منير علوان : الزعيم صالح والاصلاح والحوثي - القرارات الخاطئة والعواقب

منذ سنة

بعد أقل من شهرين ونصف تحل الذكرى الخامسة لاستشهاد الزعيم علي عبدالله صالح، رحمة الله عليه، اردت ان اكتب بعض كلمات كانت حبيسة الذاكرة منذ فترة طويلة

مازلت اتذكر ذلك النهار الأسود في الرابع من ديسمبر من العام 2017 ، يومها حاولت أن اعتبر ما حدث وكأنه لا يعنيني ، بل أكثر من ذلك، فقد تذكرت الأيام الأولى لما كنت اعتبره ثورة الشباب وكيف أن هذا الحدث كان بالنسبة لي أمنية

قبل 5 سنوات كنت قد بلغت ال30 من العمر ، يقول خبراء علم النفس تعتبر فترة الثلاثينات من العمر، من أكثر المراحل العمرية التي تشهد نموًا في الفكر، وفهم للحياة ومتطلباتها، فهي تختلف بشكل كبير عن مرحلة العشرينيات، حيث الاندفاع واتخاذ قرارات غير مدروسة بشكل صحيح

خلال الخمس سنوات الفائتة ابتعدت أكثر عن وسائل التواصل الاجتماعي ،فقد قررت قبل 3 سنوات تحديدا الخروج بشكل نهائي من الفيسبوك، ولم اعد ادخل على حسابي الا في حالات نادرة جدا عندما اضطر لفتح محتوى معين لا يمكن مطالعته إلا بتسجيل الدخول

ربما كانت هذه الخطوة، بدون قصد، هي الخطوة الأهم في مشواري للتحرر من قيود التأطير الفكري الذي عانيت منه كثيرا

اعتقد ان السبب يعود للاستمرار في مطالعة منشورات الكثير من القادة والإعلاميين الحزبيين بشكل دائم

كانت تلك المنشورات بمثابة تنويم مغناطيسي يُبقى عليك في المسار الذي تم رسمه مسبقا دون أن تحيد عنه

تقوم الأحزاب والتنظيمات القائمة على أُسس دينية وعقائدية، مثل الإصلاح والحوثي في اليمن، باختطاف عقول الأفراد واغتصاب أفكارهم وحشوها لاحقا بكل ما تراه يتناسب مع مخططاتها

تتعهد تلك التنظيمات باستمرار بتعطيل العقول والحشو المستمر للأفكار الرجعية وحماية أفرادها من أي تنوير

كان ذلك يتم سابقا عن طريق اللقاءات الدورية ، لكن مع ثورة وسائل الاتصالات والتواصل الاجتماعي، صارت الجماعات الدينية تبث أفكارها عن طريق رواد التواصل الاجتماعي المنتمين لها

أصبح أولئك المشاهير بمثابة نقاط بث عالمية يتم من خلالها نشر تلك السموم بشكل علني مستفيدين من سقف الحرية على السوشيال ميديا

 بالعودة للحديث عن تأثير التأطير الفكري، فإنني اليوم انظر بغرابة كبيرة لكل تصرفاتي السابقة وأتعجب كيف كنت أتقبل تلك الأفكار

احاول ان اجد تفسيرا لكل الأشياء التي مررت بها ولا اجد الا تفسير واحد هو أنني كنت مختطفا فكريا

 لقد تم اقناعي بأشياء كثيرة لكنني اليوم اراها على حقيقتها لأول مرة

صرت اعتقد أن الله قد كشف عني (الغطاء) فأبصرت الأشياء بشكل صحيح

لقد ندمت شر ندم على المشاركة بما سمي ثورة 2011

لقد تم استغلال حماسنا من قبل الأحزاب، وعلى رأسها الإصلاح، اتخذونا مطية لتحقيق مآربهم واهدافهم، ويا لها من اهداف قبيحة يأتي على رأسها اسقاط (النظام) وهدم الدولة اليمنية الفتية

 الاصلاح الذي حظي في عهد الرئيس الراحل علي عبدالله صالح بكل شيء، فلم يكن هنالك في المنطقة العربية بأكملها معارضة حصلت على كل شيء مثلما كان للإصلاح

تعالوا نعدد أبرز ما كان يمتلكه الإصلاح في عهد الرئيس صالح وللقارئ أن يقارن هذه القائمة لما لديهم اليوم بعد ثورة الجشع التي قادوها:في الحريات الاعلامية، كانت لديهم منصات اعلامية كبيرة لا تحلم بها أي معارضة عربية ، كانت لديهم الصحف المطبوعة والمواقع الالكترونية الإخبارية وقناة إخبارية ناطقة باسمهم

