مخيمات النزوح… بؤرة لانتشار الزواج المبكر

منذ 6 أشهر

مأرب – فؤاد المجيديتعيش “مريم” تحربة زواج مبكر في مخيم السيماء للنازحين شرقي مدينة مأرب (وسط اليمن)، غيرت ملامح حياتها الطفولية

تزوجت مريم وهي في الـ11 من عمرها، وأصبحت أمًا لطفلين وهي في الـ17، تقول: “كنت أظن أن الزواج مجرد فستان أبيض وحفل زفاف، لكنني وجدت الواقع مختلفًا تمامًا”

تركت مريم طفولتها خلفها لتتحمل مسؤوليات تفوق سنها، وأصبحت تواجه صعوبة كبيرة في الاعتناء يطفليها وزوجها، وتضيف: “ألعب أحيانًا مع أطفالي وأنا أبكي”

لم تلتحق مريم بالتعليم منذ طفولتها، إلا أنها بعد زواجها بدأت ترغب بإكمال دراستها، وبدأت بحضور الدروس التعليمية في المخيم، ثم التحقت بـ”التعليم المسرع” بمساعدة زوجها

ويعرف “التعليم المسرع” بانه برنامج يُنفذ لتمكين الأطفال الذين لم يكملوا تعليمهم بسبب النزوح من الوصول أسرع إلى مرحلة تعليمية كان يفترض بهم بلوغها في مثل سنهم

تواصل مريم حديثها: “رغم شغفي بالتعليم، أجد صعوبة في تحقيق التوازن بين التعليم ومسؤوليات رعاية أطفالي وزوجي

”الحرمان من الطفولةمريم واحدة من فتيات كثيرات في مخيمات النزوح تزوجن في سن مبكرة، ووجدن أنفسهنّ أمام تحديات تفوق أعمارهنّ، وفقدن حقهنّ في التعليم وممارسة طفولتهنّ كبقية أطفال العالم

وتضم المحافظة ثلثي إجمالي النازحين في اليمن نتيجة الحرب، والبالغ عددهم 4

5 مليون نازح ، وفقًا لمصفوفة تتبع النزوح التابعة لمنظمة الهجرة الدولية 2023

الأسباب والتحدياتتقول الأخصائية الاجتماعية في برنامج حماية الطفل الذي تنفذه منظمة “البرنامج للوصول الإنساني”، عبير الحيمي، لـ«المشاهد» إن الحرب ساهمت يإنتاج آثار سلبية على المجتمع ككل، وبالذات على الفتيات نتيجة التسرب من التعليم والزواج المبكر

تتنوع الأسباب التي تدفع الأسر إلى تزويج بناتهم مبكرًا، والاولوية للعامل الاقتصادي بحسب الحيمي، وتضيف: “بعض الأسر تضطر لتزويج بناتها بشكل مبكر بسبب الظروف المعيشية

بالإضافة إلى الخوف من عدم وجود حماية كافية للفتيات في المخيمات، كما أن العادات والتقاليد تلعب دورًا كبيرًا، في المجتمعات القبلية، بحسب الأخصائية الاجتماعية

وتواصل: “على الصعيد التعليمي يحرم الزواج المبكر الفتيات من مواصلة تعليمهنّ، حيث يجدن أنفسهنّ محملات بمسؤوليات منزلية كبيرة، وقد يمنعهن أزواجهن من الذهاب للمدرسة، وقد يتوقفنّ عن التعليم بسبب الحمل والولادة”

التبعات الصحية والتعليميةمن جانبها، ترى أخصائية تغذية في الوحدة الصحية بمخيم السيماء، معجبة المنصوري، أن الزواج المبكر بات ينتشر بشكل واسع في المخيم بسبب الظروف المعيشية الصعبة

وأوضحت لـ«المشاهد» أن الآباء يدفعون بناتهم للزواج المبكر بغرض تخفيف العبء المعيشي، وعندما تصبح الفتاة حاملًا في سن مبكرة، تواجه مشاكل صحية خطيرة كالإجهاض أو المضاعفات الناتجة عن عدم اكتمال نمو جسمها

بينما يعتبر استشاري النساء والولادة في مستشفى كرى العام- محافظة مأرب، الدكتور خالد حسين، أن زواج القاصرات يحمل مخاطر عديدة تؤثر على الصحة الجسدية والنفسية للفتيات

من هذه المخاطر الحمل والولادة المبكرة، وتعرض الفتيات اللواتي يتزوجن في سن مبكرة لخطر المضاعفات أثناء الحمل والولادة، تؤدي إلى وفاة الأم، إضافة للمشاكل الصحية المزمنة التي قد تصاحب الأطفال

ويضيف الدكتور حسين لـ«المشاهد» أن الفتيات المتزوجات في سن مبكرة هن “أكثر عرضة للإصابة بأمراض مزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم”

لافتًا إلى أن التعامل مع قضية زواج القاصرات يتطلب جهودًا مشتركة لزيادة الوعي بأخطاره وتوفير الدعم الصحي والنفسي للفتيات المتضررات؛ وتعاونًا مجتمعيًا ومؤسسيًا لتحقيق نتائج فعالة

