لحج: تجربة صندوق التكافل الطبي لمعلمي الحوطة وتبن

منذ 7 ساعات

لحج- أنسام عبداللهفي غرفتها المظلمة والحارة على مدار ساعات اليوم، في بيتها المتواضع بقرية الحمراء، مديرية تبن، محافظة لحج، تتكئ الأستاذة إقبال الماطري على حافة سريرها لتستقبلنا برحابة صدر، رغم كل ما تعانيه من أمراض مزمنة حالت دون استمرارها في ممارسة حياتها بشكل طبيعي

توظفت إقبال عام 1989 والتحقت هي وزميلاتها بالعمل في التعليم في محافظة الضالع

وتحملت مشقة الطريق وعناء السفر والبعد عن الأهل، بالإضافة إلى الأجواء الباردة جدًا في الضالع على العكس من مسقط رأسها في مديرية تبن

تقول إقبال: “رغم الغربة لم نشعر أننا غرباء عن أهل الضالع فقد كانوا يحترموننا للغاية ويقدرون المعلمين، وخصوصًا في ذاك الزمن الجميل حيث كان للمعلم قيمته وقدره”

وتضيف: “عملتُ في التعليم هناك لمدة أربعة أعوام متوالية، اكتسبتُ فيها الخبرة وتركتُ بصمات وأثر واضح في نفوس وعقول طلابي الذين يتذكرونني حتى الآن، كما أتذكر بعضًا منهم، بالإضافة إلى زملائي من الإداريين والمعلمين، وبعد انقضاء الأعوام الأربعة ودّعتهم عائدةً إلى قريتي “الحمراء” بمديرية تبن

وصلت إقبال إلى مدرسة عمر بن عبد العزيز للبنات عام 1994، عملتْ معلمة صف “معلمة لكل المواد”، للصفوف الأولى، وكانت سعيدة أكثر لقرب مقر عملها من أهلها في قريتها

تقول إقبال: “ثم تزوجتُ ورزقني الله بأربعةٍ من الأبناء، وكنتُ ما زلت أنا المعيل الوحيد لهم براتبي، إذ أن زوجي لا يعمل بدخل ثابت، وكذلك أبنائي”

لكن المرض أجبرها على التوقف عن العمل في العام 2021

تقول إقبال: “مثلما ترون

انتهى بي الحال في هذه الغرفة أُعاني من هشاشة العظام وداء السكري، ولا أقوى على المشي، وسط ارتفاع درجة الحرارة المستمر؛ بسبب انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، بل لأيام واسابيع متواصلة في لحج”

وتضيف: “لا أقوى على شراء كل الأدوية المطلوبة، خصوصًا في ظل ظروف المعلمين السيئة، حيث يستمر الراتب بالانقطاع لأربعة أشهر على التوالي، رغم كونه مبلغًا زهيدًا، ودون أي حوافز أو زيادات مستحقة، فظروف ما بعد حرب 2015 جعلت من المعلمين الفئة الأكثر ضعفًا كونهم الأقل دخلًا، ولا يملكون غير الراتب الزهيد هذا لإطعام أطفالهم”

المعلمة إقبال الماطري: “لا أقوى على شراء كل الأدوية المطلوبة، خصوصًا في ظل ظروف المعلمين السيئة، حيث يستمر الراتب بالانقطاع لأربعة أشهر على التوالي، رغم كونه مبلغًا زهيدًا، ودون أي حوافز أو زيادات مستحقة، فظروف ما بعد حرب 2015 جعلت من المعلمين الفئة الأكثر ضعفًا كونهم الأقل دخلًا، ولا يملكون غير الراتب الزهيد هذا لإطعام أطفالهم”

طال انقطاع الرواتب وتراجعت قيمة العملة الوطنية، وهو ما يعانيه كل معلمي اليمن شمالًا وجنوبًا، ففي الشمال يستمر المعلمون بتأدية عملهم درون رواتب منذ ما بعد الحرب إلى الآن، أما في المحافظات المحررة فقد تدهورت قيمة الراتب من 400 دولار في المتوسط قبل بدء الحرب عام 2015، إلى 40 دولار بعدها، في انهيار واضح لحقوق المعلم؛ مما يُحرمه من حقوقه في العيش الكريم، وسط تراجع الحالة الاقتصادية بالبلاد، أضف إلى ذلك تأخر صرف المرتبات خلال السنوات الماضية، وانقطاعها في الشهور الأخيرة

الأستاذ عبدالله شمل، مدير إدارة التربية والتعليم بمديرية الحوطة، يقول: “هناك فرق كبير بين وضع المعلمين الآن ووضعهم في السابق على مختلف الأصعدة، كما هناك فرق بين الطالب في الماضي والطالب الآن”

ويضيف شمل: “كان المعلم يحظى باحترام الحكومة والسلطات المحلية، كما كانت الحالة الاقتصادية جيدة جدًا مقارنة بالوقت الراهن ، وكان المعلم يذهب لعمله بكل نشاط وحيوية، حيث كان صرف الراتب مستمر شهريًا وبانتظام دون انقطاع؛ لذا كان عطاء المعلم سخيًا ومخرجاته التعليمية ممتازة جدًا”

ويواصل: “لكن الآن، وخصوصًا بعد الحرب؛ تدهور حال التعليم بشكل عام وبشكل لا نحبه ولا نرضاه، ، إذ أن المعلم أصبح يعاني من تهميش واضح، ولا يحصل على راتبه بشكل منتظم؛ لذا يصعب عليه مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة، كارتفاع أسعار المواد الغذائية واسعار صرف العملات، وتدهور خدمات المياه والكهرباء، وأصبح المعلم يكابد كل هذا التحديات لوحده دون حقوق، كل هذا أثّر على حياته وأداءه، ورسالتنا إلى القيادة في المجلس الرئاسي والحكومة والمحافظة النظر إلى حال المعلم وإعطاءه حقوقه”

تقول الأستاذة هيفاء عبدالله سعيد، مسؤولة قسم التغذية المدرسية بالحوطة: “ساءت حالة الأستاذة إقبال خلال السنوات الأخيرة، ورغم عصاميتها وتفانيها إلا أنه مثلها مثل قطاع عريض من معلمينا ممن أوشكوا على التقاعد بأحد الأجلين، ومازالوا يمارسوا مهامهم ولم يمنعهم سوى المرض”

وتضيف: “هناك فرق كبير بين زمان والآن، فالمعلم كان يحظى بحقوقه كاملةً وامتيازاته تدل على احترام الدولة والمجتمع له، فلم يكن يحتاج وينتظر الراتب شهورًا متتالية مثلما هو حاصل الآن، فالمعلم يتحمل أعباء جمّة ويبذل جهودًا لاستمرار العملية التعليمية، وتأدية رسالته رغم الإجحاف بحقه”

عام 2022 أُعلن في لحج عن تأسيس صندوق التكافل الطبي لمعلمي الحوطة وتبن

ووفقًا لحديث الرئيس الحالي للصندوق، عوض حيدر، مع “المشاهد” فإن العضوية في الصندوق اختيارية، ووصل عدد الأعضاء حتى 2025 إلى حوالي 700 معلم من الحوطة وتبن، بواقع اشتراك شهري 500 ريالٍ للمشترك

محمد الشاطري، رئيس اللجنة الاستشارية لصندوق التكافل الطبي لمعلمي الحوطة وتبن في لحج، قال في حديث مع “المشاهد”: إن الصندوق يهدف لدعم المعلمين الذين يعانون أمراضًا مزمنة؛ بسبب عارض صحي أو حادث؛ شريطة أن يكون عضو معنا ويدفع اشتراكًا شهريًا 500 ريال تخصم من راتبه، ويذهب إلى حساب الصندوق بالبنك

يقول الشاطري: “دفع الصندوق حتى الآن معونات لأكثر من 11 حالة سرطان بمبلغ 700 ألف لكل معلم ومعلمة من المرضى، وفق تقاريرهم، ودعم 300 حالة عمليات صغرى، وتكفل بتكاليف الدفن بـ100 ألف ريال لكل معلم ومعلمة من المشتركين”

محمد الشاطري، رئيس اللجنة الاستشارية لصندوق التكافل الطبي لمعلمي الحوطة وتبن في لحج: “دفع الصندوق حتى الآن معونات لأكثر من 11 حالة سرطان بمبلغ 700 ألف لكل معلم ومعلمة من المرضى، وفق تقاريرهم، ودعم 300 حالة عمليات صغرى، وتكفل بتكاليف الدفن بـ100 ألف ريال لكل معلم ومعلمة من المشتركين”

يعمل الصندوق بشكل مستقل ماليًا وإداريًا، ويتم انتخاب إدارته من الأعضاء وفق ترخيص من مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل، بحسب حيدر

المعلم سيف اليافعي من مدرسة سامية مبروك بمنطقة صبر، مديرية تبن لحج، انضم للصندوق عام التأسيس 2022، ويقول في حديثه لـ”المشاهد”: “إنه انضم للصندوق من أجل مساعدة زملائه المعلمين من المرضى؛  بسبب عدم وجود تأمين صحي للمعلمين”

ويضيف اليافعي: “هذا الصندوق تكافلي، وندعو لتعميم التجربة للاستفادة والتكافل”

ختامًا، من الواضح أن الوضع البائس الذي يعيشه المعلم في اليمن يلقي بظلاله على تدهور العملية لتعليمية، مما يؤدي بالنتيجة إلى تسرب آلاف الطلاب من المدرسة، وضياعهم في سوق العمل وضياع حقهم الأصيل في التعليم

بالمقابل نجد أن صفوف محو الأمية مزدحمة بالفتيات في الريف؛ نتيجة تراجع التعليم النظامي، ومن أهم الأسباب النقص الحاد في المعلمين، إذ أن التوظيف الحكومي متوقف منذ العام 2012

واستمرار الحال بهذا الشكل ينذر بكوارث استراتيجية تتحملها اليمن مستقبلًا، مثل خلق جيل أمي لا يفقه شيئ في ظل متغيرات عصرية تكنولوجية جعلت من حولنا يسبقنا بمئات السنين

لذا من الواجب إعادة الاعتبار للمعلم وقطاع التعليم؛ كونه أساس أي نهضة تنموية حقيقية

تم إنتاج هذا المحتوى ضمن إطار الحملة الإعلامية لإعادة الأطفال المتسربين من التعليم إلى المدراس والتي ينفذها موقع “المشاهد” بالشراكة مع منظمة “سول للتنمية”

سعدنا بزيارتك واهتمامك بهذا الموضوع

يرجى مشاركة رأيك عن محتوى المقال وملاحظاتك على المعلومات والحقائق الواردة على الإيميل التالي مع كتابة عنوان المقال في موضوع الرسالة

بريدنا الإلكتروني: almushahideditor@gmail

comليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير