فتحي أبو النصر : رأسٌ واحد: وشعبٌ بلا رأس!
منذ يوم
فتحي أبو النصر تقول المعلومات قبل أيام، قال السفير الأمريكي للقادة اليمنيين: المجتمع الدولي يريد رأسا واحدا وقيادة واحدة فقط
و يا لسخرية القدر، وكأن اليمن طوال سنوات حرب كان مهرجان رؤوس! رأس في صنعاء يرفع شعار الموت لأم
ريكا، فيُصفق له البيت الأبيض بتمديد مهمة البعثة الأممية في الحديدة، ورأس آخر في المخا يتلقى الشكر والثناء من واشنطن، لا لشيء،إلا لأنه لا يزعجنا كثيرا
نعم، الرأس الواحد: هذه الكلمة السحرية التي تعني عمليا: نريد من يفهم مصالحنا لا من يبكي على شعبه، ومن يضبط إيقاعه على نوتة الإقليم، لا على أنين الجائعين في تعز، أو صرخات المختطفين في صنعاء
طبعا في أروقة السياسة الدولية، لا مكان لكلمة شعب
الناس هناك مجرد خلفية ضبابية لصورة رجل واحد
رجل يُكتب له البيان الختامي قبل أن يبدأ المسرحية
رجل يُعطى صك الشرعية من الخارج، بينما يقف على أنقاض الداخل
وهنا يبدأ السؤال: من هو هذا الرجل الواحد؟هل هو طارق صالح؟ ذلك الذي صعد من ركام أسرة دُمرت وسُحقت، ليلبس زي القائد الوطني الجديد، المتزن، الهادئ، المدعوم أمريكيا، سعوديا، و إماراتيا؟أم أن الرأس المقصود: في الضاحية الشمالية لصنعاء، فيما ترفرف رايات إيران بخجلٍ تكتيكي، وتُنسج التحالفات على طريقة نحن نكره أمريكا لكن لا تفسدوا علينا الهدنة؟إنها مهزلة سياسية نُسجت بخيوط بارعة من البراغماتية، فلو أرادت واشنطن حقا خلع الحوثي، لفعلت ذلك ببيان مجلس أمن واحد، كما فعلت حين أوقفت نداء وقف إطلاق النار في غزة، بصلف حاد لا يعترف بالدماء ولا الأطفال
لكنها لا تريد إسقاط الح
وثي، بل تريد ضبطه، على أنغام رأس واحد، يرضخ، يهادن، ويُستخدم
أي أن أمريكا لا تكره الحوثيي
ن بل تكره الفوضى غير المُدارة
فإن استطاع الح
وثي أن يكون ديكتاتورا مرتبا، فمرحبا به
وإن فشل، فالبديل جاهز: طارق بن عفاش، بوجه مدني، وخوذة عسكرية، وجذور عائلية محروقة، تصلح دائما لإعادة التدوير
هذه توقعاتيوماذا عن اليمنيين؟إنهم في أسوأ حالة: شعب يُستعمل كقوة احتياطية في حرب الكبار
شعب بلا رأس، تُنزع منه القيادة، وتُسلم كل مرة لرأس جديد لا يشبههم
على ان قصة الحرب في اليمن ستنتهي كما أرادتها العواصم الكبرى: بنهاية حزينة، خالية من البطولة، فيها المنتصر هو من أطاع، لا من صمد
وفيها الح
وثي ليس مهزوما، بل جزء من التسوية
وطارق ليس منقذا، بل خيار اضطراري
والشرعية ليست منتخبة، بل مُختارة من المانحين
وربما، فقط ربما، ينتهي كل شيء بجمهورية رأسية لا رأس لها
فيها حكومة بـالتوافق، وجيش بلا معركة، ودولة بلا سيادة، وناس يتنفسون الهزيمة كانتصار!لذلك أهلاً بالرأس الواحد ووداعا للشعب المتعدد
لكن ماذا عن الرأس الذي أرادته واشنطن والجسد الذي نسيه الجميع
