فتحي أبو النصر : حين تكون الابنة مرآة الأب وموضع نبوءته
منذ يوم
فتحي أبو النصر حسب سيجموند فوريد ففي العلاقة بين الأب وابنته شيء من الشعر، شيء من القدر، وشيء من اللعبة التي اخترعتها الحياة حين أرادت أن تخلق مأوى للرقة في قلب رجل، ومغامرة لا تنتهي في روح فتاة
إذ ليست العلاقة بين الأب وابنته مجرد رابطة دم
بل إنها التقاء نبوءة بنبع، ومرآة بجبل
هو يرى فيها الطفلة التي يجب أن تُحمى من العالم، وهي تراه السقف الذي يمكن أن ترقص تحته دون خوف من السقوط
لكن ما لا يقال كثيرا، أن الأب حين ينظر إلى ابنته، يرى نسخته المحسنة، التي ستحمل هزائمه وتُجملها، وتُكمل حكاياته التي بقيت ناقصة
بل في المسافة بين كلمة بابا ونظرة الامتنان، يوجد تاريخ سري من الأحضان غير المعلنة، والتضحيات التي تقدم بصمت، والنصائح التي تُرمى مثل فتات الخبز في طريق بنت لئلا تضيع
وفي المقابل، لا تعرف البنات تماما ما الذي يعنيه أن تكون أبا، لكنهن يشعرن
يعرفن أن قلق الأب يشبه سجادة سحرية، تخبئ تحته كل الأحجار
كما يعرفن أن صمته الطويل ليس غيابا، بل رعاية عميقة لا تُفصح عن نفسها
وفي لحظة ما، تكبر الابنة
تقف أمامه كأنها نسخته الأنثوية، لكنها ليست امتداده فقط، بل مرآته التي يرى فيها وضوحا ما لم يستطع أن يقوله
وعندها تحدث المكاشفة
لا بصوت عال بل بنوع من الفهم العابر بين النظرات، أو بدعابة صغيرة تقول له: أنا ما زلت تلك الصغيرة، لكني الآن أفهم لماذا كنت تُخفي قلقك بالنكتة
على الابنة التي تكتب لأبيها كلمات مشاغبة عن معكرونة على الرأس والسكر الهارب من فناجين الشاي لا تسخر منه، بل تُعيد ترتيب العالم بطريقتها
أي تضعه في قالبها الحر، وتقول له: أنت لم تفشل، أنا هنا
أثرك لم يذهب سدى
واما الأب الذي يكتب لابنته كلمات عن النعناع والقطط والقمر، لا يروي شعرا فحسب، بل يزرع إشارات مرور في طريقها
ثم يُخبئ نفسه في التفاصيل، ويراقبها من بعيد، مثل راهب في معبد لا يُصلي إلا بصمت
على ان هذه العلاقة، حين تُروى، لا تُروى كبطولة، بل كهمسة
وهي ليست بناء ضخما من الإنجازات، بل شرفة صغيرة تُطل منها الابنة لتقول: أحبك كما أنت، حتى حين لا تعرف كيف تُعبّر
لكن في نهاية الأمر، الأب ليس سوبرمان، والابنة ليست أميرة
هما مجرد اثنين في رقصة مع الزمن:هو يخشى أن يخذلها،وهي تخشى أن تكبر دون أن تقول له بما فيه الكفاية بحسب سيجموند فوريد: أنا ممتنة لأنك كنت أبي