مصير التدابير الحكومية لتحصيل الإيرادات

منذ 4 ساعات

تعز- عبدالملك الأغبري & سعد عبداللهاحتجّ العشرات من جرحى القوات الحكومية في تعز، اليوم الخميس وأمس الأربعاء، أمام مبنى مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية في مدينة تعز

تأتي هذه الاحتجاجًات تنديدًا بقطع العلاوات الشهرية التي كانت تصرف لهم، والتي كانوا يعتمدون عليها جزئيًا في تغطية بعض احتياجاتهم الطبية الأساسية

الأربعاء والخميس شهدا إغلاق مبنى المصلحة من قبل الجرحى، الذين عبّروا عن استيائهم من قرار قطع العلاوات التي كانت مقررة لهم

مطالبين بإيجاد حلولٍ بديلة تضمن استمرار صرف تلك العلاوات، رغم محدوديتها، دون تحميلهم أعباءً إضافيةً في ظل أوضاعهم الصحية والمعيشية الصعبة

واختار الجرحى مكتب مصلحة الهجرة تحديدًا للاحتجاج؛ بعد قرار تخفيض رسوم استخراج الجوازات من 12 ألف ريالٍ إلى 4500 ريال، والتي كان جزءًا من هذه الرسوم تذهب كمخصصات شهرية لبعض الجرحى

يقول الجريح محمد عبدالله (اسم مستعار)، أحد المشاركين في الوقفة الاحتجاجية أمام مبنى مصلحة الجوازات بتعز: “أصبتُ في الجبهة قبل أكثر من ست سنوات

وأصبحتْ أقدامي اليوم مبتورة، ولا أستطيع تحريك يدي اليسرى بشكل طبيعي، وأحتاج إلى علاجٍ ورعايةٍ طبيةٍ مستمرة”

يضيف لـ”المشاهد”: “العلاوة التي كنا نستلمها شهريًا بالكاد تغطي نفقات بعض المستلزمات الطبية، واليوم تقطع دون أي حلولٍ بديلة

لذلك نحن لا نطلب شيئًا أكثر من حقوقنا

فلم نتأخر حين دعتنا الجبهات، فلماذا تدار لنا الظهور اليوم؟”

ويتابع: “هل يدرك المسؤولون أننا لا نتوجع فقط من جراح الحرب أو الإعاقة التي صارت ترافقنا في كل لحظة

بل حتى من نظرة الناس، ومن شعورنا بأننا عبء على أهلنا أيضًا؟

نحن لا نطلب المستحيل، فقط نريد كرامةً وحقًا يصان، لا أن ينتزع منّا حتى أبسط ما يخفف أوجاعنا”

الجريح محمد عبدالله: هل يدرك المسؤولون أننا لا نتوجع فقط من جراح الحرب أو الإعاقة التي صارت ترافقنا في كل لحظة

بل حتى من نظرة الناس، ومن شعورنا بأننا عبء على أهلنا أيضًا؟

نحن لا نطلب المستحيل، فقط نريد كرامةً وحقًا يصان، لا أن ينتزع منّا حتى أبسط ما يخفف أوجاعنا”

ثم يختتم: “إذا كانت الإصلاحات تبدأ من الجرحى، فبأي كرامةٍ سنواصل الحياة؟”

ويأتي إجراء تخفيض الرسوم، في سياق حزمة إصلاحات اقتصادية أقرّها مجلس القيادة الرئاسي، والحكومة اليمنية المعترف بها

ضمن خطةٍ تهدف إلى تصحيح مسار المالية العامة وتحسين كفاءة إدارة الموارد، واستعادة الثقة بالاقتصاد الوطني

وهو ما يرى فيه المتضررون تجاهلًا لظروفهم الخاصة

ومطلع نوفمبر الحالي أقرّت الحكومة في عدن تحصيل جميع إيرادات المؤسسات الحكومية إلى حساب الحكومة في البنك المركزي وفروعه في المحافظات

وإغلاق المنافذ البحرية المستحدثة وإلغاء تخفيض الدولار الجمركي بدءًا من منتصف الشهر الجاري

لكن تنفيذ هذه القرارات الجريئة يصطدم مع الجهات المحلية في بعض المحافظات

ففي المهرة، شرق اليمن، مثلًا امتنعت السلطة المحلية، السبت الماضي، عن توريد عائدات منفذ شحن الحدودي إلى البنك المركزي؛ بحجة أن الإيرادات تذهب كمصروفاتٍ للخدمات العامة بالمحافظة

وفي مأرب ينظم جرحى القوات الحكومية اعتصامًا مفتوحًا منذ مطلع نوفمبر الحالي، مطالبين بتحسين أوضاعهم المعيشية

كل هذه التطورات تزامنت مع تدابير حكومية بضبط تحصيل الإيرادات العامة

في وقتٍ تعاني فيه الحكومة انقساماتٍ بين مكوناتها التي يتحكم كل منها بأجزاءٍ محددةٍ من البلاد

في فبراير الماضي، أحالت الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد ملفات 204 جهاتٍ حكومية إيرادية للنائب العام؛ نتيجة عدم توريد عائداتها إلى الخزينة العامة

وبحسب الهيئة العليا لمكافحة الفساد فإن هناك مؤسساتٍ إيراديةً كبرى مثل شركة النفط، مؤسسة موانئ البحر العربي، مكاتب الضرائب والواجبات الزكوية، الجامعات الحكومية، وصناديق النظافة، كلها تورّد عائداتها إلى حساباتها الخاصة في البنوك وشركات الصرافة

ورغم توجيهات حكومية منذ عام 2022 حول ضبط تحصيل الإيرادات الحكومية وإغلاق حسابات جميع الجهات الإيرادية في البنوك وشركات الصرافة، إلا أنها لم تنفذ حتى الآن

وكان مسلحون قد اغتالوا في سبتمبر الماضي، مدير صندوق النظافة في تعز، افتهان المشهري لعدم دفعها جزءًا من الإيرادات

وعقب مقتل المشهري توقع اقتصاديون وخبراء في الموارد العامة أن تشهد البلاد احتقاناتٍ وتوتراتٍ في حال قررت الحكومة ضبط تحصيل الإيرادات؛ لأن هناك عصاباتٍ نشأت خلال فترة الحرب هي من تحصّل هذه الإيرادات لصالحها، وستثور حتمًا دفاعًا عن منافعها الذاتية

التحركات الأخيرة التي شهدتها مناطق الحكومة تحت لافتاتٍ مختلفة؛ تصب في نهاية المطاف إلى رفض توحيد تحصيل الإيرادات الحكومية

ففي محافظة المهرة توجّهت لجنةٌ من السلطة المحلية إلى منفذ “شحن” الحدودي مع سلطنة عمان، ومنعت الموظفين من توريد عائدات المنفذ إلى حساب الحكومة؛ بحجة نفقات الخدمة في المحافظة

وفي مأرب كانت اللافتة المرفوعة أمام تحصيل الإيرادات إلى حساب الحكومة هي اعتصام جرحى الحرب ومطالبتهم عدم تنفيذ قرار الحكومة حتى يتم إصلاح وضعهم

بينما في تعز تم استخدام اللافتة نفسها وهي جرحى الحرب

وهنا يجب ألا يفهم خطأً أن جرحى الحرب ليس لهم مطالب أو أن المحافظات ليس لها مصروفات خدمية

بل إن الوقائع تشير إلى أن ضبط تحصيل الإيرادات هو السبيل الأساسي للمضي في حصار جيوب الفاسدين، واستعادة قيمة العملة وانتظام صرف رواتب الموظفين الحكوميين واستعادة الخدمات

والسؤال هنا، هل ستكتفي الجهات المحلية بالاحتجاج وحده ضد تنفيذ تحصيل الإيرادات أم أنها ستلوّح بالقوة؟ وهذا ما لا يتحمله اليمن واليمنيون بعد كل سنوات الحرب هذه

يذكر أن إيرادات الضرائب لوحدها سجّلت في عام 2013 نحو 531

5 مليار ريالٍ (حوالي 2

5 مليار دولار)، بحسب تقرير البنك المركزي اليمني

وفي ظل فوضى تحصيل الإيرادات، بما في ذلك الضرائب وغيرها، يعني هذا أن هناك مليارات الدولارات تذهب لجيوب أشخاصٍ أو عصاباتٍ، ولا تصل إلى الأوعية الحكومية للدولة

وقالت الأمم المتحدة في تقريرها الشهري عن الأمن الغذائي في اليمن لشهر أكتوبر أن نقص العملة الصعبة وغياب الإيرادات العامة في مناطق سيطرة الحكومة أدت إلى تأخير مستمر في دفع رواتب الموظفين الحكوميين، وتظل تكلفة المعيشة مرتفعة جداً بشكل عام

ما رأيك بهذا الخبر؟سعدنا بزيارتك واهتمامك بهذا الموضوع

يرجى مشاركة رأيك عن محتوى المقال وملاحظاتك على المعلومات والحقائق الواردة على الإيميل التالي مع كتابة عنوان المقال في موضوع الرسالة

بريدنا الإلكتروني: almushahideditor@gmail

comليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقاريرمن نحن