مانع سليمان : تاريخ المكرب عبهلة بن غوث العنسي بين افتراء الرواة وجهل الدعاة

منذ سنة

   إن القيل عبهلة بن غوث العنسي المذحجي عليه سلام الله ، يعتبر من رموز الجهاد اليمني ضد الغزو الفارسي البغيض ، وكان قد حقق انتصارات يمنية ضد الغزاة من الفرس لم تتحقق على يد من قبله ، وساق الفرس ومواليهم سوق النعاج حتى اضطرهم ليتسللوا إليه عبر أحسن نسائهم ليتمكنوا من التخلص منه ، ولأنه كذلك تعرضت سيرته لتشويه لم تتعرض لمثلها أي سيرة أخرى ، وبلغ التشويه ذروته حتى اعموا الكثير من اليمنيين والكثير من أجيالهم ودفعوهم للمساهمة في تشويهه وساهم في ذلك رواة حاقدون ودعاة جاهلون ، ولذلك يلزمنا بيان زيف وكذب وافتراء الرواة على الملك الشهيد العظيم عبهلة في التالي : ١

اعلم اخي المتابع أنه وعند الاطلاع والتتبع للروايات التاريخية التي تحدثت عن الملك العظيم عبهلة بن غوث العنسي ، والتي اتهمته بالردة وادعاء النبوة ، وجدنا أن مدار جميعها على راو اسمه سيف بن عمر التميمي ، ولكي تدرك افتراء هذه الروايات يجب أن نجيبك عن سؤال من هو سيف بن عمر التميمي هذا ؟ وماذا قال عنه علماء الجرح والتعديل ؟والجواب :سيف بن عمر التميمي توفي عام 180هجرية ، وهو أحد الرواة الذين نقل عنهم المؤرخون ، منهم الطبري وابن هشام وابن خلدون وغيرهم ، لإيضاح ما اذا كانت روايات سيف بن عمر التميمي صحيحة أم ضعيفة لا تصح إليكم ما قاله علماء الرواية من أهل الجرح والتعديل فيه : قال عنه الإمام النسائي : ( سيف بن عمر الضبي ضعيف ) في كتاب الضعفاء والمتروكين ( ص 14 )

وقال عنه ابن أبي حاتم : ( متروك الحديث ، يشبه حديثه حديث الواقدي ) في كتاب الجرح والتعديل ( 2/278 )

 وقال عنه ابن معين : أن سيفاً ضعيف الحديث كتاب الجرح والتعديل ( 2/278 ) كذلك

 وقال عنه الذهبي  : ( ضعفه ابن معين و غيره ) كتاب الكاشف (1/416 ) ، وقال عنه الذهبي : ( سيف بن عمر التميمي الأسدي له تواليف متروك باتفاق ) كتاب المغني في الضعفاء ( ص 292)

وقال عنه ابن حجر العسقلاني : ( سيف ضعيف الحديث ) كتاب التقريب (1/344 )

وقال عنه ابن حبان : ( سيف بن عمر الضبي الأسدي من أهل البصرة اتهم بالزندقة

يروي الموضوعات عن الأثبات ) في كتاب المجروحين (1/345)

هذه خلاصة ما قاله علماء الجرح والتعديل الذين نعتمد عليهم في قبول رواية الرواة أو رفضها في راوي الروايات التي تدعي ردة عبهلة وادعائه للنبوة ! واذا كان ذلك هو رأي أو آراء علماء الجرح والتعديل في المفتري على الملك عبهلة بن غوث علي السلام فكيف لنا أن نصدق رواية راو متهم بكلما ذكره فيه علماء الجرح والتعديل؟ كيف لنا أن نصدق من تجرأ على الكذب على النبي عليه الصلاة والسلام الذي قال في الحديث: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار

كيف لنا أن نجعل من روايات من توعده الرسول بالنار لكذه عليه مستند لتكفير وتشويه مكرب ومسلم عظيم قاتل الفرس ، وطالب قريش بأن تلتزم بتوجيهات النبي التي وجه بها معاذ بن جبل أثناء إرساله إلى اليمن ؟بالنسبة الي من المستحيل أن أصدق في القيل عبهلة ما رواه الكاذب على رسول الله سيف التميمي

