كيف استعاد الريال اليمني توازنه؟
منذ 7 ساعات
تعز- نجوى حسنشهد الريال اليمني خلال الأسابيع الماضية تحسنًا ملحوظًا في مناطق الحكومة الشرعية؛ الأمر الذي أثار تساؤلات عدة حول طبيعة هذا التحسن وأسبابه، خاصةً في ظل غياب أي منح خارجية أو قروض معلنة
المشاهد في هذا التقرير يستطلع رأي الخبراء على الإجراءات الاقتصادية والسياسية التي مهّدت لهذا التحسن، إلى جانب التحديات التي ما تزال قائمة
وفقا لبعض المتحدثين في القرير فإن ما حدث لم يكن وليد لحظةٍ عابرة، بل حصيلة تراكمات تنظيمية ورقابية بدأت مطلع العام الجاري
وقد بدأ البنك المركزي في عدن بالفعل أمس الأحد، 10 أغسطس 2025، عبر لجنة تمويل وتنظيم الواردات استقبال طلبات البنوك وشركات الصرافة بسعر 1,632
80 ريالا للدولار الواحد و428 ريالا لكل ريال سعودي، حسب صفحة البنك المركزي في عدن على الفيسبوك
وبهذا السعر يكون الريال اليمني في مناطق سيطرة مجلس القيادة الرئاسي قد استعاد نحو 50% من قيمته بعد تدهور كبير في يوليو الماضي وصل إلى حدود 3,000 ريالا للدولار الواحد
وقال وزير الصناعة والتجارة في حكومة عدن، محمد الأشول في حوار خاص مع “المشاهد”، نشر في 6 أغسطس الجاري، أن وزارته ستراقب أسعار السلع في السوق وفقا لسعر الصرف
وفي هذا الصدد، يقول فارس النجار، المستشار الاقتصادي في رئاسة الجمهورية لـ”المشاهد” إن “تحسن سعر صرف الريال اليمني لم يكن نتاج قرار مفاجئ؛ بل نتيجة لتلاقي القرار الاقتصادي بالإرادة السياسية، وتحولات مؤسسية بدأت بنقل المراكز الرئيسية للبنوك إلى عدن، وتفعيل الشبكة الموحدة، وتنظيم سوق الاستيراد، خاصةً في قطاع المشتقات النفطية؛ مما أدى إلى تخفيف حدة المضاربة في السوق المصرفية”
أسهمت الإجراءات النقدية المتعددة في إحداث نقلةٍ نوعية في مسار السياسة النقدية، وشملت هذه الإجراءات تنظيم الاستيراد، نقل العمليات المصرفية إلى عدن، وتفعيل الرقابة على شركات الصرافة، إلى جانب استعادة السيطرة على تدفقات الأموال
يوضح النجار قائلًا: “من أبرز النقاط المحورية التي أسهمت في تعافي الريال اليمني، تنظيم استيراد المشتقات النفطية عبر لجنة الاستيراد، واشتراط تنفيذ الاعتمادات المستندية من خلال النظام المصرفي الرسمي فقط، كما اكتمل نقل المنظومة المصرفية بالكامل إلى البنك المركزي في عدن، لتصبح جميع العمليات تحت إشرافه المباشر، وبدعم من البنك الدولي
مضيفًا: “يجري حاليًا تنفيذ مشروع حيوي يتمثل في إطلاق شبكة المدفوعات الإلكترونية، التي ستمنح البنك المركزي قدرةً فورية على مراقبة التدفقات النقدية، إلى جانب دورها المرتقب في تفعيل خدمات المدفوعات الحكومية إلكترونيًا”
رغم هذا التحسن، لا يزال المشهد الاقتصادي يواجه إشكالاتٍ عميقة تتطلب معالجات هيكلية وجذرية
إذ يؤكد الخبراء أن التعافي لن يصمد ما لم يتم تنفيذ إصلاحات مالية حقيقية ومستدامة
يقول النجار: “المشكلة في جوهرها مالية قبل أن تكون نقدية، إذ لا تغطي الموارد سوى 20- 30% من الالتزامات، لذا يجب العمل على توريد كل الإيرادات إلى البنك المركزي، وتعديل الدولار الجمركي وفق خطة زمنية مصحوبة بدعم دولي، واعتماد موازنة حقيقية، وإصلاح هيكل الأجور والنفقات”
فارس النجار، المستشار الاقتصادي في رئاسة الجمهورية في عدن: المشكلة في جوهرها مالية قبل أن تكون نقدية، إذ لا تغطي الموارد سوى 20- 30% من الالتزامات، لذا يجب العمل على توريد كل الإيرادات إلى البنك المركزي، وتعديل الدولار الجمركي وفق خطة زمنية مصحوبة بدعم دولي، واعتماد موازنة حقيقية، وإصلاح هيكل الأجور والنفقات”
