مكة المكرمة في عقيدة الأئمة الهادوية

منذ 2 سنوات

هل علمتم أنّ إمامًا من أئمة الهادوية الرسية حجّ البيت الحرام من لدن يحيى حسين الرسي، وحتى البدر بن الإمام أحمد، والذي قضى شطرا كبيرا من حياته في بلاد الحرمين الشريفين؟في الواقع لم يحج إمامٌ واحدٌ من هؤلاء الأئمة بيتَ الله الحرام، بمن في ذلك الإمام أحمد الذي ذكرت المصادر أنه اعتمر، وزار روضة جده الشريفة بالمدينة فقط

مع وجود تصريح للأستاذ أحمد محمد نعمان منتصف خمسينيات القرن الماضي عن اعتزام الإمام أحمد الحج آنذاك؛ لكنه لم يفعل؛ علما أن الحج واجب على من استطاع، ولا نظن إمامًا واحدا منهم غير مستطيع لأداء فريضة الحج

فهل يا ترى أن هذا من قبيل المصادفة؟ أم أن في الأمر ما فيه

وقبل أن نجيب عن السؤال نشير إلى أن أغلب أئمة المسلمين وخلفائهم في مختلف الأصقاع، إن لم يكن كلهم قد حجوا البيت الحرام، من عرب وغير عرب، عدا فتراتٍ محدودة للغاية من فترات الصراع السياسي لبعض الخلفاء والأئمة، أو للمشقة الكائنة قديما؛ لأن فترات السفر كانت تحتاج في بعض الأصقاع إلى ما يزيد عن ستة أشهر ذهابا وإيابا، تختل معه وظائف الدولة، فأفتى فقهاء تلك الأصقاع بسقوط فريضة الحج عن خلفاء بلادهم، لما يترتب عليه من خلل في بنية الدولة ووظائف الحاكم، أو حفاظا على أرواح الحجاج من قطاع الطرق حين كانت الطرقات غير آمنة؛ بل لقد كان مسلمو بلاد التكرور ــ وهم شعوب القبائل الحامية في الممالك الأفريقية ــ حريصين على الحج سنويا، ويمرون بمصر، وفقا لرواية المقريزي

ومما يؤثر عن الخليفة هارون الرشيد أنه كان يحج عاما ويغزو عاما

ولا تزال عين زبيدة زوجته معلما أثريا من معالم إنجازاتها التاريخية الخيرية في سقيا الحجاج في مكة المكرمة اليوم

وكانت طريق الحج من العراق إلى مكة المكرمة مطرزة بالقصور الخاصة بالخلفاء والأمراء، والمخصصة للمبيت فيها أثناء رحلة الحج، بكل ما تحتاج هذه القصور من الأثاثات والرياش والموظفين الذين كان الواحد منهم يُسمى متولي المنازل

ويذكر المؤرخون أن المنية قد وافت القائد صلاح الدين الأيوبي وهو ينوي أن يحج في ذلك العام، على الرغم من الأخطار الخارجية من قبل الصليبيين التي كانت تتهدد بلاده

كما حج أخوه توران شاه من اليمن حين كان حاكما عليها، وحج من بعده أيضا الملك الأيوبي المسعود صلاح الدين بن يوسف من اليمن أيضا

وقبله حج بعض خلفاء الدولة الصليحية، كما حج أيضا سلاطين وخلفاء الدولة الرسولية في اليمن، وكانت محامل الحج من الدولة الرسولية في تعز مميزة عن غيرها، سنويا، فقد حج أغلب ملوكها، وكانوا يكسون الكعبة، ويوزعون الصدقات والأموال على أهل مكة، مع أن المسافة من عاصمة الدولة الرسولية في الجند، هي ضعف المسافة من عاصمة الأئمة الرسية من صعدة

وفي كتاب الأساطين في حج السلاطين لمؤلفه محيي الدين بن عبدالقادر الطبري تفاصيل كثيرة ومدهشة عن حج السلاطين الأتراك للبيت الحرام

وقد روى المؤرخ أحمد بن يوسف بن أحمد القرماني في مخطوطة أخبار الدول وآثار الأُول أن السلطان محمد الفاتح أوصى بالحكم لولده بايزيد الثاني، وحين مات محمد الفاتح كان ابنُه بايزيد في الحج، ولما قيل له انه يجب أن يعود الى العاصمة من أجل العرش قال: والله لا أرجع عن هذا السّفر أبدا، وإن ولدي ينوب عني في السلطنة إلى أن أعود؛ فلما عاد أبوه من الحج، خلع نفسه عن الملك وأسلم الحكم لوالده

اقرأ أيضاًزلزال تركيا: امرأة تركية ترفض الخروج من تحت الأنقاض قبل أن يعطوها الحجاب! (فيديو)الإمام القاسم البريطاني!” بعد ان شاهد لوحة سيارة يمنية ”

شاب يمني يحكي قصة تصرف كريم من قبل دورية شرطة سعودية ليمنيين بمكةبعد تحكمه في الملابس و قصات الشعر

”الإمام القاسم ” بجامعة صنعاء يمنع الطلاب من التواصل في الفيسبوك والواتس (وثيقة)الحوثيون يعلنون تأسيس البرلمان الحجازي بعد أيام من التقارب مع الرياضقراءة في نظرية الإمامة كما ابتدعها يحيى بن الحسين الرسي (2)تعيين ‘‘البديوي’’ أمينًا عامًا لمجلس التعاون الخليجي (سيرة ذاتية)السعودية تعلن رسميا : نستعد لاستقبال مليوني حاج هذا العامالشيخ ”الحجوري ” يرد على دعوات بعض السلفيين للتقارب مع الحوثيين (مقطع صوتي)”لا صحة لحد الردة”

مدير ” هيئة الامر بالمعروف” السابق بمكة يثير جدلا بمقال”من دعاكم إلى العسكرة اعتبروه خائنا

اقوى رد من الشيخ ”الحجوري” على إجتماع سلفيين مع الحوثيين بصنعاء (مقطع صوتي)حازب يعلق على انتشار عبارات جدارية حول حجاب المرأةهذا مدخل لمعلومة تاريخية قد تخفى عن البعض، وهي أن جُل أئمة الشيعة سواء في مصر أم في اليمن لم يحجوا بيت الله الحرام أبدا، مع أن الفاطميين في مصر سيطروا فترة من الفترات على الحجاز، ومع هذا لم يحجوا البيت الحرام

! ليس هذا فحسب؛ بل أكثر من ذلك ما رواه المقريزي في كتابه الخطط وأيضا ما ذكره محقق كتابه الآخر: الذهب المسبوك في ذكر من حج من الخلفاء والملوك من أن أحد خلفاء الفاطميين، وهو المستنصر بالله معد بن الظاهر، الخليفة الفاطمي الثامن، والإمام الثامن عشر في سلسلة أئمة الشيعة الإسماعيلية، ت 487هـ، كان يركب على النجب مع النساء والحشم إلى موقع يسمى جب عميرة، مع بداية موسم الحج، وهو موقع يبدأ منه المصريون رحلتهم لأداء فريضة الحج، فيحمل معه جرار الخمر، ويصطحب الغواني، ويقضي نزهته هناك مع بعض حاشيته، وفي هذه العادة أنشد الشاعر:قم فانحر الراح يوم النحر بالماءولا تضح ضحى إلا بصهباءوادرك حجيج الندامة قبل نفرهمإلى منى قصفهم مع كل هيفاءأما عن أئمة الهادوية الرسية في اليمن، فلم يحج منهم واحد، كما ذكرنا، وأكثر من ذلك أن الإمام المهدي الحسين بن القاسم العياني 376ــ 404هـ، قد أبطل الحج إلى مكة، وحوّله إلى منطقة عيّان، وعيان جبل في حجة غرب اليمن، وإليه اليوم تُنسب عزلة جبل عيان

كما أنها حاضرة منطقة سفيان، والأخيرة هي مسرح نشاط الإمام المذكور

ووفقا للإمام أحمد بن سليمان الذي أثبت الواقعة، ثم أراد نفيها بعد ذلك، يقول ما نصه في سياق الحديث عن الإمام الحسين بن القاسم العياني:

وحَدّثني مَن أثِقُ به أنه قال ل‍ه: هل رأيتَ المهدي أنت؟ قال: نعم

قال: كان معي في بيتٍ، ثم قام وتهيَّأ للخروج، فانفلق ل‍ه جدارُ البيت فخرج منه، ولم يخرج من الباب

وقال: إنه أمره بالحج إلى عيّان، فأقام يحجّ سنينَ كثيرةً، وفتح شريعة الحجّ من مكة إلى عيان، فأقام يحجّ سنين كثيرةً هو وقومٌ من أصحابه قدر مئة رجل ويزيدون

وكانوا يفعلون ذلك في أيام عيد عرفة، حتى قال فيهم شاعرٌ ممن أنكر عليهم: حَجَّ الأنامُ إلى المحصّب من مِنًى

وإلى مَدَقّة حَجَّ آلُ القاسموقد ظلت هذه الفرقة مستمرة حتى القرن التاسع الهجري

ومدقة هي البقعة التي حج إليها هؤلاء في جبل عيان نفسه، وترد أحيانا بلفظ المدقة

انظر: صورة لمخطوط الحكمة الدرية والدلالة النورية، أحمد بن سليمان، ص: 202

وقد أثبت هذه الحالة الشيخ محمد عبدالعظيم الحوثي في تسجيل، على الرابط:https://twitter

com/asas12367/status/1323017741444546560?s=21والإمام الحسين بن القاسم هذا نفسه ادعى أنه المهدي أولا، ثم ادعى أنه رسول من الله، ثم ادعى أنه أفضل من الرسول نفسه، ثم ادعى أن كلامه أبهر من كلام الله عز وجل

وحين طلق زوجته، تزوجها رجل آخر بعد وفاة عدتها، فلما علم هذا الإمام بذلك أخرجها من زوجها، وتشبه برسول الله، مستشهدا بقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ)

سورة الأحزاب

انظر حقائق المعرفة في علم الكلام، الإمام المتوكل أحمد بن سليمان، مراجعة وتصحيح: حسن بن يحيى اليوسفي، مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية، ط:1، 2003م، ص: 491

وننوه مرة أخرى هنا إلى أن محاولة نفي أحمد بن سليمان لها، بعد أن أورد تفاصيلها في كتابه تأكيد على صحتها

ولدرء الحرج من قبل شيوخ الهادوية المعاصرين يُقال أن مجدالدين المؤيدي قال: غُرر على الإمام أحمد بن سليمان

انظر موقع منذر الزيدية على تويتر، على الرابط:https://twitter

com/asas12367/status/1323017741444546560?s=21إن يفعل فقد فعل إمام له من قبلما تجدرُ الإشارة إليه هنا أنه وفي ذات الفترة، وتحديدا سنة 390هـ، أقدم الحاكم بأمره الفاطمي في مصر في نقل الحج من مكة إلى مصر،

فقد شيّد في المنطقة الواقعة بين الفسطاط والقاهرة ثلاثة مشاهد، لينقل إليها رفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ورفات أبي بكر وعمر من المدينة، وذلك بهدف تحويل المسلمين عنها إلى القاهرة لشد الرحال إليها، وجعلها في مقام المدينتين المقدستين، وهي محاولة كتب لها الفشل

انظر تاريخ الفاطميين في شمالي افريقيا ومصر وبلاد الشام، د

محمد سهيل طقوش، دار النفائس، بيروت، لبنان، ط:2، 2007م، ص: 280

وعودة إلى الأئمة والحج، فإنهم يعتقدون أن حكم المجبرة ــ وهم أهل السنة ــ حكم الحربيين، وأن مبرر وجود أرض للمجبرة أهل السنة بين ديار أهل البيت من جهة، والكعبة المشرفة من جهة أخرى عذرٌ كافٍ لسقوط الحج عنهم، فأرضهم أرضُ نجاسة، ولا يمكن لهم الاحتراز من رطوباتهم، حد تعبيره

انظر المجموع المنصوري، مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، تحقيق: عبدالسلام بن عباس الوجيه، مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية، ط:1، 1، 2002م، ص: 135/1

وفي اعتقادهم أن مكة والمدينة هما دار حرب على الدوام ما دامتا خارجتَين عن سيطرتهم، فهو يقول: فأما نحن فعندنا أن كل أرض ظهرت فيها خصلة، أو خصال من الكفر المعلوم بالأدلة، ولا يفتقر مظهرها إلى ذمة من المسلمين ولا جوار، وسواء كانت أرض مكة منزل البعثة أو المدينة دار الهجرة

نفس المصدر، ص: 93/1

ولهذا فحين ظهر الإمام إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن موسى الملقب بالسفاك، وهو من نسل الحسن بن علي، بالحجاز، وغلب على مكة أيام المستعين العباسي، غوّر العيون هدم عيون الماء وقتل من الحجاج كثيرا، ونهب أموالهم، وقام من بعده أخوه محمد بن يوسف، فأربى على فعله في السفك والنهب والفساد

انظر: عمدة الطالب لابن عنبة، تحقيق السيد مهدي الرجائي، ط:1، 2009م، ص 65

وفيه يقول الأصفهاني:

فعاث وأفسد، وعرض للحجاج، وتبعه أمثال له، وقطع الميرة عن الحرم، وكرهت ذكره

انظر: مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني، ط:2، ص: 524

ويقول عنه ابن الأثير في تاريخه، ضمن حوادث سنة 251هـ:

وفيها ظهر إسماعيل بن يوسف

وقتل الجند وجماعة من أهل مكة، وأخذ ما كان حُمل لإصلاح القبر من المال، وما في الكعبة وخزائنها من الذهب والفضة وغير ذلك، وأخذ كسوة الكعبة، وأخذ من الناس نحوا من مئتي ألف دينار، وخرج منها بعد أن نهبها، وأحرق بعضها

انظر: الكامل في التاريخ، عزالدين بن الأثير، تحقيق: عمر عبدالسلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 2012م، ص: 231/6