الأثر النفسي والاجتماعي“لا تعيش الفتيات طفولتهنّ بشكل سليم، ويشعرن بالتحطم والقلق والتوتر، وأحيانًا ينتهي الزواج بالطلاق بسبب عدم التفاهم والمشاكل الأسرية؛ ما يترك الفتاة مطلقة وغير متعلمة ودون دعم مالي

” تقول عبير الحيمي

فيما تضيف معجبة المنصوري أن “الفتيات في سن مبكرة يواجهن تحديات صحية، كالحاجة إلى الولادة القيصرية، ما قد يصيبهن بالصدمة النفسية”

على الصعيد النفسي أيضًا وخلال أوضح الأخصائي النفسي في مستشفى الهيئة العامة بمأرب، الدكتور مهيوب المخلافي، لـ«المشاهد» أن الفتاة القاصرة غير مستوعبة ما يحدث لها

فبالنسبة للفتاة فإن الزواج يمثل الصديقات والأفراح ولبس الفستان الأبيض، دون إدراك حقيقي لمسؤوليات الحياة الزوجية، بحسب المخلافي

يتابع: هذا الضغط النفسي وعدم القدرة على التعايش مع الزوج وعائلته يؤدي إلى عدم الرضا النفسي وغياب الرفاهية النفسية عن الفتاة القاصرة

ويشير المخلافي إلى دراسة أجراها العام 2000-2001 حول زواج القاصرات، خلصت إلى أن الفتيات دون سن 14-16 غير مهيئات نفسيًا واجتماعيًا للزواج

وأضاف أن هذه الفئة العمرية لا تستطيع التكيف مع شريك أكبر سنًا؛ ما يخلق فجوة عمرية تؤدي إلى مشاكل اجتماعية وأسرية، وغالبًا ما تنتهي بالطلاق

ويُقسّم المخلافي نظرة المجتمع للمرأة إلى ثلاث فئات، “فئة ترى أن المرأة عار ويجب التخلص منها بالزواج، سواءً كانت قاصرة أو غير قاصرة، وفئة ترى المرأة سلعة يمكن بيعها في أي وقت، وفئة ثالثة واعية تدرك أهمية مساهمة المرأة بالمجتمع وترفض زواج الصغيرات

موقف القانونتشير المحامية ومديرة إدارة الشؤون القانونية باللجنة الوطنية للمرأة، وفاء نائف، أن قانون الأحوال الشخصية في اليمن لا يحمي الأطفال من الزواج

وأوضحت أن “المادة 15 من قانون الأحوال الشخصية، بدلًا من حماية الأطفال، تسمح بزواج الفتيات الصغيرات بشرط ألا يعقد قرانها ولا تُزف إلا بعد أن تكون قد تجاوزت 15 سنة من عمرها”

وتقول المحامية لـ«المشاهد» إن هذا النص القانوني يتعارض مع حقوق الطفل ويشكل مخاطر صحية ونفسية كبيرة

مضيفة: “القانون الحالي مجحف بحقوق الطفل، حيث لا يعطي للفتاة حق الموافقة على الزواج؛ ما يؤدي إلى آثار سلبية مثل التسرب من التعليم، وانتشار الأمية، ومشاكل صحية خطيرة”

لافتةً إلى أن اللجنة الوطنية للمرأة تعمل على تعديل المادة رقم (15) من القانون، حيث تقترح رفع سن الزواج إلى 18 عامًا، مبينةً أن “الاقتراح مايزال قيد التداول في مجلس النواب، ونحتاج إلى تضافر الجهود لحماية القاصرات

”ووفقًا لتقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان باليمن، تواجه النساء والفتيات معدلات عالية من العنف القائم على النوع الاجتماعي، حيث ثُبت أن الفتيات يتزوجن قبل سن الـ18، في ظل محدودية خدمات دعم الناجيات من العنف

وأشار التقرير إلى أن امرأة يمنية واحدة تموت كل ساعتين أثناء الولادة لأسباب يمكن الوقاية منها، وأن 5

5 مليون من النساء والفتيات في سن الإنجاب يحتجن الوصول للخدمات الصحية، فيما تعاني 1

5مليون امرأة حامل ومرضعة من سوء التغذية الحاد

من جانبها تقول منظمة اليونيسيف للطفولة إن الوفيات المرتبطة ناتجة عن تزويج الفتيات تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عامًا، وققًا للمسح العنقودي متعدد المؤشرات في اليمن 2022-2023

وذكر تقرير على موقع The new Humanitarian وفقًا للمركز الدولي للبحوث المتعلقة بالمرأة، بواشنطن، أن 48% من الفتيات باليمن يتزوجن قبل بلوغهن سن الـ18، وأن الفتاة في هذه السن، وفقًا لاتفاقية حقوق الطفل التي وقعت وصادقت عليها اليمن، تعد “فتاة قاصر”

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز أصوات النساء من خلال الإعلام الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير