مصطفى الجبزي : أكبر من إجراءات اقتصادية 

منذ 3 ساعات

مصطفى الجبزي بيان مجموعة هايل سعيد جاء منطقيًا من منظور تجاري–اقتصادي، ويعبر عن مخاوف كبار تجار البلاد، إلا أنه صدر في توقيت سيئ وبصيغة غير مناسبة للتعبير عن الهواجس المرتبطة بتقلبات الأسعار نتيجة الإجراءات الإدارية الأخيرة

من حق رأس المال أن يسأل الحكومة، التي اتخذت هذه الإجراءات، عن قدرتها على الحفاظ على استقرار العملة، بما يضمن سلاسة التوريد، ويحول دون تبخر الأموال أو انهيار المنظومة التجارية

لكن، وبالقدر ذاته، من حق المواطن أن يتساءل عن مشروعية قفز الأسعار صعودًا مع كل ارتفاع في سعر الصرف، في حين لا تنخفض بالوتيرة نفسها عندما تتحسن قيمة العملة

فهل فكر التجار، الذين يخشون الإفلاس، في إفلاس المواطن نفسه وجوعه أمام تقلبات الأسعار وجشع التربح؟وأسوأ من بيان المجموعة وغموضه، كانت الإجراءات المتهورة التي اتخذها محافظ شبوة، والتي تشكل طعنة دستورية وثلمة في وجه الشرعية، لا يمحوها الزمن

فالأساس الاقتصادي في اليمن، ومنذ عقود، يقوم على حرية الملكية وحرية الاتجار، في ظل تشريعات ذات سقف وطني

وتوازي إجراءات محافظ شبوة، في خطورتها، السلوكيات الانفصالية التي يمارسها الحوثيون على الصعيد المالي والتجاري

كما تمثل تلك الإجراءات انتقاصًا صريحًا من صلاحيات رئيس الوزراء، ويجب ردعها بصرامة وبأقصى سرعة، حتى لا تنجر باقي المحافظات إلى خطوات مشابهة تفقد ما تبقى من ثقة في بيئة الأعمال، وتضعف قدرة رأس المال على الاستمرار داخل البلاد

فالحماقات تتخادم، وأي إجراءات طاردة للتجار تعني بالضرورة انتقالهم إلى بيئة بديلة، وقد يجد كبار التجار – وعلى نحو مفارِق – أن سياسة الحوثي المركزية، رغم قبحها، توفر لهم ضمانات أكثر استقرارًا، كونها تنطلق من رأس واحد، بعد أن ضاقوا ذرعًا بتعدد الرؤوس وتضارب القرارات

ما غفل عنه بعض كبار التجار يتمثل في أمرين جوهريين:أولًا، غياب الحوار المباشر مع الحكومة قبل اللجوء إلى إصدار بيانات علنية

هذه البيانات، وإن حملت مطالب مشروعة، فإنها قُدمت في سياق غامض وأسلوب أثار حساسيات خطيرة جهوية وهوياتية ، وكشفت هشاشة بيئة الأعمال في البلاد، ومدى ارتهانها للمتغيرات الجغرافية والسياسية، وطفولية رأس مال ما زال ملتصقًا بمنطق الحرب وقوانينها

ثانيًا، غياب الإدراك بأن الإجراءات الإدارية الأخيرة لا تنفصل عن سياق دولي أوسع، عنوانه كبح تمدد إيران وأذرعها في المنطقة

إن أي تخاذل في ضبط عمليات التلاعب بالعملة في اليمن يصب مباشرة في مصلحة الحوثيين، الذراع الأخطر لإيران في شبه الجزيرة العربية

ما يجري ليس مجرد إجراءات اقتصادية، بل هو جزء من معركة إقليمية ودولية مفتوحة

وهناك عصا غليظة لمكافحة هذا النوع من التلاعب، إذ يندرج ضمن جرائم تمويل الإرهاب، وينبغي التعامل معه بمستوى عالٍ من الجدية والتعاون، وليس بالخضوع للمناورات الاقتصادية ذات الطابع الابتزازي