أيها اليمنيون قد يقول لكم قائل : أن مانع سليمان يختلق الشبهات كي يمرر الأفكار التي يحملها ، ويسرد لكم القائل الحديث الذي أخرجه مسلم بسند صحيح من حديث أبي هريرة أن النبي عليه السلام قال : ( بَيْنا أنا نائِمٌ أُتِيتُ خَزائِنَ الأرْضِ، فَوَضَعَ في يَدَيَّ أُسْوارَيْنِ مِن ذَهَبٍ، فَكَبُرا عَلَيَّ وأَهَمَّانِي، فَأُوحِيَ إلَيَّ أنِ انْفُخْهُما فَنَفَخْتُهُما فَذَهَبا، فأوَّلْتُهُما الكَذّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أنا بيْنَهُما: صاحِبَ صَنْعاءَ، وصاحِبَ اليَمامَةِ ) ، ويقولون لكم بأن في هذا حجة على أن القيل عبهلة كذاب مرتد مدع للنبوة !!! بينما الأمر ليس كذلك ، وعلى الاستدلال الحديث على ذلك النحو مآخذ ، بيانها في التالي : المأخذ الأول : أن تأويل الرؤيا الوارد في نهاية الحديث ، تأويلاً مدرجاً من عبيد الله ، وليس من قول النبي عليه السلام ، ويتضح ذلك من خلال الرواية التي أخرجها البخاري لنفس الرؤيا عن طريق بن عباس والتي قال فيها : قال عبيد الله بن عبد الله: سألت عن عبد الله بن عباس، عن رؤيا رسول الله ﷺ التي ذكر، فقال ابن عباس: ذكر لي أن رسول الله عليه وسلم قال: (بينا أنا نائم، أريت أنه وضع في يدي سواران من ذهب، ففظعتهما وكرهتهما، فأذن لي فنفختهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان)

فقال عبيد الله: أحدهما العنسي الذي قتله فيروز باليمن، والآخر مسيلمة الكذاب

 فكما تلاحظون أيها الأقيال بأن تأويل الرؤيا لم يكن من النبي عليه السلام ، وإنما كان من قبل الراوي عبيد الله بن عبدالله ، فهو الذي أول الرؤيا بأن المقصود منها هو الأسود العنسي ، وتأويله للحديث على ذلك النحو كان لما وصله الذي وصلنا من تشويه وتلفيق وكذب ودس من قبل الفرس اتباع المتورد فيروز الديلمي الذين لم يلتحقوا بالاسلام الا ليواصلوا البسط على اليمن والسيطرة على خيراته ومقدراته

 المأخذ الثاني: يتضح من خلال سياق الرواية لمن تأمل فيها بأن تأويل عبيدالله للرؤيا بما أولها به ، كان عبارة عن توظيف لرؤيا النبي من قبله لمقصد سياسي بحت ، وذلك واضح من خلال استنطاق عبيدالله لابن عباس خبر الرؤيا ، فقد استنطقه لاسقاط فكرة أرادها عبيد الله ، وتلك الفكرة هي اتهام عبهلة بالكذب وادعاء النبوة ، ولذلك بمجرد ما اكمل عبيد الله رواية الرؤيا مباشرة ، قال : أحدهما العنسي الذي قتله فيروز باليمن، والآخر مسيلمة الكذاب

المأخذ الثالث : من خلال ما سبق ايضاحه يتبين لكم أيها الأقيال بأن عبيد الله هو من أول رؤيا النبي بذلك التأويل ، وعبيد الله تابعي، وأهل العلم متفقون بأن قول التابعي ليس بحجة ولا يبنى عليه حكم ، ولا يعتبر دليل يمكن الاعتماد عليه في إثبات حكم أو نفيه ، وقد يقول قائل بأن عبيد الله نقل تفسير الرؤيا ، ولهذا أقول بأن الرؤيا ليس فيها دلالة صريحة على ما أوله عبيد الله ، ومن شروط الاستدلال بالحديث عند أهل العلم الصحة للسند والصراحة في الدلالة ، ناهيك عن اختلاف أهل العلم في رؤيا الأنبياء هل تعتبر حجة أم لا ؟

ومن خلال ما سبق ايضاحه يتبين لكل ذي لب ، بأن عبهلة قد تعرض لحملات تشويه ممنهجه من قبل خصومه أثناء صراعهم معه وبعد استشهاده ، وكما يحاول السلاليون اليوم اقناع الناس والعالم بأن الذين يواجهوهم في تعز ومارب دواعش ، فإنهم كذلك يسعون إلى اقناع المسلمين بأن عبهلة بن غوث ادعى النبوة وأنه كذاب ومن هذه الأساليب التي اعتادتها قريش وحلفاؤهم من الفرس في تشويه خصومهم السياسيين بمن فيهم النبي محمد عليه السلام الذي قالوا عنه ما قالوه عن عبهلة من بعد 

ولما سبق يتبين لكم الحجم والكم الهائل من التضليل الذي تعرضت له الذاكرة التاريخية اليمنية والتي حاولت تشويه كل شيئ له علاقة بالإنسان اليمني وشموخه ودفاعه عن أرضه لشرعنة الوجود الفارسي من قبل والان لشرعنة التسلط الهاشمي البغيض ، فلنحذر من السير في ذات الغفلة ، ولنتجه جميعنا للتصدي لكل محاولات التشويه للإنسان اليمني ورموزه التاريخية في كل وقت وبكل اسلوب وتحت أي ظرف

وصلى الله وسلم على اليمن وأهل اليمن وأقياله وأبطاله الميامين