فتحي أبو النصر : جامعة تحت الاحتلال.. ومليشيا تبحث عن ختم يليق بجهلها

منذ 8 ساعات

فتحي أبو النصر ها هي جامعة العلوم والتكنولوجيا، منارة العقل في صنعاء، تتحول بفعل الحارس القضائي إلى ثكنة! صار العقلُ تحت البندقية، وصار الحرمُ الجامعي مرتعا لزينبيات يرفعن تقارير أكثر من رفعهن لمستوى التعليم!ويا أيها السادة، نحن لا نتحدث عن انقلاب على سلطة، بل انقلابٍ على السبورة، على المعلمة التي لا تزال تحاول أن تشرح رغم أن صوتها يُغتال خلف الأسوار، على الطالب الذي صار عليه أن يُراجع مكتب القائد لا الكنترول، ليعرف إن كان ناجحا أم مدانا بتهمة التفكير

وجامعة العلوم والتكنولوجيا، التي تأسست لتخرج المهندس لا المقاتل، والطبيب لا المفخخ، صارت اليوم تدار بقرارات من جريدة تصدر بأمر الولي الفقيه في حِلة صعدة

فبعد أن اختطفوا رئيسها، صادروا ختمها، ثم ختموا على عقلها بالشمع الأحمر!والشاهد أن الحوثي لا يبحث عن المعرفة، بل عن ملف ملكية كل مؤسسةٍ ناجحة

فيما الجامعات ليست إلا محطات استثمار عنده، والمستشفيات مجرد مرافق خاصة له ولعائلته، ولجهازه العصبوي الذي يعيش على أموال الناس وكدهم

طبعا هم لا يرون في الجامعة إلا حصالة نقود

الشهادات؟حسب صفحة طلاب الجامعة على فيسبوك تحديدا

على ورق

الطلاب؟ مجرد ضيوف مؤقتين في عرس طائفي طويل، يُغنى فيه للنسب لا للإنجاز، وللولاية لا للابتكار، وللإمام لا للأستاذ

والطلاب خائفون، ولا أحد يلومهم

فبين رصيف اليأس وسور الجامعة المسروق، يقفون: هل يُعلنون رفضهم فيُتهمون بالعمالة؟ أم يصمتون فتُصبح شهاداتهم بلا اعتراف؟على إنها المأساة التي تصنعها المليشيا حين تمتد يدها إلى مستقبل الناس، وتحوله إلى استمارة قبول في الصرخة لا في الدراسات العليا

تذكروا الجامعة التي كانت تصنف الأولى على اليمن، تحولت اليوم إلى ساحة تمارس فيها كل فصول العبث

بمعنى أدق فإن حال جامعة العلوم والتكنولوجيا يشبه حين تُختطف العقول وتُرهن الأرواح!فتخيلوا

ذات يوم، كانت الجامعة في صنعاء منارة علم، يتقاطر إليها الطلاب من كل حدب وصوب، طلبا للمعرفة لا للوساطة، للسجالات الفكرية لا للمشادات بالسلاح الأبيض! واليوم، تحولت إلى ما يشبه كشك قات سياسي، لا تُناقش فيه محاضرات بقدر ما تُناقش فيه الأحقاد والمناصب والفتوحات الوهمية

بل في مشهد كاريكاتيري لا يليق إلا بحكايات القرون الوسطى، يتحول مكتب رئيس الجامعة إلى حلبة ملاكمة، يتنازع فيها الرئيس الحوثي المعين مع مساعديه، فيما يحاول نائب رئيس الجامعة الصراخ بالمنطق وسط زئير العبث

كل ذلك باسم الإصلاح الأكاديمي، ولكن الحقيقة أن هذا الفرع المسكين ما عاد فرع علم، بل فرع أمني تابع لحاكم بأمره من كهوف الإمامة

فهل هذه جامعة أم سوق قات مفتوح على مدار الأسبوع؟ هكذا

حتى العلم أُذل، حتى المناهج عُبث بها، حتى الأساتذة باتوا موظفين بدرجة تابعين، وأما الطلاب، فإما مغلوب على أمره، أو مطرود لعدم سداد الرسوم التي قفزت 100% في لحظة وطنية عبقرية من إدارة تحررية!والأدهى، أن مستشفى الجامعة الذي يُفترض أن يكون مأوى للمرضى، قرر بيع 100 رهن بين ذهب وسيارات وأسلحة!فهل نحن في جامعة أم في مزاد علني؟ وهل من العقل أن يُرهن مواطن سيارته لعلاج أمه، ثم يجدها تُباع في مزاد بعد سنوات من العبث الحوتي؟ وهل وصل بنا الانهيار إلى حد أن تُصادر حياة إنسان مقابل حفنة من الريالات يبتلعها حارس قضائي لا يعرف الله إلا في خطب الجمعة؟أما الجامعات التي هربت إلى عدن، فهي الأخرى لم تنجُ من الطمع، فراحت ترفع الرسوم في زمن المجاعة، وكأنها تتسابق مع الحوتيين في تعذيب اليمنيين باسم التعليم العالي!والضمير؟ لا تسأل عن الضمير

لقد هاجر هو الآخر، وبقي في الوطن القات والاقتتال والمقالع

والجامعات لم تعد جامعات

بل صارت متاحف للخيبة، ومذابح للأحلام

والأكاديمي غير الموالي يُقصى لأنه لم يقرأ خطبة الجمعة من ورقة السيد

والطالبة تُطرد من سكنها لأنها لم تبايع إنصاف الشامي التي تدير السكن وكأنها تدير معتقلا

بل لا شيء يدعو للدهشة، فالحوثي لا يؤمن بالعلم لأنه يشكل تهديدا حقيقيا لمشروعه الكهنوتي

وفيما العقل أخطر عليه من الطائرات، والبحث العلمي أخطر من العقوبات الدولية

لذا فإن جامعة ناجحة هي في قاموسه مؤسسة مشبوهة، يجب أن تُصادر وتُطهر من كل خلية تفكير

!لذلك أيها العالم، لا تصمتوا

فحين تُهان الجامعة، يُهان الوطن كله

وحين يُستبدل رئيس الجامعة بـمكلف أمني، فذاك إعلان وفاة للحياد الأكاديمي، للإبداع، للحلم

أي يجب أن تُرفع الأصوات، لا دفاعا عن جامعة فقط، بل عن ما تبقى من المنطق في بلد يقتل فيه الجهل ما تبقى من الحلم

ويا جماعة الحوث

ي: لا يمكنكم أن تبنوا دولة على ركام الجامعات، ولا مستقبلاً على أنقاض العقول

بل ستنتهون كما ينتهي كل مشروعٍ يستهدف الوعي: في مزبلة التاريخ، إلى جوار كل من حاول اغتيال الفكرة، وتكميم السؤال

أما أنتم يا طلاب جامعة العلوم والتكنولوجيا، فقفوا كجدار مكتبة، لا يهتز أمام زلزال طائفي

فأنتم الجبهة الحقيقية، وأنتم القضية، وأنتم البوصلة حين تختل كل الاتجاهات

وإن خانتكم الدولة، فالعالم يراكم، والتاريخ لن ينسى أنكم وقفتم تدافعون عن جامعتكم، حين كان بعضهم يقايض الكرامة بختم جديد

!