مصطفى غليس : الفران وشرف ورضوان.. ثلاثة نماذج حوثية في لبنان

منذ 5 ساعات

مصطفى غليس أمام الحفرة التي لا يُعلم إن كانت فرق البحث عن جثة حسن نصر الله، الأمين العام السابق لحزب الله، قد وجدتها أم لا، بعد أن لقي مصرعه في ضربة عنيفة شنتها قوات الكيان الإسرائيلي، تجمع وفد الحوثيين المشارك في تشييع الصريع

كان الجمع المنتقى بعناية فائقة من قبل قيادات الحوثيين في صعدة وصنعاء قد وصل إلى بيروت بطرق متفرقة لكنهم جميعًا أجمعوا على أن يظهروا بصورة مهينة ومقززة، وقد كان لهم ذلك

تكشف المشاهد التي سرقتها عدسات الكاميرات، وتداولها اليمنيون بسخرية واسعة، أن تلك الزيارة لم تكن مجرد حضور لمراسم عزاء، بل تحولت إلى استعراض لمدى خضوع هذه الجماعة وولاءها الطلق لإيران ولأذرعها في المنطقة، وسط تصرفات أثارت انتقادات حادة، ليس فقط من خصومهم، بل حتى من بعض أنصارهم

يقول البرلماني المقيم في صنعاء أحمد سيف حاشد، في تعليقه على تلك المشاهد التي سرقتها عدسات الكاميرات لقد كشف التصرف عما بلغه التافه من مدى وتمادي في التفاهة وإن مدعي الشرف لا شرف له ولا يبحث إلا عن مزيد من السقوط المدوي، وكانت تلك حقيقته التي لم يتورع بالكشف عنها

أخزاكم الله

من أجل الكاميرات والنساء

لا من أجل القدسوصل الحوثيون إلى الضاحية الجنوبية في بيروت بحثًا عن عدسات الكاميرات، باكين ونادبين وكأنهم فقدوا قائدهم المباشر

مشاهد البكاء المبالغ فيه أثارت سخرية كبيرة، إذ لم يكن الحزن على نصر الله بقدر ما كان محاولة يائسة للظهور كجزء أساسي من المشروع الإيراني في المنطقة

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تعاملوا مع زينب نصر الله كما لو كانت شخصية دينية مقدسة، وكذلك مع الناشطة في حزب الله زهراء القبيسي في مشاهد قوبلت بانتقادات لاذعة

إذ لم يكن التقديس لزعيمهم في صنعاء بهذه الدرجة من التذلل والخضوع، مما أكد مرة أخرى أنهم مجرد أدوات في يد الحرس الثوري الإيراني

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فمن المهم الإشارة هنا إلى هذا المشهد المثير للتناقض

حيث تسابق الحوثيون في شوارع بيروت، لبنان، لالتقاط الصور مع فتيات يظهرن بمظهر يخالف ما يفرضونه في مناطقهم

الصورة التي تبدو عادية في سياق لبناني، تكشف عن معايير مزدوجة صارخة، فلو تجرأت فتاة يمنية على الظهور بذات الشكل في مناطق سيطرة الحوثيين لتم اعتقالها فورًا بتهمة التبرج، وربما أُضيفت إليها تهمة الدعارة الملفقة كعقاب إضافي

هذا التناقض بين ما يسمحون به خارج حدودهم وما يقمعونه داخلها يكشف عن ازدواجية في المواقف، حيث تتحول القوانين الصارمة إلى مجرد أداة للسيطرة لا مبدأ ثابت

على أعتاب فلسطين

ولا خطوة للأماملطالما رفع الحوثيون شعارات تحرير القدس، لكن عندما اقتربوا لأول مرة من الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، لم يحاولوا حتى العبور أو القيام بأي خطوة فعلية ضد إسرائيل

كل ما فعلوه كان الصراخ والعودة أدراجهم، في مشهد فضح زيف خطابهم الذي استخدموه لسنوات لتبرير حروبهم في اليمن

على الحدود اللبنانية الإسرائيلية وقف الحوثيون وكان بينهم أسامة الفران، الصحفي الحوثي المفعم بالحماس

قبل وصوله إلى هذه النقطة ببضعة أسابيع فقط كان الفران يحلم بلحظة القتال إلى جانب حماس

كتب الفران على حسابه الشخصي في منصة إكس، تويتر سابقًا ليت من يفتح لنا منفذ ولو من يوم غد، ما نتوقف إلا في القطاع وحينما ابتسم له القدر أخيرًا، ووصل إلى الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة وقف هناك، رفع هاتفه، التقط صورة أمام السياج الحدودي كأنه في جولة سياحية، وكتب بكل ثقة رددنا صرخة الحق والبراءة من أعداء الله ورسوله