تزامن التحسن مع بيئة سياسية أكثر دعمًا للإصلاحات، وهو ما وفّر غطاءً سياسيًا ضروريًا لاستمرار تلك الإجراءات
الصحفي الاقتصادي وفيق صالح، يرى أن “تحسن العملة يعود إلى الإجراءات التنظيمية والإدارية للبنك المركزي، خاصةً فيما يتعلق بضبط سوق الصرف، وتشكيل لجنة الاستيراد، وتقليل المضاربة، بدعم سياسي من المجلس الرئاسي، إلى جانب وجود مناخ دولي مؤيد للخطوات التي تسهم في تحقيق الاستقرار النقدي”
وأضاف أن “اجتماعات البنك المركزي مع البنوك اليمنية ووزارة الخزانة الأمريكية في الرياض، ناقشت الامتثال للقوانين الدولية لمكافحة غسل الأموال، وشكلت نقطة تحول مهمة أثّرت بشكل إيجابي على قدرة البنك على إعادة السيطرة على السوق”
ومع استمرار هذه الإصلاحات، يظل السؤال مطروحًا: هل سيصمد هذا التحسن؟ وهل يمكن الحفاظ عليه في ظل المعطيات الراهنة؟يرى النجار أن استمرار الاستقرار النقدي يرتبط بشكل مباشر بإتمام مسارين أساسيين: الأول يتمثل في حشد الدعم الدولي لتعويض توقف صادرات النفط، والثاني يتطلب استكمال الإصلاحات الاقتصادية، لا سيما ما يتعلق بتعديل سعر الدولار الجمركي، وإعادة النظر في التعرفة الكهربائية
كما يشدد على أهمية تحسين آليات تحصيل الرسوم الجمركية من الموانئ لتقليل الفاقد الناتج عن التهرب الجمركي وتدخل بعض السلطات المحلية، إلى جانب إعداد قائمة بالسلع الكمالية التي يمكن الاستغناء عنها لصالح منتجات محلية؛ بما يسهم في تشجيع الإنتاج الوطني وخفض فاتورة الاستيراد
ويؤكد كذلك على ضرورة تشغيل مصفاة عدن، والإسراع في إنجاز مشروع مصفاة حضرموت لتغطية احتياجات السوق المحلية من المشتقات النفطية، وتقليص الاعتماد على الاستيراد الخارجي
لكن ليست كل الأصوات متفائلة، إذ يرى بعض الاقتصاديين أن التحسن الأخير ليس بالضرورة انعكاسًا لإصلاح نقدي حقيقي
وبحسب عصام الأهدل، رئيس قسم الائتمان في بنك اليمن والكويت، فإن “ما حدث هو تخفيض لسعر الصرف، وليس انخفاضًا ناتجًا عن تحسن في العرض والطلب، وهو ناتج عن إجراءات مفاجئة وغير مبررة اقتصاديًا؛ ما أحدث تشوهات في السوق، وأضر بالمواطنين، لأنه لم يُقابل بانخفاض حقيقي في أسعار السلع”
عصام الأهدل، رئيس قسم الائتمان في بنك اليمن والكويت، فإن “ما حدث هو تخفيض لسعر الصرف، وليس انخفاضًا ناتجًا عن تحسن في العرض والطلب، وهو ناتج عن إجراءات مفاجئة وغير مبررة اقتصاديًا؛ ما أحدث تشوهات في السوق، وأضر بالمواطنين
”وأضاف الأهدل أن “غياب التدرج في تخفيض سعر الصرف أدى إلى اضطراب السوق، وخلق فجوةً كبيرةً بين الاقتصاد الحقيقي والسياسات النقدية المفاجئة؛ ما أضر بالمراكز المالية للتجار، وزاد معاناة المواطنين”
ويتابع: “إذا لم يوفر البنك المركزي العملة الأجنبية لتغطية الطلب، فستعود السوق السوداء للواجهة، وسيرتفع سعر الصرف مجددًا، وسيقوّض الاستقرار الذي تحقق”
كما انتقد الأهدل إغلاق شركات الصرافة قائلًا: “هذا الإجراء قد يأتي بنتائج عكسية إن لم يرافقه توفير للعملات الأجنبية عبر قنوات رسمية، فحينها سيزيد الضغط على السوق ويعقد الوضع أكثر”
لا شك أن التحسن الأخير في سعر صرف العملة الوطنية يشكل بارقة أمل في مشهد اقتصادي معقد، لكنه يبقى مكسبًا هشًا ما لم يُستكمل بمسار إصلاحي شجاع وواضح
فالكرة باتت في ملعب الحكومة والبنك المركزي، والاستقرار مرهون بإرادة التنفيذ وليس فقط حسن النوايا، أما المواطن، فلا يزال ينتظر ترجمة هذا التحسن إلى واقع معيشي ملموس، ينعكس على الأسعار والخدمات وظروف الحياة اليومية
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير