معاناة مركبة.. أطفال مهمشون في مواجهة الدونية ومضاعفات الحرب/ المصدر أونلاين

منذ سنة

يوم إثر آخر، تتفاقم معاناة الأطفال في اليمن، منذ اندلاع الحرب في العام 2015، وهم يواجهون أشد الصعوبات، لاسيما الأطفال من فئة المهمشين ذوي البشرة السوداء، فما إن يخرج الطفل المهمش إلى الحياة، حتى تبدأ رحلة معاناته الطويلة، والتي عادة ما تُؤدي به إلى مزيد من الحاجة والفقر والحرمان، ومع تفاقم الأوضاع المعيشية للمهمشين، يتضاعف عدد العاملين من الأطفال المهمشين، وسط ثالوث المخاطر المحاطة بهم، الجوع والمرض وعدم الأمان

كما أن النظرة الدونية وتغلغلها في أوساط اليمنيين، تزيد من المخاطر الكارثية التي يواجهها الطفل المهمش، الأمر الذي ينعكس سلباً على كافة جوانب الحياة معه، فيستسلم للأمر الواقع، بعد أن فرضته عليه سطوة المجتمع

 أبطال صغار في مواجهة الحياةالأطفال المهمشون يعيشون حياة قاسية، وظروفاً بالغة الصعوبة، مبتعدين عن التعليم، لأسباب كثيرة إلا فيما ندر

محمد ذو التاسعة، يخرج في السابعة صباحاً من كل يوم، متوجهاً إلى العمل في دكان أبيه المتواضع، لبيع المواد الغذائية، فيما تذهب أخته ملاك (12 سنة) التي تكبره بثلاث سنين، إلى مدرسة الإحسان الحكومية، في منطقة السكنية بمحافظة تعز، لتعود في وقت الظهيرة، وتناوب في الدكان بدلاً عن محمد، الذي بدوره يذهب للمدرسة في المساء حتى مغيب الشمس

الطفل محمد، يدرس في الصف الثالث الابتدائي، فيما أخته ملاك، تدرس في الصف الخامس، ولأن أمهما، رحمة (38 سنة) تعاني من مرض السرطان في الغدة الدرقية، منذ أكثر من خمس سنوات، فإنهما يعملان لكسب لقمة العيش مع والدهما، وتوفير بعض المستلزمات الأساسية للعيش، والأدوية الضرورية لأمهم المريضة

محمد في حديثه يقول إنه لم يحدث أن تخّلف يوماً واحداً عن الدكان، منذ كان في السابعة من عمره، وهو مع ذلك يداوم كل صباح بكل رضا لأجل أسرته

فيما تقول أم محمد إنهم لا يستطيعون توفير الأدوات المدرسية اللازمة لأطفالهم ويجدون صعوبة في ذلك غالب الأحيان، إلا أنهم مع ذلك يدرسون

فعبده قاسم والد محمد، يعمل بالأجر اليومي، وذلك لتوقف راتبه منذ عدة أشهر، في صندوق النظافة والتحسين بتعز، وهو بالكاد يستطيع توفير احتياجات أسرته الأساسية، لاسيما دواء زوجته باهض الثمن

استمرار المرض والمعاناةمنذ ست سنوات، وأم محمد مصابة بسرطان الغدة الدرقية، استدانت كل ما تستطيع جمعه من المال، لإجراء عملية جراحية، علها تنقذ نفسها من هذا المرض، وأجرت العملية في أحد مشافي المدينة دون جدوى، ليتم تحويلها لاحقاً إلى مركز الأمل للأورام السرطانية بمدينة تعز

مرض عضال تعانيه الأم، مع كثرة في الأطفال، وبدون بيت مستقر أو مال، هكذا تعيش أسرة بكاملها في ظل ضغوطات الحياة اليومية والمتكررة بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد

تقول أم محمد إن الدواء لا يكون متوفراً دائما في المركز، وهي غير قادرة على شرائه، يساعدها زوجها بقدر ما يستطيع كما أنه يصبر عليها وعلى مرضها بقلب راضٍ، ومواساة كبيرة

لا تتوقف المعاناة عند هذا الحد في هذه البيت، فـأم محمد، السيدة رحمة عمرها 38 عام، إلا أن ملامحها تشي لك بكبر سنها، وتعب السنين على وجهها، منذ أول نظرة تراها، في حديثها للمصدر أونلاين تقول: صبرت على زوجي من لما جاءت الحرب، جوعنا وعطشنا، ونحنا في إحدى العشش في منطقة عصيفرة، مضى على زواجنا 19 سنة

تضيف وعلامات التعب بادية على وجهها: زوجي يشتغل بالأجر اليومي، من أربعة أشهر وراتبه متوقف من صندوق النظافة والتحسين، ومن لما نزحنا ممعاناش سكن، وجالسين ببيت أبي في المدينة السكنية، بس دائما يطردنا لما يبكوا الأطفال وما يتحملهمش

كان لدى أم محمد أرضية حصلت عليها من أحد أخوالها، لكن ظروف الحرب أجبرتها على التخلي عن حلم بناء بيت والاستقرار فيه، ببيعها ومداواة مرضها، وهكذا حالهم الآن، فهم بالكاد يوفرون من الطعام ما يبقيهم على قيد الحياة

طفولة مسروقة في مساكن المهمشينيعمل الكثير من أطفال المدينة السكنية للمهمشين، للتفاقم مشكلة تسربهم من التعليم، وتدهور صحتهم النفسية والجسدية

تجهش أم محمد بالبكاء وهي تحكي قصة معاناتها الدائمة، في سكنها ببيت أبيها، وبمرارة وحزن كبيرين تقول: أبي يضرب أطفالي إذا ارتفعت أصواتهم، وذات مرة كسّر الحمام حينها كنت في المستشفى، ولم أدري إلا عندما عدت

المعاناة التي يعيشها الأطفال المهمشون لا تنتهي، السيدة هنادي قاسم مصابة بالسرطان أيضا، يعمل ابنها فيصل (12 سنة)، تقول في حديثها: منذ ثلاث سنين لو ممعيش حق علاج ابني يشتغل في تجميع البلاستيك ويبيعه بمبالغ قليلة ويجيب لي الدواء

كما أن لديها طفل آخر عمره 7 سنين، مريض بتقيح بالمثانة، إذا لم تعطه الأدوية التي صرفها له الطبيب، لا يعود قادرا على البول

تفشل أم محمد وهي تحاول جاهدة إخفاء حزنها ومرارتها فتقول: بناتي شابات أضطر للبقاء في بيت أبي، رغم الإهانات والسب والشتم الي أتلقاها منه، وإذا زاد الحال أشل بناتي ونفرش البطانيات بالشارع وننام

تضيف فتقول: أشوف بناتي وأبكي، والعمل اللي يشتغله زوجي يغطي الحاجات الأساسية، وأحيانا نتسلف حق الأكل سلف، الدكان لا يغطي احتياجاتنا، بنتي الكبيرة عمرها 18 سنة، توقفت عن الدراسة، لأني مريضة تجلس جنبي أدوخ دائما لو مشيت كثير، ولو في إزعاج، أو صياح، ومع ذلك الحمد لله على كل حال

الثقافة تعزز من النظرة الدونية لـ المهمشينتكمن معضلة النظرة الدونية في المجتمع اليمني، بأنها ثقافية، ناتجة عن إرث اجتماعي، فأغلب الناس في المجتمع اليمني يؤمنون بما جاء في التشريع الديني والقانوني بعدم التفرقة؛ لكنه يبقى إيمان لفظي معطل عن العمل، فلا يزال المجتمع اليمني يعاني من التمييز، الذي يشمل طبقات عدة، بما فيهم أصحاب البشرة السوداء

ولتجاوز مشكلة الدونية التي يعاني منها السود وحلها، فالأمر يحتاج إلى نضال وثورة مناهضات من السود أنفسهم، وأصحاب الفكر المستنير

نعمان الحذيفي رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين في حديثه يقول إنه يمكن حل مشكلة العنصرية في اليمن، بالاعتراف بمعضلة العنصرية، والتعامل معها كقضية وطنية، تستوجب استئصالها، واستصدار تشريع وطني يحرم ويجّرم العنصرية بكافة أشكالها

يضيف فيقول: من ضمن الحلول إنشاء محكمة متخصصة في مناهضة التمييز العنصري، يناط بها تطبيق قانون ضد العنصرية، وتبني استراتيجية وطنية شاملة، تقوم على التمييز الإيجابي، تمّكن المهمشين من المشاركة في كافة مجالات الحياة

أعراف مجتمعية فوق القانونورغم أن كل التشريعات الوطنية تضمن لكافة المواطنين حقوقا متساوية دون تمييز، إلا أن الممارسة في الواقع هي من تحرم فئة على غيرها من التمتع بحقوقها كاملة غير منقوصة

ويرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز الدكتور محمود البكاري أن تهميش الأطفال المهمشين في المدارس على وجه الخصوص، يعود لأسباب اجتماعية، تعبر عن وجود تمييز اجتماعي مستمد من ثقافة اجتماعية تقليدية متوارثة، تزدري فئة المهمشين، وتنتقص من حقوقهم كمواطنين يمنيين

في تصريحه لـالمصدر أونلاين يقول: إن الحلول الممكنة لتجاوز هذه العنصرية، تكمن في نشر الوعي بخطورة تهميش الأطفال المهمشين على تماسك المجتمع والسلم الاجتماعي، كما يجب على المجتمع أن يساهم في تعميق المساواة بين أفراده ليتحقق التطور والنمو الاجتماعي

 تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH/JHR (صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية) في كندا