فيصل الشبيبي : الشيخ ياسر العواضي كما عرفته

منذ سنة

  ** عام كامل مضى على وفاة الأخ والأستاذ العزيز الشيخ / ياسر العواضي الأمين العام المساعد للشؤون التنظيمية الذي مثل رحيله المفاجئ خسارةً فادحة للمؤتمر والبرلمان والوطن في آن واحد

 من يتعرّف على الشيخ ياسر أحمد سالم العواضي السياسي والبرلماني الشاب، يظن للوهلة الأولى أنه يحاور إنساناً تجاوز عمره الستين عاماً لما يمتلكه من خبرة وثقافة موسوعية وإلمام ببواطن الأمور، فهو بحق شخصية استثنائية خسرها الوطن والمؤتمر

 منذ أكثر من عشرين عاماً تابعته كما تابعه الكثيرون من خلال جلسات البرلمان التي كانت تُبث عبر الفضائية اليمنية، وقد كان أصغر الأعضاء سناً، سمعت عنه كثيراً وقرأت له بعض المقالات، لكن الأقدار جمعتنا حين تم اختياري ضمن الطاقم الإعلامي والفني والإداري المرافق لوفد المؤتمر الشعبي العام في مشاورات الكويت في أبريل 2016 فتعرفت عليه عن قرب 100 يوم في الكويت، وأكثر من شهرين في سلطنة عُمان، وما تلاها من لقاءات سياسية واجتماعات تنظيمية في صنعاء، وهنا اكتشفت الكثير والكثير عن الشيخ ياسر العواضي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، ففي الأسفار تتآلف القلوب وتذوب الكثير من القيود والرسميات والبروتوكولات خاصةً حينما يضم الجميع سكنٌ واحد، ويلتقون في أحايين كثيرة

 أبو رامي سبق عمره بسنوات طوال، فعندما تحاوره تجد ذلك الحكيم الذي صقلته الأيام والمواقف، يحدثك عن تجاربه وتجارب من سبقوه بخبرة واسعة ومعلومات ضافية، وعندما تناقشه في السياسة تجده ذلك المُتمرّس المُتمكِّن من قواعد اللعبة العارف بخبايا الأمور وأبعادها، وعندما تسأله عن العُرف القبلي تجده الشيخ العارف بتفاصيل القبيلة وأحكامها وأسلافها وأعرافها

 يتميز الشيخ ياسر رحمه الله بثقافته الموسوعية سواءً في السياسة أو القانون أو التاريخ والجغرافيا والعُرف وغيرها؛ ، ما جعله مرجعاً للكثيرين ممن حوله، وما يميزه أيضاً ذكاؤه الحاد حيث كان يعرف ما يرمي إليه الآخرون عند حديثهم عن المشاورات وتفاصيلها

 كان يسأل ويبحث عن كل جديد في التكنولوجيا ويقرأ ويتابع بكل جدٍ وشغف، والأجمل فيه أنه لا يبخل بأي معلومة يمتلكها ليفيد من حوله بها

 منزله في صنعاء، كان واحةً للشخصيات الإعلامية والأدبية والصحفية من مختلف ألوان الطيف السياسي، حيث يدعو أبرز الإعلاميين يوماً وأحياناً يومين في الأسبوع، ويتم إثراء تلك الجلسات بالنقاشات الواسعة للقضايا والأوضاع التي يمر بها الوطن والبحث عن حلول لها بكل شجاعة حتى وإن كانت أحياناً مؤلمة للبعض

 كان أبو رامي شهماً كريماً متواضعاً، يُخجلك بتواضعه حينما تحلُّ ضيفاً على منزله إلى درجة أنه يذيبُ كل الحواجز والرسميات ويتعامل مع ضيوفه بكل بساطة وتواضع دون استثناء، يُقدِّر الصغير والكبير، والأهم من ذلك كله أنه كريم إلى درجة الذي لا يخشى الفقر فلا يرد مُحتاجاً أو مُعسِراً حتى وإن استدان من أجله، وقد كنت شاهداً على عدد من المواقف حينما جمعتنا مشاورات الكويت، ويتم إبلاغه بمرض أحد أصدقائه أو أبناء قبيلته

 ما يُميّزُ الشيخ ياسر رحمه الله عن الكثير من السياسيين أنه لا يفجر في الخصومة، ويُبقي على شعرة معاوية مع الجميع مهما وصلت حدة الخلافات، حيث يظل على تواصل مع كل الناس على الأقل في المناسبات العامة والخاصة

 أما في حواراته ولقاءاته السياسية مع جميع الأطراف، فقد كان مُناوراً بارعاً وسياسياً شجاعاً وفطناً كبيراً يقرأ الشخص الذي أمامه من نظرات عينيه وتفاصيل وجهه ويرد بكل حصافة وحنكة وقوة حينما يتطلب منه ذلك

ثالث شخصية قيادية بارزة فقدها المؤتمر الشعبي العام خلال أربع سنوات، بعد الشهيدين الزعيم المؤسس علي عبدالله صالح والأمين الأمين الأستاذ عارف الزوكا رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته، وهي بحق خسائر فادحة لليمن بشكل عام والمؤتمر الشعبي العام بشكل خاص، فرحيلُ مثل هؤلاء القادة الكبار لا يُعوّض نهائياً لما يمتلكونه من كاريزما في القيادة ورصيد هائل من العلم والجاه والمعرفة والخبرة والحنكة السياسية والقدرة على احتواء الآخرين