفال من أصل 19 طفلًا تتراوح أعمارهم بين 3 و15 عامًا ،من المصابين بسرطان الدم”
بحسب الوزارة، تعرض الأطفال لمضاعفات بعد تلقيهم دواء تم تهريبه إلى صيدلية خاصة دون أن يخضع لرقابة الهيئة العليا للأدوية
بعد انتشار خبر تلك الحادثة، ظهرت ردود فعل غاضبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن، وطالب ناشطون وحقوقيون بمحاسبة المسؤولين عن ذلك، وإنقاذ ملايين الأطفال الذين باتوا يدفعون ضريبة الحرب
لكن مازال الإهمال الطبي والرغبة في تحقيق المكاسب المادية، بغض النظر عن أثر ذلك على المرضى، يفتك بأرواح العديد من المرضى اليمنيين
الكثير من المستشفيات الحكومية لا تملك إمكانات كافية وأطباء أكفاء
لقد تدهور القطاع الصحي في اليمن إثر نشوب الحرب مطلع عام 2015
توقفت العديد من المؤسسات الصحية جراء الحرب، وترك العديد من الأطباء وظائفهم، وهاجروا إلى بلدان أخرى
تقول منظمة الصحة العاملة في بيان لها نشر في فبراير هذا العام، إن العنف المستشري في اليمن أدى إلى التفشي المتكرر للأمراض، وتسبب في انهيار النظام الصحي في البلد
بحسب المنظمة، فإن 46% من إجمالي المرافق الصحية في اليمن تعمل جزئيًّا، أو قد تكون خارجة عن الخدمة كليًّا، بسبب نقص الموظفين والموارد المالية والكهرباء والأدوية والإمدادات والمعدات
محمد الجهمي، ممرض في مستشفى حكومي بصنعاء، يقول لـ”المشاهد” إن الوضع الاقتصادي دفع بأغلب الأطباء إلى البحث عن عقود عمل خارج اليمن، تضمن لهم حياة كريمة، وهذا الأمر أثر على أداء المستشفيات
ويضيف الجهمي: “قدمت عدد من المنظمات الدولية العقاقير والمستلزمات الطبية للمستشفى، إلا أن الجهة الإدارية في المستشفى قامت بتغيير مسؤولي الأقسام والمخازن بأناس محسوبين عليهم، وبعضهم يفتقر للخبرة تمامًا، ولذا تتسرب المواد الطبية، ويتم تهريبها وبيعها للمرضى بأسعار مرتفعة، رغم أنها من أبسط حقوقهم، ومن واجب المستشفى توفيرها، فمن العيب أن يدفع المريض قيمة الخيط و”الحقن” في قسم “الولادة” مثلًا”
مازال القوزي يتذكر والده الذي فارق الحياة قبل أشهر نتيجة لـ”الإهمال الطبي”، ويردد: “بعض المستشفيات مقبرة وجحيم للمرضى”
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير