قيودٌ تفرضها الحرب على «نحالي اليمن»

منذ 8 أشهر

تعز – رأفت الوافي قبل اندلاع الحرب في اليمن، تنقل النحّال اليمني عبده سالم، 75 عاماً، من تعز إلى إب ثم إلى صنعاء وصولاً إلى الحديدة، بحثًا عن المرعى الملائم للنحل

لم يواجه مخاطر أو معوقات عند التحرك من محافظة إلى أخرى

اليوم، لم يعد ذلك ممكنًا؛ جاءت الحرب، عام 2015، لتفرض عليه البقاء في مكان واحد

زادت الخسائر التي تكبدها سالم خلال السنوات الماضية، وضعف إنتاج العسل في خلايا النحل التي يملكها، وهلكت الكثير من الخلايا

في موسم واحد فقط، ماتت النحل في مائتي خلية، حيث يعتقد أن سبب ذلك هو السموم والمبيدات التي يتم رشها للخضروات والفواكه في منطقة الضباب، المكان الذي يستقر فيه سالم مع خلايا النحل

يقول لـ«المشاهد»: “كنت أتنقل بين العدين وتهامة كل عام، لكن وعورة الطريق وبعدها وارتفاع أسعار المشتقات النفطية جعلني أمكث في الضباب المنطقة الأقرب”

معاناة هذا النحال مثال واحد فقط للصعوبات والأضرار التي يتعرض لها النحالون في اليمن في ظل استمرار الحرب

ويضيف: “منذ نصف قرن، أعمل في رعاية النحل وبيع العسل

أن تكون نحالًا، يجب أن تكون قادرًا على أداء هذه المهمة، ويكون عندك الهواية لها

هي مهنة شاقة؛ أبقى بين الأمطار والرياح والشمس، أحرس وأرتب خلايا النحل، وأقدم لها الرعاية والماء والعلاجات

تعد النحل مصدر دخلي الوحيد، لإعالة أسرتي”

خطر السمومتشكل السموم والمبيدات خطرًا كبيرًا على النحل في عموم اليمن

في السنوات الأخيرة، استخدم المزارعون المبيدات الزراعية بدون رقابة من السلطات المختصة أو إرشادات زراعية صحيحة، الأمر الذي تسبب بأضرار لخلايا النحل

يقول الخبير البيئي في جامعة عدن الدكتور علي سالم لـ«المشاهد»: “السبب الرئيسي في موت النحل يعود إلى رش المبيدات والسموم، فالنحل مثله مثل الحشرات يتغذى على رحيق الأزهار، وأثمار الأشجار، لذا رش المبيدات يؤثر على حياة النحل”

ويضيف: “يجب على وزارة الزراعة وضع حلول عاجلة لمثل هذه المشكلات البيئية، من خلال إرشاد المزارع بطريقة استخدام المبيدات، وتجنب الرش العشوائي بدون سابق خبرة أو معرفة بأنواع السموم

على الدولة أن تضع حدًا لمثل هذه التصرفات، وضمان الحفاظ على الثروة البيئية والحيوانية”

تشير تقارير إلى أن إنتاج العسل في اليمن شهد تراجعًا ملحوظًا لعدد من الأسباب، بينها موت النحل والاحتطاب الجائر للأشجار

وتعد اليمن من أولى دول العالم المتميزة في أجود أنواع العسل وأغلاها ثمنًا نظرًا لجودته العالية ومذاقه الفريد، حيث اشتهر اليمنيون بمهنة تربية النحل في عدة محافظات، أبرزها حضرموت التي تعد الأكثر إنتاجًا، تليها أبين والحديدة

وديع الشرجي، أخصائي بيئي، يوضح لـ«المشاهد» أن السموم والمبيدات المختلفة لها تأثير على تربية النحل وموت الكثير من خلاياها، نظرًا لتأثير ذرات المبيدات المتناثرة، بالإضافة إلى تأثير حبوب الطلع ومكونات العسل الأخرى المسمومة، والتي تعرضت للرش، حيث تقوم الشغالات في خلية النحل بنقلها، الأمر الذي يتسبب بموت جميع أفراد الخلية بما فيها الملكة، وهذا يقلص عملية الإنتاج

ويضيف الشرجي أن الكثير من الحشرات تقوم بتلقيح نباتات هامة ومفيدة، وبالتالي عند موت هذه الحشرات، فإن كثيرًا من النباتات المفيدة أيضًا ستختفي من السلسلة الغذائية، وبالتالي يؤثر على إنتاج نحل العسل بعدم توفر تلك المصادر الحيوية

وبحسب تقرير اللجنة الدولية للصلب الأحمر، فإن اليمن تأثر مثل العديد من البلدان المتضررة من النزاعات بشكل أكبر من التغيرات المناخية التي تسببت بارتفاع درجات الحرارة في السنوات الأخيرة، وأن التغيرات الشديدة التي طرأت على البيئة نجم عنها اضطراب النظام الإيكولوجي للنحل الذي يؤثر على عملية التلقيح

تعثر التصديريرى كثيرون أن الحرب في اليمن تعد واحدًا من أسباب تعثر تصدير العسل اليمني رغم جودته التي يتميز بها عن الأنواع الأخرى، وذلك نظرًا لخاصية تكوينه من الأشجار والأزهار المختلفة المنتشرة على طول جبال وسهول اليمن

خالد الحكيمي، استشاري في تربية النحل، يقول لـ«المشاهد»: “نحالو اليمن يعانون الويلات بسبب حرب الحوثيين وسياسات التضييق على النحالة المتنقلين بين مناطق الشرعية وجماعة الحوثي

إضافة إلى غياب الجهات ذات العلاقة بهموم ومعوقات تربية النحل”

إن انتشار العسل المغشوش ودخول العسل الخارجي إلى اليمن بسعر أرخص من العسل المحلي، أدى إلى قلة ثقة المستهلك الداخلي والخارجي بالعسل اليمني، ما تسبب بنتائج سلبية على قطاع المناحل، وتراجع في التصدير، بحسب الحكيمي

يشير تقرير سابق لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، إلى أن إنتاج العسل كان إلى وقت قريب تجارة مربحة لليمنيين، حيث صُنف العسل عام 2003، كإحدى السلع الاستراتيجية الخمس التي أعلنت عنها الحكومة اليمنية لأهميتها في رفد اقتصاد البلاد

في 2002، قدرت الإحصائيات الرسمية لوزارة الزراعة اليمنية عدد النحالين اليمنيين بـ81,734 نحالًا، وبدت مهنة النحالة واحدًا من أهم مصادر الدخل التي تعيش عليها الكثير من الأسر ذات الدخل المحدود في اليمن، لا سيما في المناطق الريفية

لا يزال سالم صامدًا بجانب خلايا النحل التي يمتلكها في منطقة الضباب بتعز، ويرى في تلك الخلايا مصدرًا لرزقه، والمهنة المفضلة التي لزمها لعقود من الزمن

لا يريد سالم أن يترك تربية النحل، بل يريد أن تتوقف الحرب لكي يستطيع التنقل من منطقة إلى أخرى، ويربي المزيد من الخلايا، وينتج المزيد من العسل، ويحصل على عائد مالي أفضل

ليصلك كل جديدالاعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير