فتحي أبو النصر : الحوثي آخر صاروخ في يد إمبراطورية مأزومة

منذ 7 ساعات

فتحي أبو النصر  في جنوب الجزيرة العربية، ليس هناك مفاعل نووي، بل ما هو أخطر: كائن لا دولة، بلا تاريخ، بلا مؤسسات، بلا بوصلة

كائن يتنفس عبر شقوق السياسة الإيرانية ويزأر بأصوات صواريخ ليست له

اسمه ال

حوثي، وهو، باختصار، الشكل النهائي للدمار الناعم الذي صنعته طهران على نار هادئة

فهو لا يشبه حزب الله المنهك في نفق الضاحية، ولا عصائب أهل الحق التائهة بين كركوك وكسرى

بمعنى أدق فإن ال

حوثي اختراع مستقل، طفل خارق خرج من رحم الفوضى حاملا في يده طائرة مسيرة وقارورة زيف إلهي

!ففي صنعاء، تحكم إيران مباشرة، لا عبر وسطاء

إذ لا توجد وزارة إلا وتستقبل تقاريرها من مكتبٍ يبتسم فيه رجل يتحدث فارسية مكسورة

!بل لا توجد دولة قدر ما هي واجهة مهترئة، بينما السلطة الحقيقية تعيش في الظل، وتعمل من خلف عباءة الولي الفقيه

وفي المقابل؟ فراغ يُسمى الشرعية، يعيش على موائد الفنادق وقنوات اليوتيوب، لا يعرف عن اليمن إلا ما تخبره به نشرات الأخبار، أو ما تبقّى من تقارير مكاتب الأمم المتحدة

أما الحرب مع إس

رائيل، فهي أكثر من دراما، أقل من مواجهة، وأبعد ما تكون عن أخلاق

ضربات هنا وهناك، لا تهدف لإنهاء مشروع، بل لضبط إيقاعه

وفي قلب هذه الضربات، يظهر ال

حوثي كمستودع آمن لأحلام طهران الصاروخية

وبينما بغداد وبيروت تضبطان ميليشياتهما بتكشيرة رسمية، تواصل صنعاء العواء نيابة عن إمامها الحاضر، لا الغائب

هذا الإمام شحن لهم معامل إنتاج المسيرات وكتب لهم الوصفة النووية بلغتهم الأم: اقصف أولا، ثم فكر لاحقا

ولقد أصبح الح

وثي الكنز الإيراني المستدام

شيء يشبه طائرة بدون طيار، لكنها تطير بعقيدة، وتهبط على رؤوس العرب

و لا يوجد ما يخسره

لا اقتصاد، لا ميناء، لا حتى معارضة

بل إنه بلا جلد يحترق، وبلا خريطة يمكن حرقها

وما لم تحققه إيران في طهران، حققته في صعدة: دولة بلا مسؤولية، مسلحة حتى أسنانها، مصفحة بالجهل، ومدعومة بأشباح

والشاهد أن إسرا

ئيل، التي اكتشفت أن أغلب مصانع إيران الصاروخية قابلة للاختراق ببطاقة ذاكرة، تنظر الآن بقلق إلى اليمن

فراغ جغرافي، معزول إعلاميا، لا أحد يسأل عن الضحايا فيه، ولا لجنة أممية تدخل إليه دون إذن من الإمام

فيما أصبح هذا الشبح اليمني المجهول الرديف غير الرسمي لمفاعل ناتانز

والغرب، كعادته، يحدق في القبة الحديدية ناسية أن اليمن الآن قبة بركانية لا رادع لها

لكن الطريف – والمبكي – أن الح

وثي اليوم في أضعف حالاته

نعم، أضعف حالاته! لكنه يواجه لا أحد

!!خصمه الوحيد مشغول في جدال دستوري، ونقلات حكومية، وصفقات مع صندوق النقد

اي ان لشرعية اليمنية فقدت شرعيتها، والمملكة تخشى الضربات أكثر من خوف الحوثي من فقدان شبكة Wi-Fi

لكن ما الذي يريده الح

وثي؟ لا أحد يعرف، وربما هو نفسه لا يعرف

كل ما يدركه أنه مسموع في طهران أكثر من صوت صوت يحيى الراعي رئيس برلمانه

و كل ما يملكه هو صاروخ، وكل ما ينقصه هو هدف جديد

على إن هذا الجنون الاستراتيجي هو اليوم ذراع إيران الضاربة، وساقها المبتورة، ولسانها حين تخشى الكلام

وهنا تكمن المأساة: إيران تعلم أن كل شيء فيها مخترق

من قيادات الحرس إلى خزائن اليورانيوم

فيما وحده الحوثي ما زال طريا، غامضا، غبيا بما يكفي ليكون خطيرا!أي أنه مستقبل الصواريخ، ومخبأ الأسرار، وخزان الأمل الإمبراطوري الأخير

فمتى يستفيق أحدٌ؟! الح

وثي ليس طائفة، ولا ثورة، ولا حتى دولة

إنه فكرة، والكارثة أن أحدا لا يتعامل معه كخطر مركزي

في حين إن العرب يلهثون وراء هدنة، والح

وثي يبني قاعدة

ولذلك فإن يحيى سريع يُلوح ببيان جديد، بصوت غليظ ووعود مدوية بالرد الساحق، وكأن اليمن لا يكفيه ما سحق

أما نتنياهو، فربما يفكر أي المنشآت سيقصف أولاً، هل يبدأ بالمستشفيات التي تحولت إلى ثكنات؟ أم بالمدارس التي باتت مخازن؟نعم

كلٌّ يلعن الآخر، وكلهم يشربون من دماء الفقراء

الح

وثي يصيح باسم الكرامة، والآخر يرد بصواريخ الردع، ولا أحد يرد على صرخة طفل جائع، ولا يرأف بحال أُم تبحث في الركام عن صورة ابنها

و في هذه الحرب، لا يهم من يُقصف، بل من يبقى ليعد الضحايا

!فيما الجميع أبطال في نشرات الأخبار، وشياطين في كواليس الخراب

أاما اليمن

فسيكون قد نُسي بين نشيد الموت وأزيز الطائرات

ولنتخيل مثلا صواريخ إيرانية-حوث

ية تتجه نحو السعودية، تُطلقها اياد تهتف بالموت أكثر مما تعرف الحياة

فيما تصرخ السماء، ويدوي الانفجار، بينما ترفع لافتات نصرة المستضعفين فوق رماد القرى

وكلما احترق طفل، كتبوا بيانا ناريا جديدا

مشهد عبثي: من طهران يُضغط الزر، وفي صنعاء يُذاع البيان، وفي الرياض وصنعاء

تُعد القبور بصمت

فهل سيضحك الإمام الحاضر، بينما يرسل آخر صاروخ يمني إلى سماء العرب، ويقول: هذا بلدي

!فداء للامام الغائب في إيران!؟