في واقع الأمر، وإدراكًا لهول اللحظة من المنطقي أن صرخة الحوثي أسامة ربما وصلت إلى السياج وارتدت إليه، لأنه بعدها مباشرة استدار بهدوء، وعاد إلى المطار، ومنه إلى اليمن، وربما إلى إيران، وكأن المنفذ الذي تمناه كان مجرد بوابة لنشر الصورة على منصات فيسبوك وإكس وإنستغرام

هذه هي البطولات الحوثية باختصار غير مخل، بدأت بحلم القتال وانتهت بسيلفي وتذكرة عودة إلى صنعاء أو طهران وربما مسقط، ويا لها من ملحمة بطولية

أذلاء في بيروت

متجبرون في صنعاءالمفارقة الأكبر أن الحوثيين الذين يقمعون اليمنيين بوحشية ويقتلون كل من يعارضهم، كانوا في بيروت في قمة الذل والخضوع

ارتدوا أزياءهم التقليدية ليقلدوها للبنانيين، وقدموا خناجرهم اليمنية لحراس نصر الله، وكأنهم يقدمون القرابين لإثبات الولاء

في مقطع فيديو تأذى منه اليمنيون يظهر القيادي الحوثي حمود شرف، والذي أطلق عليه اليمنيون صفة بلا شرف بعد مشاهدتهم للفيديو، يظهر حمود بكل إصرار لتقبيل إيدي شخصيات لبنانية لمجرد أنها على صلة بقيادة الحزب، بل إنه وصل إلى حالة الركوع والاقتراب من قدمي حارس نصر الله وهو يستجديه أن يسمح له بتقبيل اليد التي صافحت الصريع حسن الله، مما أثار استياء اليمنيين قاطبة

 بلهجة شعبية يقول محمد المقالح الكاتب والصحفي المعروف بأنه أحد منظري الحوثي وعضو لجنتهم الثورية معلقًا على هذا المشهد اخزيتنا يا حمود، ومعناها ببساطة فضحتنا يا حمود

من المفارقات التي لم تعد مستغربة، أنه وفي الوقت الذي يقمع فيه الحوثيون الشعب اليمني في مناطق سيطرتهم، ويتهمون الآخرين بالعمالة، كانوا في بيروت يقبلون الأيدي ويركعون نحو أقدام سادتهم في بيروت أو القادمين من النجف وقم وطهران، لقد كانت لحظة كاشفة لمدى ازدواجية هذه الجماعة، التي تستخدم كل أدوات القمع داخل اليمن، لكنها تتحول إلى أدوات خاضعة أمام أسيادها الإقليميين

التضحية والفضيحة

والتفرطة والتفريطفي مشهد آخر ظهر رضوان الحيمي، الذي يعرف نفسه على منصة إكس بأنه عضو اللجنة الثورية العليا اليمنية - الوزير المفوض اليمني لدى سوريا سابقًا يصرخ أمام الحفرة التي لقي فيها حسن نصر الله مصرعه داخل بيروت والله لو فنيت اليمن عن بكرة أبيها ما نتخلى عن حسن نصرالله

قالها الحيمي هكذا وبلا حياء

الحقيقة أن هذا التصريح لا يمثل الحيمي لوحده فهو نهج ومبدأ حوثي، فقد أكدت الأحداث التي شهدتها اليمن طوال العقدين الماضيين أن الحوثي يضع ولاءً شخصيًا فوق مصير شعب بأكمله، كأن اليمن بملايين سكانها وقضاياها ومعاناتها يمكن التفريط بها بسهولة في سبيل رمز خارجي

إنه يعكس رؤية تُقلل من قيمة اليمنيين، وكأن حياتهم ومستقبلهم ثمن زهيد يُدفع دون تردد، مما يثير تساؤلات حول أولويات من يدعون أنهم يمثلون هذا الشعب

إن هذه الزيارة ستظل واحدة من أكبر الأدلة على أن الحوثيين لا علاقة لهم بتحرير فلسطين، ولا حتى بالسيادة اليمنية، بل هم مجرد ميليشيا تابعة للمشروع الإيراني

لقد أثبتوا أنهم لا يقاتلون إلا من أجل أجندات خارجية، وأن صراخهم باسم المقاومة والسيادة مجرد دعاية لا تنطلي إلا على من يرفض رؤية الحقيقة

فهل ستفتح هذه الزيارة أعين المزيد من اليمنيين على حقيقة من يحكمهم؟ أم أن آلة الدعاية الحوثية ستنجح مرة أخرى في تبرير هذا الذل والخضوع؟