فتحي أبو النصر : موت رجل الدين… وضحك اليساري: حين تهاوت الأقنعة في بلاد بلا مرآة

منذ 18 ساعات

فتحي أبو النصر  ليس أبشع من القتل إلا أن يُصفق له

وليس أخطر من المجرم إلا المثقف الذي يبرر جريمته

واعني في زمن يتصارع فيه الدم مع الخطاب، تجد يساري يمني او عربي أو ما تبقى من صدى شعاراته ،واقفا على أنقاض رجل دين قتله الح

وثيون، يبتسم كمن انتصر في معركة وعي لا يفهمها سوى هو

فيما يحتفل بالموت، لا لأنه ضد العنف، بل لأنه ضد الضحية

تحديدا هذا الرجل الذي كان يندب اغتيال المثقف، صار يهتف لمقتل المتدين

فأي عدالة هذه؟ وأي يسار هذا الذي يتحالف مع الكهنوت الإمامي في لحظة انتشاء تاريخي أعمى؟نعم

نحن في لحظة دموية جديدة، قُتل رجل دين برصاص ميليشيا حوث

ية، فانتشى يساري ما، وابتسم لبرهة، كأنها لحظة عدالة انتظرها طويلا

لكنه لم يكن يرى قتيلا، بل خصما أيديولوجيا انتهى

وفي المشهد اليمني، فيما السلفية الشيعية تتسلح وتتنمر على السلفية السنية، يفترض بالضمير السياسي أن يدين القتل، لا أن يبرره تحت يافطة نقد السلفية أو تصفية الرجعية

فاليساري الحقيقي يُفترض به أن يقف مع المستضعف، لا أن يتحول إلى بوق طائفي بملامح ماركسية

والمفارقة أن هذا المنتشي هو ذاته الذي أمضى حياته يصرخ ضد القمع، ويتغنى بالحرية

فكيف صار القاتل صاحب مشروع مقاوم؟ وكيف غدا المقتول عدوا للتنوير؟ وهل تغيرت المبادئ، أم فقط الأهداف؟على إن رجل الدين المقتول، حتى لو كنت لا تؤمن بفكره، لا يستحق الرصاص في وجهه، ولا السخرية على جثته

بل لا تُصنع التنويريات من المقابر، ولا تُبنى الحداثة على أعمدة الشماتة

ولذلك عندما يصفق بعض اليسار للقتل على ذلك النحو، يكون اليسار العربي في لحظة سقوط أخلاقي مريعة

ثم مَن قال إن الأكثرية في اليمن أو في أي بلد عربي تمثل الخطر؟ أليس اليسار ذاته هو من علمنا أن الأقليات الحاكمة عبر التاريخ كانت أدوات الاستبداد؟ فكيف تنقلب المعادلة الآن؟

هل لأن القاتل هذه المرة يحمل شعار أنصار الله وصورة حسين الح

وثي؟ وهل يُصبح الاستبداد مقدسا فقط لأنه مغطى بعباءة المقاومة؟طبعا

عجيبٌ هذا النفاق، يشبه من يهتف للحرية حين تُغتال في عاصمة، ويبرر اغتيالها حين تقع في مدينة مجاورة

!والحق يقال

ليست المسألة أن المقتول شيخٌ سني أو حتى سلفي

المسألة أن القتل جريمة، وأن التبرير خيانة للأخلاق والسياسة معا

فالحو

وثية، التي ترفع لواء الزهراء وتحكم بقوة السلاح، ليست ثورة مظلومة، بل سلطة طائفية مكتملة الأركان

فكيف لليساري ـ الذي يُفترض به أن يكون ضد الاستبداد، كائنا من كان ـ أن يتحول إلى مطبل لميليشيا إمامية لا تؤمن حتى بالدولة؟لكن يبدو أن الصراع لم يعُد بين ظالم ومظلوم، بل بين متدينين غير عصريين وأقليات تقدمية مزعومة

لكن الحداثة التي تهين الدين ليست حداثة، بل نُسخة رديئة من الاستشراق المعكوس

والطريف المحزن أن من يتهمون رجل الدين بأنه يحرض، لا يرون التحريض المضاد وهم يشمتون بموته

بل يبتكرون قصائد أخلاقية وهمية ليرقصوا على جراح من يخالفهم، ثم يذرفون دمع التماسيح على المدنية

وأعني إن السلفية الشيعية اليوم، بسلاحها، تفتك بالسلفية السنية، بعجزها

وبينما تُسفك الدماء، ينشغل اليسار بـنقد الضحية

لكنه منطق أعوج: إذ يصبح صوت المقهور فاشية، وسلاح القاهر مقاومة

ثم إن هذه مهزلة لا يفهمها التاريخ السوي، ولا تقبلها العدالة

فيا سادة، نحن لا نعيش ثورة، نحن نعيش انهيارا قيميا

نعم

حين يضحك يساري على جثة شيخ، ويحتفل لبرالي بمجزرة لأنه سلفي، ويصمت مثقف عن ميليشيا لأنها من طائفته، فاعلم أننا لا نختلف كثيرا عن القرون الوسطى، فقط استبدلنا السيف بالتغريدات

لكن يبدو أن بعض التيارات باتت تفكر هكذا: إن كنت متدينا، فأنت مشروع خطر، وإن كنت سلفيا، فأنت تستحق الموت، وإن كنت شيعيا مسلحا، فأنت مناضل! فيما كل هذا لا يعبر عن فكر، بل عن تصفية حسابات باسم الفكر

فهل الحداثة أن تهين المتدين؟ وهل التنوير أن تتواطأ مع القاتل إذا اتفق مع كراهيتك للعمامة؟بمعنى أدق فإن القضية ليست في التدين أو عدمه، بل في احترام إنسانية الناس

كما لن تبني وطنا حديثا على أنقاض الكراهية، ولن تحرر مجتمعا وأنت تبرر القتل، ولن تُصبح تنويريا فقط لأنك تكره الشيوخ

لذلك فإن اليسار العربي، في لحظته هذه، يكرر أسوأ ما في تاريخه :حين تحالف مع الاستبداد باسم مقاومة الاستعمار، والآن يتحالف مع الطائفية المسلحة بحجة مناهضة الرجعية

لكنه ينسى أن الضحية اليوم، وإن اختلفنا معه، هو المواطن الضعيف، وهو الغالبية التي تُجلد كل يوم باسم الأقليات

وكأننا أمام معادلة جديدة: قلة مسلحة، تقتل

وأكثرية مكلومة، تُتهم!ثم إن هذا المجتمع الذي تصفه بـالرجعي هو ذات المجتمع الذي رباك وأعطاك اللغة والهوية

فاحترم ذاكرته، حتى لو أردت تغييره

ولكأن اليمن بحاجة إلى مزيد من الدم

ولكأن الأوطان لا تُبنى إلا بالجثث والتبرير

لذلك لا، لسنا في ثورة

ولسنا دولا في حداثة

نحن في تكرار رديء لتاريخ دموي، يصفق له من زعم أنه ضد الدم

فيما نحتاج إلى يسار يُدين القتل بلا استثناء، لا يسار يُقايض الدماء بالمواقف

بل نحتاج إلى حداثة تنحاز للإنسان، لا للأيديولوجيا

ونحتاج إلى خطاب لا يحتقر المتدين ولا يُؤلهه

والأهم، نحتاج إلى ضمير لا يضحك حين يُقتل إنسان، حتى لو كان خصمه السياسي

ثم إن هذه ليست لحظة انتصار لأي فكر

إنها لحظة انكشاف كامل

نعم

سقط القناع، ولم يبقى إلا وجه الحقد، مغلفا بنظارات ماركسية مزيفة، تعجز عن رؤية الدم لأنها منشغلة بتفسير البنية الطبقية للفتوى

فيما اليسار الذي لا يثور للعدالة، لا يساوي شيئا

والحداثة التي لا تحترم الإنسان، مهما كان دينه، ليست حداثة

بل مشروع احتقار جديد