مصطفى الجبزي : الهوة السياسية عربياً: فلسطين مرآة الافتراق

منذ 15 ساعات

مصطفى الجبزي لم تكن الفجوة بين تصورات الأنظمة وتطلعات الشعوب العربية في النظر إلى الشأن العام، ومركزية القضية الفلسطينية تحديدًا، كبيرة إلى الحد الذي بلغته الآن

من الطبيعي أن يكون هناك افتراق بين القطبين، كون السياسي لديه إكراهات عملية – أو هكذا نحسن الظن به – نابعة من طبيعة العلاقات السياسية وتفاعلاتها الدولية، بينما تتحرر الشعوب من حسابات كثيرة، مستندة إلى كونها روح السيادة الوطنية ومنبعها، في تصور مثالي لتفاعلات القوة في العلاقات الدولية

ربما تقلّصت هذه الهوة داخل بعض المجتمعات الخليجية، وتضارعت الرؤى وانسجمت، أو هذا ما تكشف عنه دينامية الخطاب العام في وسائل التواصل الاجتماعي

أقول ربما دون جزم كبير، لكن قد يُفسَّر هذا الأمر بطبيعة النظم السياسية والعلاقات الناظمة داخل المجتمع الخليجي، التي جعلت المسافة قصيرة بين ما يريده الحاكم وما يطلبه الجمهور

وساعدت على ذلك دولة الرفاه المنجزة، عبر توزيع الثروة والرفاه والفخر أفقيًا، في تقريب الفارق اقتصاديًا ومعيشيًا أولًا، وبالتالي سياسيًا؛ على عكس الأنظمة الجمهورية التي لم تفِ بوعد دولة الرفاه، فكان الافتراق ملموسًا في الحياة المعيشية، وما البُعد السياسي الخارجي إلا مكمّلًا

وفق هذه الملاحظة، بين براغماتية الأنظمة ومثالية الشعوب، لا مجال للالتقاء

القضية الفلسطينية أولًا، وتاليًا الهيمنة الإسرائيلية المطلقة والمفجعة على المجال الحيوي لبلدان عربية عديدة، وامتداد ذراع إسرائيل إلى اللامتصوَّر، يؤكدان ذلك

ولهذا، فإن أي طرف غير دولتي يتزعم المساندة لفلسطين سيحظى بقبول وشعبية بين الشعوب العربية، بينما سيتعارض وضعه هذا مع الأنظمة السياسية

ومع أن هذا القبول في ظاهره مرتبط أخلاقيًا بالقيم والمثل الملتزم بها، إلا أنه في حقيقته نفاذ إلى حيث الفراغ المتشكل داخل الهوة المتسعة، لا أكثر

وهذا القبول القيمي يتعمّد أن يكون منفصلًا عن حقيقة هذا الطرف غير الدولتي وسلوكه الداخلي، ودوره -السالب- في التلاحم الاجتماعي أو التماسك المذهبي والسياسي داخل الجسد العربي أو الإسلامي عمومًا

يمكن أن نشير بوضوح إلى الحالة الحوثية، ومفارقة أن تكسب أرضية شعبية خارج اليمن، دون النظر إلى دورها الهدّام على المدى المتوسط أو البعيد للعلاقات العربية - العربية أو الإسلامية - الإسلامية، ناهيكم عن مسلكها الإجرامي في الداخل

هذه الحالة تشدّ الانتباه إلى المسار المتعسّر في بناء الدولة العربية، بين التزاماتها الداخلية في توطيد السلم الأهلي، ودورها الإقليمي في الحفاظ على مجموعة من القيم والمبادئ، التي ليس من السهل الامتثال لها، ولا تشييد علاقة قوة محفِّزة على الامتثال

يحضر في بالي مقال الصديق أيمن نبيل، المنشور مؤخرًا، والذي ينظر إلى الحلّ المتّبع لتجسير هذه الفجوة، بهدف تحسين الشرط السياسي والاجتماعي، في سبيل تحقيق قدرة مجابهة تكنولوجية