مصطفى غليس : عن حمود العودي وبؤس الحوثي

منذ 4 ساعات

مرّت ثلاثة أيام على اعتقال ميليشيا الحوثي للدكتور حمود العودي، أستاذ علم الاجتماع، مع رفيقيه عبدالرحمن العلفي وأنور شعب، دون أي مبرر قانوني أو إنساني، واقتحامها لمركز دال للدراسات الذي أسسه الدكتور العودي وأفرد له مقرًا متواضعًا في الدور الأرضي من منزله بصنعاء، فعبثت بمحتوياته ونهبت أجهزته ومعداته، في مشهدٍ يلخّص ذهنية عصابةٍ لا ترى في العلم إلا عدوًا، ولا في الفكر إلا تهديدًا لسلطتها القائمة على القمع والتجهيل

أعرف الدكتور حمود العودي عن قرب منذ عام 2004، فقد حضرت له عشرات المحاضرات والندوات الفكرية والعلمية منذ بداية عملي في صحيفة 26 سبتمبر، وأجريت معه عددًا من الحوارات ونشرت له العديد من التصريحات في الصحيفة إلى جانب صحف أخرى، وهو يُمثّل حالةً فكرية نادرة في المشهد اليمني، إذ جمع بين العمق الأكاديمي والجرأة النقدية والاستقلال التام عن أي اصطفاف سياسي أو أيديولوجي

  حمود العودي رجل مدنيّ، مؤمن بثورة 26 سبتمبر وأهدافها السامية، ينبذ العنصرية، وهو ضد الإسلام السياسي بكل أطيافه، وقد كان أحد أبرز من درسوا المجتمع اليمني من داخله، ناقدًا لبُناه التقليدية ومفاهيمه السلالية، ومبشرًا بمشروع وطني قائم على المساواة والوعي والمعرفة، ولذلك، فإن استهدافه ليس مجرد اعتداء على شخص، بل هو محاولة لاغتيال ما تبقّى من العقل النقدي في اليمن

لم تحترم الميليشيا علم الرجل ولا فكره ولا كِبر سنّه، وهو في الرابعة والثمانين من عمره، واختطافه بلا حق ليس حادثة فردية، بل حلقة جديدة في مسلسل استهداف المفكرين والباحثين والإعلاميين وكل صوتٍ حر في مناطق سيطرة الميليشيا، التي حولت الاختطاف والاعتقال إلى أداة لتصفية العقول ومحو الأصوات المغايرة

إن اختطاف الحوثي للمفكرين والباحثين والناشطين والإعلاميين والمثقفين لا يهدد الأفراد فقط، بل يهدد المجتمع وحقه في التفكير والمعرفة، ويمتد أثره إلى حقوقه الأساسية في العيش الكريم، ووهو نهج يهدف إلى إسكات الأصوات الحرة، تمهيدًا لتكريس العبودية، وتعظيم العنصرية، وترسيخ سلطة السلالة

والحقيقة أن الأكاديمي والمفكر حمود العودي، رغم مكانته العلمية والفكرية، ليس سوى نموذجٍ لآلاف اليمنيين الأبرياء الذين اختطفوا بلا ذنبٍ سوى أنهم فكروا أو تحدثوا أو احتفظوا بموقفٍ مستقل، أو حتى صمتوا

حتى داخل ميليشيا الحوثي نفسها، بدا أن اعتقال الدكتور العودي قد هزّ الضمير الإنساني لدى القلّة ممن لا يزال فيهم بقية من وعي

فقد عبّر محمد المقالح، عضو اللجنة الثورية وأحد أبرز منظّري الجماعة، عن شعورٍ نادرٍ بالحرج والصدمة، قائلاً شخصيًا، ولاعتبارات كثيرة، أشعر بالخجل حين يُقال لي إن حمود العودي معتقل من قبل عهدٍ أنت محسوب عليه! دعك مني، فلدي كل المبررات لهذا الخجل الذي يتجاوز الغضب والإدانة والاستنكار وكل شيء

هذا الاعتراف الصريح من أحد المقربين من زعيم الجماعة لا يكشف فقط حجم التناقض داخلها، بل يفضح أيضًا عمق المأزق الأخلاقي الذي وصلت إليه، إذ لم تعد قادرة على تبرير أفعالها حتى أمام أنصارها، فحين يشعر منظّر حوثي بالخجل من جرائم سلطته، يمكن إدراك إلى أي مدى تجاوزت هذه الميليشيا كل قيم الإنسانية، وصارت ترى في الفكر المستقل خصمًا وجوديًا لا يُحتمل

ويأتي هذا المشهد في سياق أوسع من القبح السلالي الممنهج الذي تحوّل إلى نهجٍ يومي تمارسه الميليشيا ضد اليمنيين

يقول الصحفي همدان العليي، مؤلف كتاب «الجريمة المركبة

أصول التجويع العنصري في اليمن» إن هذا القبح السلالي الذي نراه ونسمع عنه بين الوقت والآخر، هو ما ظهر للناس فقط، أما ما خفي فهو أكثر بكثير

وتخيلوا معي

إذا كانوا يمارسون هذا القبح وهم تحت التهديد وعادهم بالقلم الرصاص كما يقال، فماذا سيفعلون إذا استقر لهم الأمر والحكم وتم منحهم الشرعية؟ ويضيف في موضع آخر أؤمن أن خروج كثير من السياسيين والإعلاميين والمفكرين من مناطق سيطرة الحوثيين كان لحكمة أرادها الله، رغم ما رافق ذلك من ألم وفقد ومعاناة وضرر على المشروع الوطني

إن اختطاف الدكتور حمود العودي ورفاقه، واقتحام مركز “دال” للدراسات، يؤكد أن الميليشيا لا تتسامح مع أي صوتٍ مستقل، حتى لو كان أكاديميًا مدنيًا لا علاقة له بالصراع السياسي أو المسلح، فالأكاديمي العودي لم يكن طرفًا في أي مواجهة سياسية، بل كان وسيط سلام كما يصف نفسه، ويمثل جيلاً من الباحثين الذين بقوا في الداخل وحافظوا على دور الجامعات كمؤسسات معرفة وتنوير وسط الفوضى، ومثل هذه الحوادث تُظهر أن الصراع في اليمن لم يعد سياسيًا فقط، بل أصبح صراعًا على الوعي، تسعى فيه الميليشيا السلالية لفرض نمطٍ فكريٍ واحدٍ وإقصاء كل من يفكر بطريقة مختلفة

وفي الاتجاه ذاته، عبّر نائب وزير الخارجية اليمنية مصطفى نعمان عن موقف أخلاقي وإنساني عميق، معتبرًا أن اختطاف الأستاذ الدكتور، عالم الاجتماع ذو الثمانين عامًا، في صنعاء، دليل متجدد على عدوانية جماعة الحوثيين تجاه المجتمع بأكمله وكراهيتها للكلمة الطيبة ويضيف لا شيء، لا شيء، ولا موقف ولا بيان ولا حديث أدلى به أو كتبه أو عبّر عنه يمكن أن يبرر جريمة هي في أساسها أخلاقية، ناهيك عن كونها غير قانونية

قبيح حد البكاء أن أرى رجلًا كهلاً، عالمًا، مناضلًا سلميًا، محبًا لوطنه وأهله، داعيًا للسلام وحاملًا لدعوة الحوار بين أبناء وطنه في كل مكان ومنبر

وقد صار أسيرًا عند جماعة قدمت الجهل والعنف والقسوة والعنصرية بدلًا من العلم والتسامح والسلام

هذه الأصوات الثلاثة – المقالح من داخل الجماعة، والعليي من جبهة الوعي الحقوقي، ونعمان من ضمير الدولة اليمنية – تشكل معًا لوحة تامة لفهم مدى الانحدار الأخلاقي الذي وصلت إليه الميليشيا الحوثية، وحجم الفزع الذي تثيره الكلمة الحرة في نفوس المتسلطين على عقول الناس وأرزاقهم، فالميليشيا التي تخاف من الكتاب أكثر من البندقية، ومن الفكرة أكثر من الطلقة، تدرك أن أمثال العودي هم الخطر الحقيقي على سلطتها الكهنوتية؛ لأنهم يوقظون المجتمع من سباته ويفضحون زيف شرعيتها الدينية والسياسية

ولهذا لم يكن اعتقاله حادثًا عرضيًا، بل فعلًا رمزيًا يعبّر عن رفض الجماعة لأي مساحة تفكير خارج حدود الولاء المطلق

إن السكوت عن هذه الجريمة يُشجع تكرارها، ويعني التسليم بفكرة أن الميليشيا الحوثية فوق المساءلة، وأن الاختطاف يمكن أن يكون أداة مشروعة ضد المختلفين