أعني حين قال السفير الأمريكي لقيادات يمنية إن المجتمع الدولي يريد رأسا واحدا وقيادة واحدة فقط، لم يكن يطرح رأيا، بل يضع حجر الأساس لخريطة ما بعد الحرب
فالرسالة لم تكن سياسية بقدر ما كانت تشريحية: لا نريد جسدا يمنيا بتعددية معقدة، نريد رأسا يمكن التفاوض معه، الضغط عليه، دعمه أو تهديده( رأسا واحدا يكفي
)لكن من هو هذا الرأس؟ الح
وثي، ربما؟ فهو يسيطر على صنعاء، ولديه صواريخ طويلة النفس، وله قدرة على ضبط إيقاع المعركة والهدنة معا
ولديه، قبل كل شيء، ما تفضله واشنطن: الانضباط السياسي، حتى لو كان مغموسا بالشعارات العدائية
فالح
وثي لا يتحرك إلا إذا كان في ذلك ربح مضمون
لكن لا تستعجل في وضع التاج على رأس عبد الملك
فهناك كما اسلفنا وجه آخر يبتسم في الخلفية: طارق محمد عبدالله صالح
رجل يحظى بثناء أمريكي واضح، ويتحرك بثقة من حصل على ضوء أخضر، لا مجرد فرصة
و طارق لا يملك مشروعا أيديولوجيا مزعجا، ولا صواريخ عابرة، لكنه يملك ما تحبه الإدارات الغربية: (قابلية التشكيل)
ثم تأتي واشنطن لتلعب لعبتها الأثيرة: الموازنة بين الخصمين، لا الانحياز لأحد
هي لا تقتلع الح
وثي، بل تمدد مهمة الأمم المتحدة في الحديدة، وتمنع أي تصعيد قد يفسد الصفقة غير المعلنة
وفي الوقت ذاته، ترسل رسائل ود واعتراف مبكر لطارق، كخيار يمكن أن يُستخدم إذا احتاجت الظروف إلى خطة ب
ومن الواضح أن الحرب في اليمن تتجه نحو نهايتها الأمريكية: لا نصر كامل لأحد، ولا هزيمة مطلقة لأحد
بل توازن مُتعب يُفضي إلى حل سياسي مر، فيه يُعترف بالح
وثي كقوة أمر واقع، ويُعاد تدوير بعض الوجوه التي تستطيع تمثيل اليمن الخارجي دون أن تهدد التفاهمات الكبرى
أما من بقي من اليمنيين؟ فهم ما زالوا عالقين في انتظار قيادة لم تُخلق بعد
قيادة لا تتبع الح
وثي ولا تعيش على تمويل التحالف
قيادة تقرأ اليمن كما هو، لا كما يريد الآخرون
لكن هذا النوع من القيادات لا يُصنع في واشنطن، بل يولد من الرماد، والرماد لم يبرد بعد
صدق هكذا، تُسدل الستارة على المشهد اليمني كما أرادته القوى الكبرى: رأس واحد لا يهم من يكون، ما دام يمكن الجلوس معه على الطاولة
سلام لا يشبه السلام، واستقرار مشروط بالصمت، ودولة بدون ملامح
فيما يبدو أن واشنطن لا تريد يمنا منتصرا، بل يمنا يمكن التعامل معه
ولهذا، قد نرى قريبا من يعتلي المسرح بصفته الرأس الجديد للجسد اليمني المكسور
أما بقية الجسد؟ فليُترك للمساعدات الإنسانية، والتقارير الأممية، وبيانات القلق المستمرة
!لكن ماذا ينتظر الشعب؟ ربما الرأس الذي يشبه القبيلة أكثر من الوطن
وماذا ينتظر التحالف؟ صفقة تحفظ مصالحه، لا دماءنا
وطارق صالح؟ زيديٌ مُعقم، يمر من فلتر القبيلة لا من غربال الهاشمية
أما الإصلاح والمؤتمر؟ سيجتمعان كشيخين عجوزين اختلفا على العقال، وتذكرا فجأة أن الغنيمة أكبر من الخصومة
!وفي المنتصف،اليمن، ينزف وينتظر
فهمتم ما فهمتم مش مشكلتي