محمد الخامري : بين نموذجين سيئين.. لماذا تفشل عدن وتتماسك صنعاء؟

منذ 4 ساعات

محمد الخامري أي مشروع سياسي في العالم، سواء كان شرعية، او انفصال، أو سلطة جديدة، أو حتى مرشّح انتخابات وشيخ قبيلة؛ لايستطيع أن يطلب التفويض قبل أن يقدّم نموذج عملي لما سيكون عليه الحال إذا فاز أو نجح أو سيطر او تمكن

 هكذا فعلت التجارب الملهمة في آسيا وأوروبا وأفريقيا، سنغافورة قدّمت نموذج الدولة المنضبطة النظيفة قبل الاستقلال فالتفّ الناس حول مشروعها، وتركيا قدّمت نموذج البلديات الناجح الذي صنع صعود أردوغان، ورواندا قدّمت نموذج الأمن والتنمية بعد الحرب فاستقر الحال لزعيمها إلى اليوم، وكتالونيا في إسبانيا وكردستان في العراق، قدّمتا نماذج إدارة محلية مستقرة لإقناع الناس بقدرتهما على الحكم

هذه النماذج صنعت الثقة أولاً

ثم جاءت الشرعية الشعبية بعدها وتمكنت من السيطرة وتنفيذ مشروعها على الأرض

 في عدن تكدّست المشاريع، وتزاحمت القيادات، وتكاثر أدعياء الدولة؛ من شرعية مشتتة، بثمانية رؤوس متشاكسون، إلى انتقالي متنازع داخليا وبقيادة لاتفقه شيء في امور الدولة ودهاليز السياسة، وصولا إلى تأثيرات السعودية والإمارات التي تدير المشهد أكثر مما تدعمه

هذا التزاحم الهائل على النفوذ جعل المدينة ساحة صراع لاساحة إدارة ولا سياسة أو قانون، فتحوّل نموذجها إلى فراغ كامل؛ لا مؤسسات مستقرة، ولا قرار موحد، ولا رؤية واحدة

في المقابل؛ صنعاء

على سوء نموذجها وقسوته، فقد امتلكت شيئ مما افتقدته عدن تماما، رأس واحد، وقرار واحد، وإدارة مركزية تُمسك بالحد الأدنى من رتوش الدولة، لهذا تماسك نموذجها في حدوده الدنيا، بينما انهار النموذج في عدن قبل أن يُولد

 عندما ننظر إلى واقعنا اليمني سنكتشف أن الشرعية والانتقالي والحوثيين على حد سواء؛ لم يقدّم أيٌّ منهم نموذج سوي يخاطب الناس ويقول لهم؛ هكذا سنكون لو حكمنا وسيطرنا على الدولة

 الشرعية عجزت عن إدارة مدينة واحدة وجعلها نموذج لدولة المستقبل، والانتقالي لم يقدّم سوى نموذج سلطة مفككة تتجاذبها المليشيات المسلحة، والحوثيون قدّموا نموذج قاسي قائم على الجباية والبلطجة، لكنه على الأقل نموذج واحد بقرار واحد، وهو ماجعله أكثر تماسكاً من غيره في الجهة المقابلة

 وإذا كنا في معرض المقارنة بين السيئ والأسوأ، دون أن يكون ذلك شهادة لأي طرف، فإن نموذج الحوثيين يتفوق على الشرعية والانتقالي بمراحل، في جانب واحد فقط؛ القدرة على إدارة الحد الأدنى من المؤسسات والخدمات بصورة موحدة

الحركة العامة، والتجارة، والأسواق، والنشاط الزراعي والصناعي مايزال قائما رغم الظروف، ومقاوما للوضع العام وبلطجة الجماعة من أجل البقاء، ولذلك ماتزال صنعاء مقصد المرضى من كل أنحاء اليمن، ومصدر أساسي للفواكه والخضروات والمنتجات المختلفة

 لم ينجز الحوثيون شيئ يُذكر، لكنهم حافظوا على حدّ أدنى لم تستطع الأطراف الأخرى الحفاظ عليه

وأجزم انهم لو صرفوا المرتبات فقط، فإن مالايقل عن نصف النازحين في الداخل والخارج سيعودون إلى صنعاء خلال أشهر، لاحباً بالحوثيين وحكمهم، بل بحثا عن الحد الأدنى من الحياة الذي فشل الآخرون في تقديمه

 أخيرا من يطلب التفويض يجب أن يقدّم نموذج، لا أن يقدّم فوضى ويعد الناس بدولة ومؤسسات