محمد عبدالله الكميم : السعودية وإعادة هندسة الصراع: كيف سُحِق الحوثي داخل الهدنة قبل ميادين الحرب

منذ 7 أيام

محمد عبدالله الكميم منذ اللحظة التي قرّر فيها الحوثي الارتماء الكامل في الحضن الإيراني، واستفزاز السعودية تنفيذًا لأجندة طهران، وقبل ذلك وبعد ذلك إشعال حربٍ على الشعب قبل الدولة، كانت الرياض قد قرأت المشهد بعينٍ باردة وحساباتٍ دقيقة

 لم تتعامل مع الحرب بردّة فعل، بل أعادت تقييم التجربة الماضية ، ثم أعادت هندسة الصراع على قاعدة مغايرة تمامًا:تحطيم الخصم من داخله… لا على حدوده

السعودية لم تنظر إلى الحوثي كمجرد مليشيا متمردة، بل كجسم طائفي زرع في خاصرته الجنوبية ، ولكنه كيان هشّ ، يمكن إعادة صياغة بنيته إذا وُضِع تحت ضغط طويل وصامت مع سياسة وعزل وانهاك

ولذلك، حوّلت الهدنة التي ظنّها الحوثي ملاذًا إلى مختبر استخباري مفتوح تُفكّك داخله الشبكات، وتُعرّى قيادات الظل، وتُفكّ شيفرات الحركة من قلبها

الهدنة لم تكن استراحة… بل كانت مشرحة سياسية اجتمع فيها التشريح والتجفيف والاستنزاف البطيء

 ومع الوقت، دخلت الجماعة مرحلة التيه الاستراتيجي، وفقدت القدرة على قراءة اتجاه الريح

مارست الرياض نوعًا قاسيًا من الصبر الاستراتيجي، وقلبت على الإيرانيين التكتيك نفسه الذي طالما استخدموه: المماطلة

لكن هذه المرة، لم تكن المماطلة لشراء الوقت، بل لسحق الخصم داخل الصمت

حوّلت المملكة الهدنة إلى إنهاك هادئ، تصاعدي، ومدروس

استخدمت أدواتها الدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية لإغلاق الهواء السياسي على الحوثي، ودفعت الجماعة إلى عزلة خانقة، مقابل تعزيز صورة الرياض الحقيقية والمستحقة كحاضنة لليمنيين، وملجأ لملايين الايدي العاملة ، في مواجهة شعارات الحوثي الصدئة ومغامراته الطائشة

النتيجة كانت واضحة:الحوثي أصبح يعيش في حالة انكشاف أمني رهيب، جعلته يعلن كل فترة عن جواسيس غير موجودين إلا في خياله محاولًا تغطية هشاشته

 لكن هذه الاعترافات نفسها كانت أوضح دليل على حجم الاختراق السعودي، لا على قوة أجهزتهم

وفي نفس الوقت تساقطت خلاياه وجواسيسة وانكشف طابوره الخامس وضبطت الكثير من شحنات الاسلحة وتم اغلاق الكثير من منافذ التهريب

دخلت مليشيات الحوثي في سكون مراقب، سكون تدرسه الأجهزة السعودية بدقة، تُفكَّك خلاله البنية التنظيمية، وتُعاد برمجته بعيدًا عن ضجيج الجبهات

وفي الخلفية، كانت الرياض تبني منظومة عسكرية وأمنية عملاقة، وتوطّن صناعات السلاح، وتوثق شبكة تحالفات إقليمية ودولية عملاقة ، وتدير شبكة علاقات داخل البنية الحوثية نفسها وصلت إلى قلب صعدة،فتفوقت على الحوثيين في لعبتهم المفضلة: اختراق الداخل وتمزيق البنية من قلبها

ولأن آخر أوراقهم احترقت، اندفع الحوثيون في رقصة فوضوية يائسة: ضرب سفن، إطلاق صواريخ، تهديد دول كبرى، واستعراضات جوفاء،وعنتريات هوجاء ، لا يصدّقها حتى جمهورهم، بحثًا عن مكان على طاولة تفاوض فقدوا حقّ الجلوس عليها منذ زمن

ثم انتهوا إلى طلب مخجل لتحالف مع الإخوان الذين لا وجود لهم في اليمن، خطوة كشفت إفلاسهم السياسي، وزادت من سقوطهم عربيًا ودوليًا وشعبيًا

عنترياتهم انقلبت عليهم؛دمّروا اليمن، خنقوا اقتصاده، خلقوا حالة غضب شعبي لم يشهدها اليمن في تاريخه الحديث، وباتوا معزولين داخل اليمن قبل أن يعزلهم العالم

وفي المقابل، دفعت السعودية بالحوثي إلى زاوية شديدة الضيق، وجعلته وجهاً لوجه أمام الشعب الذي جوّعه وأهانه وأذلّه

حصيلة سياسة الهدنة كما ظهرت على الأرض:١

العزل الدبلوماسياحتكرت الرياض العلاقات والملفات الكبرى، وقطعت خطوط الحوثي مع العالم

٢

هندسة الوعيانخفض الالتفاف حول الحوثي إلى أدنى مستوياته، وتكرست صورة الغول الطائفي الإجرامي

٣

العزل الاقتصادياقتصادٌ يخنق المناطق الخاضعة للحوثيين، جعل أي مغامرة عسكرية قرارًا انتحاريًا يُسقط سلطتهم فورًا

٤

الاختراق الاستخباريتعريتهم من الداخل باعترافاتهم هم، وتحويل أجهزتهم إلى ساحة ارتباك وفضائح

وفي المقابل،بقيت السعودية تمسك بأوراق ضغط قاصمة تجعل الحوثيراني دائمًا تحت سقف شروطها، لا العكس

نجحت الرياض في تبخير القيمة التعبوية للحرب داخل المجتمع اليمني، وتحويل القتال من شعار إلى عبء ثقيل، حتى صار اليمني يرى في الحرب مشروع الحوثي وحده لا مشروعه

الانتصار لم يكن في الجبهات، بل في الهدنة

السلاح الذي ظنّه الحوثي ضمانة للتوسع كان فخًا استراتيجيًا

الهدنة لم تكن التزامًا، بل أداة تشغيل سياسية وأمنية، صيغت بدهاء عبر الجوكر العُماني الذي منح الغطاء لاختراقات واسعة دفعت الحوثي إلى مزيد من الأخطاء القاتلةاليوم يقف الحوثي أمام خيارين كلاهما قاتل:إن أشعل الحرب نهايته ستكون خاطفة ومدوية

وإن صمت  سينهار من الداخل كما ينهار الحديد الصدئ

وفي كل الأحوال فنهايته حتمية

وله فقط حرية اختيار الشكل