فتحي أبو النصر : أحمد فتحي:موسيقى تتنفس اليمن وتغني للعالم
منذ يوم
فتحي أبو النصر إنه ليس مجرد موسيقار، بل هو جغرافيا عاطفية كاملة، تبدأ من مرافئ الحديدةالرقراقة حيث ولد، ولا تنتهي إلا في مسارح الكون التي أنصتت لعوده وكأنها تصغي للقدر
يأتي ذلك في زمن باتت فيه الضوضاء تُزاحم الإبداع، فيما يظهر أحمد فتحي كما لو أنه نوته نقية نجت من فوضى الضجيج، وحملت معها ذاكرة وطن، وصوت حضارة، وحنينا لا يُشبه سواه
وفتحي ليس عازفا يعتلي المسارح فحسب، بل هو رسام أوتار يرسم بالأنغام ملامح اليمن، لا كما تُرى في الأخبار، بل كما تحس في الروح
وطن يتقن الحزن بكرامة، والفرح بكبرياء، وحين اترنم سهوا باغنيته سمارة يا سمارة مسيكين الغريب وحده
او يا الله، لا اسمع فقط حكاية عاشق، بل اسمع نداء الغريب في أديس أبابا، أو شوق مهاجر من صنعاء، أو وجع طفل لم يعُد يعرف شكل السلام
كما أن كل نغمة في موسيقاه تشبه قُبلة على جبين التاريخ، وكل لحن يحمله على كتفيه، كما يحمل اليمني خبزه ومروءته، في مواجهة الريح
وإذا كان الفن، في جوهره، هو انتصار الروح على الواقع، فإن أحمد فتحي انتصر منذ لحظة اختار أن يعزف لا ليُطرب، بل ليعرف العالم من نحن، ومن أين جئنا، وماذا نخفي خلف هذا الحزن الجميل
فعندما يستقر على المسرح، لا يصعده كفنان يريد التصفيق، بل كرسول للوتر، يعبر الزمان والمكان ليقول: هذه اليمن، كما لم تسمعوها من قبل
وإن كان الشعر يحتاج إلى لغة، فإن موسيقاه لا تحتاج إلى ترجمة
فالعود بين يديه ليس مجرد آلة، بل هو كتاب مفتوح، تفيض منه سطور من الصدق، ومن الحنين، ومن الحب المقطر الذي لا يذوب في المظاهر
لذلك لا عجب أن يُطالب البعض بمنحه موقعا سياسيا أو ثقافيا، كأن يكون سفيرا لليمن في اليونسكو، أو مؤسساً لأوركسترا وطنية، لكنه في الحقيقة يقوم بكل ذلك وأكثر، من دون قرار، من دون كرسي، من دون عباءة رسمية
بل يكفي أنه حين يجلس إلى جوار طفل كـهشام، يعزف معه، ويفتح له باب الحلم، يثبت أن الفنان الحقيقي هو من يخلق الحياة من لحن، لا من منصب
ثم إن مشروعه في إنشاء أكاديمية موسيقية لم يمت، لأن الفنان الحق لا ينسى
هو يُراكم الحلم، ويؤمن أن الموسيقى -كالوطن- قد تمرض، لكنها لا تموت
صدقوني إن أحمد فتحي اليوم ليس فقط ذاكرة اليمن الموسيقية، بل مستقبله أيضا
بل هو التجسيد الحي لحلم لم ينكسر رغم الحرب، ولم يُهادن رغم الغياب
و في حضوره تواضع الكبار، وفي موسيقاه خلود الكلمة حين تصبح نغمة
وإن كنا نُصفق له اليوم، فلأننا نصفق للحياة، للحب، لليمن كما نحب أن تكون: شامخة، عذبة، وأنيقة كعود أحمد فتحي حين يغني للوطن
تذكيرا في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي، عُين أحمد فتحي مديرا لمكتب الثقافة بصنعاء، لكنه، ككل فنان حر، غادر حين ضاقت الروح
ولاحقا، شغل منصب مستشار ثقافي في سفارتنا بالقاهرة، وقد صقل موهبته أكاديميا في المعهد العالي للموسيقى بدرجة امتياز مع مرتبه الشرف
ولقد كان الأجدر به أن يُدير المركز الثقافي اليمني هناك، لولا أن المناطقيين ضيعوا البوصلة، وتعصبوا لغير الكفاءة
أنا وصغيري مياد ضيوفا عند الموسيقار الكبير احمد فتحي قبل سنوات