وينبغي على النقابات الأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية الدولية أن تطالب بالإفراج الفوري عن الدكتور حمود العودي وكافة المختطفين والمعتقلين في سجون الميليشيا

فهذه الحادثة تندرج ضمن نمطٍ موثق من الانتهاكات التي ارتكبها الحوثيون ضد الأكاديميين والصحفيين والنشطاء، وهي دليل على طبيعة النظام الأمني القمعي الذي تديره الجماعة في مناطق سيطرتها

وإذا لم تُواجَه هذه الممارسات بموقف وطني موحد وضغطٍ حقوقيٍ جاد، فإن بيئة الخوف ستتسع لتشمل كل من يفكر أو يكتب أو يعبّر عن رأي خارج روايتها المغلقة

إن اعتقال الدكتور حمود العودي ليس سوى مشهدٍ آخر في حربٍ مفتوحة تشنها ميليشيا الحوثي الإرهابية على الوعي اليمني، حربٍ لا تُدار في الجبهات فقط، بقدر ما تُدار في العقول والضمائر، فمنذ سيطرتها على صنعاء، سعت الميليشيا إلى تفريغ المجتمع من رموزه الفكرية والثقافية، وأحلت محلهم خطاباً طائفيًا مغلقًا يجرّد الإنسان من حريته في التفكير والسؤال

لقد أغلقت الصحف والمراكز البحثية، وكمّمت الأفواه، وملأت الفراغ بالجهل المقدّس الذي يحوّل الطاعة إلى عبادة، والمعرفة إلى خطرٍ يستوجب العقاب

وفي هذا السياق، يصبح استهداف العودي رسالة مزدوجة: ترهيبٌ للعقل، وتثبيتٌ للظلام

لكن ما لا تدركه هذه المليشيا الإرهابية الماضوية هو أن الفكر لا يُسجن، والوعي لا يُطفأ، وأن ذاكرة الشعوب أطول من عمر الطغاة

وأن الدكتور حمود العودي سيظل رمزًا لليمن الذي يُفكّر، وللعقل الذي يقاوم بالمعرفة، وللحلم الذي لا يشيخ مهما طال ليل القهر

مرّت ثلاثة أيام على اعتقال ميليشيا الحوثي للدكتور حمود العودي، أستاذ علم الاجتماع، مع رفيقيه عبدالرحمن العلفي وأنور شعب، دون أي مبرر قانوني أو إنساني، واقتحامها لمركز دال للدراسات الذي أسسه الدكتور العودي وأفرد له مقرًا متواضعًا في الدور الأرضي من منزله بصنعاء، فعبثت بمحتوياته ونهبت أجهزته ومعداته، في مشهدٍ يلخّص ذهنية عصابةٍ لا ترى في العلم إلا عدوًا، ولا في الفكر إلا تهديدًا لسلطتها القائمة على القمع والتجهيل

أعرف الدكتور حمود العودي عن قرب منذ عام 2004، فقد حضرت له عشرات المحاضرات والندوات الفكرية والعلمية منذ بداية عملي في صحيفة 26 سبتمبر، وأجريت معه عددًا من الحوارات ونشرت له العديد من التصريحات في الصحيفة إلى جانب صحف أخرى، وهو يُمثّل حالةً فكرية نادرة في المشهد اليمني، إذ جمع بين العمق الأكاديمي والجرأة النقدية والاستقلال التام عن أي اصطفاف سياسي أو أيديولوجي

  حمود العودي رجل مدنيّ، مؤمن بثورة 26 سبتمبر وأهدافها السامية، ينبذ العنصرية، وهو ضد الإسلام السياسي بكل أطيافه، وقد كان أحد أبرز من درسوا المجتمع اليمني من داخله، ناقدًا لبُناه التقليدية ومفاهيمه السلالية، ومبشرًا بمشروع وطني قائم على المساواة والوعي والمعرفة، ولذلك، فإن استهدافه ليس مجرد اعتداء على شخص، بل هو محاولة لاغتيال ما تبقّى من العقل النقدي في اليمن

لم تحترم الميليشيا علم الرجل ولا فكره ولا كِبر سنّه، وهو في الرابعة والثمانين من عمره، واختطافه بلا حق ليس حادثة فردية، بل حلقة جديدة في مسلسل استهداف المفكرين والباحثين والإعلاميين وكل صوتٍ حر في مناطق سيطرة الميليشيا، التي حولت الاختطاف والاعتقال إلى أداة لتصفية العقول ومحو الأصوات المغايرة

إن اختطاف الحوثي للمفكرين والباحثين والناشطين والإعلاميين والمثقفين لا يهدد الأفراد فقط، بل يهدد المجتمع وحقه في التفكير والمعرفة، ويمتد أثره إلى حقوقه الأساسية في العيش الكريم، ووهو نهج يهدف إلى إسكات الأصوات الحرة، تمهيدًا لتكريس العبودية، وتعظيم العنصرية، وترسيخ سلطة السلالة

والحقيقة أن الأكاديمي والمفكر حمود العودي، رغم مكانته العلمية والفكرية، ليس سوى نموذجٍ لآلاف اليمنيين الأبرياء الذين اختطفوا بلا ذنبٍ سوى أنهم فكروا أو تحدثوا أو احتفظوا بموقفٍ مستقل، أو حتى صمتوا

حتى داخل ميليشيا الحوثي نفسها، بدا أن اعتقال الدكتور العودي قد هزّ الضمير الإنساني لدى القلّة ممن لا يزال فيهم بقية من وعي

فقد عبّر محمد المقالح، عضو اللجنة الثورية وأحد أبرز منظّري الجماعة، عن شعورٍ نادرٍ بالحرج والصدمة، قائلاً شخصيًا، ولاعتبارات كثيرة، أشعر بالخجل حين يُقال لي إن حمود العودي معتقل من قبل عهدٍ أنت محسوب عليه! دعك مني، فلدي كل المبررات لهذا الخجل الذي يتجاوز الغضب والإدانة والاستنكار وكل شيء

هذا الاعتراف الصريح من أحد المقربين من زعيم الجماعة لا يكشف فقط حجم التناقض داخلها، بل يفضح أيضًا عمق المأزق الأخلاقي الذي وصلت إليه، إذ لم تعد قادرة على تبرير أفعالها حتى أمام أنصارها، فحين يشعر منظّر حوثي بالخجل من جرائم سلطته، يمكن إدراك إلى أي مدى تجاوزت هذه الميليشيا كل قيم الإنسانية، وصارت ترى في الفكر المستقل خصمًا وجوديًا لا يُحتمل

ويأتي هذا المشهد في سياق أوسع من القبح السلالي الممنهج الذي تحوّل إلى نهجٍ يومي تمارسه الميليشيا ضد اليمنيين

يقول الصحفي همدان العليي، مؤلف كتاب «الجريمة المركبة

أصول التجويع العنصري في اليمن» إن هذا القبح السلالي الذي نراه ونسمع عنه بين الوقت والآخر، هو ما ظهر للناس فقط، أما ما خفي فهو أكثر بكثير

وتخيلوا معي

إذا كانوا يمارسون هذا القبح وهم تحت التهديد وعادهم بالقلم الرصاص كما يقال، فماذا سيفعلون إذا استقر لهم الأمر والحكم وتم منحهم الشرعية؟ ويضيف في موضع آخر أؤمن أن خروج كثير من السياسيين والإعلاميين والمفكرين من مناطق سيطرة الحوثيين كان لحكمة أرادها الله، رغم ما رافق ذلك من ألم وفقد ومعاناة وضرر على المشروع الوطني

إن اختطاف الدكتور حمود العودي ورفاقه، واقتحام مركز “دال” للدراسات، يؤكد أن الميليشيا لا تتسامح مع أي صوتٍ مستقل، حتى لو كان أكاديميًا مدنيًا لا علاقة له بالصراع السياسي أو المسلح، فالأكاديمي العودي لم يكن طرفًا في أي مواجهة سياسية، بل كان وسيط سلام كما يصف نفسه، ويمثل جيلاً من الباحثين الذين بقوا في الداخل وحافظوا على دور الجامعات كمؤسسات معرفة وتنوير وسط الفوضى، ومثل هذه الحوادث تُظهر أن الصراع في اليمن لم يعد سياسيًا فقط، بل أصبح صراعًا على الوعي، تسعى فيه الميليشيا السلالية لفرض نمطٍ فكريٍ واحدٍ وإقصاء كل من يفكر بطريقة مختلفة

وفي الاتجاه ذاته، عبّر نائب وزير الخارجية اليمنية مصطفى نعمان عن موقف أخلاقي وإنساني عميق، معتبرًا أن اختطاف الأستاذ الدكتور، عالم الاجتماع ذو الثمانين عامًا، في صنعاء، دليل متجدد على عدوانية جماعة الحوثيين تجاه المجتمع بأكمله وكراهيتها للكلمة الطيبة ويضيف لا شيء، لا شيء، ولا موقف ولا بيان ولا حديث أدلى به أو كتبه أو عبّر عنه يمكن أن يبرر جريمة هي في أساسها أخلاقية، ناهيك عن كونها غير قانونية

قبيح حد البكاء أن أرى رجلًا كهلاً، عالمًا، مناضلًا سلميًا، محبًا لوطنه وأهله، داعيًا للسلام وحاملًا لدعوة الحوار بين أبناء وطنه في كل مكان ومنبر

وقد صار أسيرًا عند جماعة قدمت الجهل والعنف والقسوة والعنصرية بدلًا من العلم والتسامح والسلام

هذه الأصوات الثلاثة – المقالح من داخل الجماعة، والعليي من جبهة الوعي الحقوقي، ونعمان من ضمير الدولة اليمنية – تشكل معًا لوحة تامة لفهم مدى الانحدار الأخلاقي الذي وصلت إليه الميليشيا الحوثية، وحجم الفزع الذي تثيره الكلمة الحرة في نفوس المتسلطين على عقول الناس وأرزاقهم، فالميليشيا التي تخاف من الكتاب أكثر من البندقية، ومن الفكرة أكثر من الطلقة، تدرك أن أمثال العودي هم الخطر الحقيقي على سلطتها الكهنوتية؛ لأنهم يوقظون المجتمع من سباته ويفضحون زيف شرعيتها الدينية والسياسية

ولهذا لم يكن اعتقاله حادثًا عرضيًا، بل فعلًا رمزيًا يعبّر عن رفض الجماعة لأي مساحة تفكير خارج حدود الولاء المطلق

إن السكوت عن هذه الجريمة يُشجع تكرارها، ويعني التسليم بفكرة أن الميليشيا الحوثية فوق المساءلة، وأن الاختطاف يمكن أن يكون أداة مشروعة ضد المختلفين

وينبغي على النقابات الأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية الدولية أن تطالب بالإفراج الفوري عن الدكتور حمود العودي وكافة المختطفين والمعتقلين في سجون الميليشيا

فهذه الحادثة تندرج ضمن نمطٍ موثق من الانتهاكات التي ارتكبها الحوثيون ضد الأكاديميين والصحفيين والنشطاء، وهي دليل على طبيعة النظام الأمني القمعي الذي تديره الجماعة في مناطق سيطرتها

وإذا لم تُواجَه هذه الممارسات بموقف وطني موحد وضغطٍ حقوقيٍ جاد، فإن بيئة الخوف ستتسع لتشمل كل من يفكر أو يكتب أو يعبّر عن رأي خارج روايتها المغلقة

إن اعتقال الدكتور حمود العودي ليس سوى مشهدٍ آخر في حربٍ مفتوحة تشنها ميليشيا الحوثي الإرهابية على الوعي اليمني، حربٍ لا تُدار في الجبهات فقط، بقدر ما تُدار في العقول والضمائر، فمنذ سيطرتها على صنعاء، سعت الميليشيا إلى تفريغ المجتمع من رموزه الفكرية والثقافية، وأحلت محلهم خطاباً طائفيًا مغلقًا يجرّد الإنسان من حريته في التفكير والسؤال

لقد أغلقت الصحف والمراكز البحثية، وكمّمت الأفواه، وملأت الفراغ بالجهل المقدّس الذي يحوّل الطاعة إلى عبادة، والمعرفة إلى خطرٍ يستوجب العقاب

وفي هذا السياق، يصبح استهداف العودي رسالة مزدوجة: ترهيبٌ للعقل، وتثبيتٌ للظلام

لكن ما لا تدركه هذه المليشيا الإرهابية الماضوية هو أن الفكر لا يُسجن، والوعي لا يُطفأ، وأن ذاكرة الشعوب أطول من عمر الطغاة

وأن الدكتور حمود العودي سيظل رمزًا لليمن الذي يُفكّر، وللعقل الذي يقاوم بالمعرفة، وللحلم الذي لا يشيخ مهما طال ليل القهر