فشل أول مشروع تحويل النفايات إلى طاقة في اليمن
منذ 3 ساعات
تعز – شهاب العفيفمنذ الصباح الباكر يتجه محمد طلال (19 عامًا) إلى مكبِّ النفايات بمنطقة الضباب غربي مدينة تعز، حاملًا على ظهره “شوالات وأكياس فارغة”، باحثًا عن النفايات القابلة لإعادة التدوير وما تيَسّر من المعادن، كالحديد والنحاس
لأكثر من تسع ساعات يوميًا يمكث طلال في البحث وتجميع البلاستيك والمخلفات المعدنية من وسط مكب النفايات، معرضًا نفسه لمخاطر صحية وجسدية؛ نتيجة آثار النفايات العضوية المختلطة مع المعادن المحترقة أو من الآلات الحادة والقطع الزجاجية
يقول طلال خلال حديثه لـ”المشاهد” “أذهب إلى المكب بشكل شبه يومي؛ للبحث عن المخلفات المعدنية والبلاستيكية لجمعها ثم بيعها على محال الخردوات في المدينة”
ويضيف: “قيمة أسعار وزن النفايات القابلة لإعادة التدوير ضئيل ولا يغطي كافة احتياجاتي من المصاريف اليومية، لكن يعتبر هذا مصدر دخل أسرتي الوحيد منذ سنوات؛ ما يجعلني مستمرًا فيه”
طلال واحد من عشرات الأطفال والنساء، يتجمعون بشكل شبه يومي في مكب النفايات أثناء احتراقها، ويقومون بجمع مواد البلاستيك ومعلبات المياه المعدنية، والحديد من علب “الفاصوليا، التونة، والمشروبات” وغيرها من المخلفات القابلة لإعادة التدوير
وفرضت الحرب واقعًا مأساويًا لآلاف اليمنيين، الذين وجدوا أنفسهم في وضعٍ معيشي سيء، في ظل الانهيار الاقتصادي وتردي سعر صرف العملة الوطنية، وانعدام الأمن الغذائي وانتشار الفقر والجوع؛ ليدفع بالكثيرين إلى البحث عن لقمة العيش حتى من جمع النفايات
ووفقًا للأمم المتحدة، يعيش 58% من اليمنيين في فقرٍ مدقع، فيما يعيش أكثر من 80% من السكان تحت خط الفقر
لم تكن شوارع وأحياء مدينة تعز التي تعاني من أزمة تكدس النفايات وحدها مكانًا لتوفر النفايات البلاستيكية والمعدنية القابلة لإعادة التدوير، والتي يعمل جامعو النفايات على وجمعها قبل أن يتم ترحيلها إلى مكبّ النفايات للاحتراق، وإنما أصبح المكب المكان الأكثر ازدحامًا لجامعي النفايات
فالعديد من الأسر أصبحت تعمل في تجميع النفايات الصلبة من الحديد والنحاس، والمواد البلاستيكية، من مكبّ النفايات، وبيعها على أصحاب محال الخردوات بأسعارٍ زهيدة لتوفير أبسط متطلبات المعيشة
المكب الواقع في منطقة الضباب غربي المدينة، تم استخدامه قبل عشر سنوات مكبًا مؤقتًا؛ وذلك لقيام جماعة الحوثي بفرض الحصار على المدينة، وعدم السماح بالوصول للمكب الرئيسي الواقع في منطقة مفرق شرعب، شمال تعز، والاضطرار لاعتماد مكبّ الضباب، غير مطابقٍ للمواصفات؛ للتخلص الآمن من النفايات العضوية والصلبة
يبلغ سعر الكيلوجرام الواحد من البلاستيك 200 ريال يمني (نحو 0
13 دولار أمريكي)، فيما سعر الكيلوجرام من معدن الحديد إلى 100 ريال ( 0
7 دولار أمريكي)
في الوقت الذي يصل سعر الكيلوجرام للدقيق 800 ريال ما يعادل نصف دولار أمريكي، وهو القوت الذي تعتمد عليه غالبية الأسر اليمنية
ويقول أستاذ البيئة بجامعة تعز، الدكتور أنور الشاذلي، لـ”المشاهد“: “شريحة واسعة من العاملين في جمع علب البلاستيك والخردوات وبيعها بأسعار زهيدة، تتعرض لمخاطر كثيرة”
وأضاف الشاذلي أن أبرز هذه المخاطر الجروح الجسدية، فالإصابات داخل مقالب النفايات تتضاعف خطورتها؛ بفعل ارتفاع نسب التلوث فيها؛ وما ينتج عنها من آثار صحية خطيرة
ويواصل الخبير البيئي: “دخول جامعي النفايات إلى وسط المقالب، أثناء احتراق النفايات، وغالبيتهم من الأطفال، يمثل انتهاكًا صريحًا لقوانين البيئة وحقوق الطفل”
كما يعرّضهم لمخاطر التلوث والتسمم والإصابة بأمراضٍ مزمنة، مثل الربو وأمراض الجهاز التنفسي، إلى جانب احتقان العينين والتهابات الغدد الدمعية، في مقابل عائدٍ مادي شبه معدوم، بحسب الشاذلي
وأشار الشاذلي إلى أن جامعي النفايات يقعون ضحيةً لاستغلال تجار وهوامير الخردوات، الذين يفرضون أسعارًا متدنية مقابل ما يجمعونه؛ ما يفاقم المعاناة المعيشية للعاملين في جمع النفايات
ورغم وجود بعض الأنشطة العاملة في مجال إعادة التدوير، لكنها لا تزال غير منظمة وتعمل خارج الأطر القانونية، وبعيدةً عن رقابة الدولة وتشريعات الأمن والسلامة، واللوائح التشريعية التي تنظم العلاقة بين جامعي النفايات البلاستيكية والمعدنية وأصحاب معامل الخردوات وإعادة التدوير
ودعا الخبير البيئي الحكومة والسلطات المحلية والجهات المعنية إلى تبني سياسات واضحة لتحويل النفايات من كارثةٍ بيئيةٍ تهدد الصحة العامة إلى فرصةٍ حقيقية للاستثمار والتنمية المستدامة
يُرجع فهد الزبيدي، وهو أحد مالكي محال الخردوات، أسباب تدني أسعار النفايات المعدنية والبلاستيكية إلى التكاليف التي يتحملها تاجر الخردوات ليقوم بعملية التنظيف والكبس والنقل إلى مناطق في محافظات أخرى ليتم إعادة تدوير بعضها
والبعض الآخر يتم تجهيزها للتصدير إلى خارج البلاد، وذلك عبر سلك طرق وعرة وبعيدة في ظل الحصار المفروض على المدينة من قبل الحوثيين، يقول الزبيدي
ويتابع لـ”المشاهد“: “لا يوجد في محافظة تعز أي مصانع لإعادة التدوير، أو مكائن لفرم وتقطيع المواد القابلة للتدوير، والتي من شأنها العمل على زيادة الطلب للنفايات والتخفيف من أعباء التجار”
ويضيف الزبيدي أن الحرب وارتفاع التكاليف، وقطع الطرقات، جميعها أثرت سلبًا على مصانع إعادة التدوير الكبيرة في كل من صنعاء، عدن، ولحج؛ ما دفع تجار الخردوات إلى تصدير المواد التي يقومون بشرائها عبر محالهم المنتشرة في المدن، إلى خارج البلاد، وتحمل تكاليف الكبس، الفرن، التنظيف، والنقل
تجارب في بلدانٍ عربية وأخرى غربية وشرقية حوّلت النفايات بمختلف أنواعها إلى موردٍ اقتصادي، سواء من خلال إعادة التدوير وتطوير صناعات منتجات محليةويؤكد أنه بالإمكان استغلال النفايات المعدنية والبلاستيكية وتحويلها إلى موردٍ اقتصادي يعزز تنمية المحافظة بشكل عام، واليمن على وجه الخصوص، ويسهم في تحسين دخل العاملين في تجميعها
الزبيدي أشار إلى أن هناك عديد تجارب في بلدانٍ عربية وأخرى غربية وشرقية حوّلت النفايات بمختلف أنواعها إلى موردٍ اقتصادي، سواء من خلال إعادة التدوير وتطوير صناعات منتجات محلية، أو إنتاج الكهرباء، والغاز، والسماد العضوي
بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإنه إنتاج النفايات قبل الصراع قُدّر بأكثر من أربعة ملايين طن، واليوم يرتبط الافتقار إلى جمع النفايات الصلبة وخيارات التخلص السليم منها ارتباطًا مباشرًا بالمشكلات الصحية
وأطلق البرنامج الأممي أول مشروع لتحويل النفايات إلى طاقةٍ في اليمن، وهو عبارة عن مصنع للتخلص الآمن للنفايات وإنتاج الطاقة في نفس الوقت
حيث دخل المشروع حيز التنفيذ في سبتمبر/أيلول 2021، بتشغيل محطة تحويل للنفايات في محافظة لحج جنوبي اليمن بتمويل من الاتحاد الأوروبي ودعم الوكالة السويدية للتنمية والتعاون الدولي
تحويل النفايات إلى طاقة هي ببساطة استخدام النفايات كمصدر وقود لإنتاج الكهرباء أو الحرارة، مما يقلل من حجم النفايات ويولد طاقة مستدامة جزئيًا
تُعتبر هذه التقنية حلاً لإدارة النفايات في المدن الكبرى، خاصة مع زيادة الكميات اليومية، حسب “ايكومينا“
وكانت آلية عمل المشروع تتم عبر إنشاء نقاطٍ لجمع المخلفات وشرائها من المواطنين وعمل نقاطٍ لفرزها، ثم نقلها ومعالجتها في المحطة، وبعد ذلك بيع المنتجات النهائية
في السياق، قال مدير عام الهيئة العامة لحماية البيئة في محافظة لحج، المهندس فتحي الصعو، في تصريح لـ”المشاهد”: “إن المشروع –رغم أهميته والآمال التي علّقت عليه– شابته إخفاقات تتعلق بدراسة الجدوى وديمومته”
وأضاف الصعو أن المشروع عمل لفترةٍ قصيرةٍ لم تتجاوز شهرين، قبل أن يتوقف بشكل كامل، مؤكدًا أنه لم يتم خلال تلك الفترة إنتاج الطاقة فعليًّا، إذ اقتصر العمل على كونه مشروعًا تجريبيًا فقط
وأوضح أن المشروع كان من المتوقع أن يستفيد منه نحو 500 أسرة في منطقة الوهط التابعة لمديرية تبن بمحافظة لحج
وأشار إلى أن المشروع كان بمثابة مشروعٍ استراتيجي ومستدام، وله مخرجات مهمة كان من شأنها أن تعود بالنفع على المنطقة والمحافظة عمومًا، إلا أن ضعف الدراسة وعدم كفاية كميات النفايات التي تم جمعها حال دون تحقيق أهدافه، حيث لم تكن تلك الكميات كافية لإنتاج الطاقة
ما رأيك بهذا الخبر؟سعدنا بزيارتك واهتمامك بهذا الموضوع
يرجى مشاركة رأيك عن محتوى المقال وملاحظاتك على المعلومات والحقائق الواردة على الإيميل التالي مع كتابة عنوان المقال في موضوع الرسالة
بريدنا الإلكتروني: [email protected] تصلك أهم أخبار المشاهد نت إلى بريدك مباشرة
الإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقاريرمن نحن