في الواقع كان الإصلاح يسيطر على أغلب طلبة وخريجي كليات الإعلام  ويحولهم لاحقا الا مدافعين علنيين عنه وعن قضاياه أو الهجوم على معارضيه

 في العمل النقابي، كان للإصلاح نقابات موازية لنقابات الدولة وكانت تلك النقابات لديها مقرات وأعضاء وانشطة، في الواقع لا يمكن للعكس أن يحصل لو كان الاصلاحيون في السلطة وغيرهم في المعارضة والكل يعرف ذلك

 في المجال التعليمي، كانت العاصمة والمدن الرئيسية شبه مغلقة للإصلاح

كان لديهم المدارس الخاصة والمعاهد والجامعات الخاصة ودور الأيتام ومراكز التدريب والتأهيل والسكنات الطلابية والمخيمات الصيفية

ولمن يريد أن يعرف مقدار المؤسسات التعليمية التي امتلكها الحزب في العاصمة صنعاء فقط عليه الرجوع لأي إحصائية تقوم بنشرها مواقع الاصلاح الاخبارية بشكل دوري حول ما تم مصادرته عن طريق الحارس القضائي لمليشيات الحوثي

وليتذكر حزب الإصلاح بأن نظام الرئيس علي عبدالله صالح قد سمح بتأسيس جامعة تقوم بتدريس العديد من الأفكار المتطرفة في اليمن

لقد قامت جامعة الإيمان بتخريج مئات من قادة التطرف في اليمن والمنطقة العربية، كما عانى الكثير من طلابها من العزلة المجتمعية بعد أن تم حشو عقولهم بكل ما يخالف العادات اليمنية الأصيلة والتدين اليمني الوسطي، لقد تلقى أولئك الطلبة العلوم الشرعية على يد اساتذة متطرفين ومع ذلك فقد بقيت الجامعة مفتوحة حتى تم اجتياح العاصمة صنعاء من قبل ميليشيات الحوثي

 الاصلاح الذي امتلك زمام التعليم في اليمن سيرفع لاحقا شعار لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس، يشبه في ذلك من يقوم بتكسير أثاث منزله احتجاجا على تصرفات رئيس اتحاد ملاك العمارة

 في المجال السياسي كان للإخوان المسلمين في اليمن حزب سياسي وهو ما أصر علي عبدالله صالح على استمراره رغم أن أفكار الحزب كانت تتعارض مع مصالح اليمن الاقليمية

كان للحزب مقاره التي قام الحزب بتعطيلها وإخراجها عن وظيفتها الرئيسية والمتمثلة في نقل الوعي السياسي للمواطن وتمكين المواطنين سياسيا وتنمية العملية السياسية الوليدة، بدلا من ذلك تم تحويل تلك المقار الى أوكار لنشر الفكر الأخواني المستورد

في تلك المقار كان يتم تصنيف أفراد الشعب الى أخ مسلم واخ غير مسلم

 في المجال الفكري، كان الحزب يمارس أنشطته الإخوانية بكل حرية، وكانت الانشطة تتم في كل حي وقرية، وكانت المراكز الصيفية شبه مغلقة للإصلاح لنشر أفكارهم في الوسط الطلابي والسيطرة المبكرة على عقول الشباب

كما كانت المساجد والجوامع تدار بشكل كبير من قبل أئمة وخطباء ينتمون الى الحزب، وكانت أفكار الحزب المستوردة تبث عبر مكبرات الصوت في قلب العاصمة صنعاء وعواصم المحافظات والقرى

 اضافة الى ذلك، فقد امتلك الإصلاح، الجمعيات الخيرية التي كانت تقوم بجمع الأموال الطائلة دون أي شفافية حول مقدار تلك الاموال او مصارفها

كما كانت تلك الجمعيات تتلقى التمويل من دول أجنبية بإستمرار

 في المجال العسكري، كان لديهم جيش موازي لجيش الدولة وكان يسمى مجازا الفرقة الأولى مدرع وكان ضمن كشوفاته عشرات الالاف من الافراد الذين لا وجود لهم بشكل فعلي ضمن قوات الجيش لكنهم كانوا أعضاء في الحزب

من الأمور المضحكة في هذا السياق أن تقرأ بشكل مستمر منشورات اصلاحيين يتحدثون عن تسليم الحرس الجمهوري العاصمة صنعاء لمليشيات الحوثي في العام 2014 ويتناسون أن جهابذة الفرقة الأولى مدرع قد عملوا المثل مسبقا

لقد تبخرت كل تلك التشكيلات العسكرية الاصلاحية بأوامر تنظيمية

يومها تم تصوير ذلك الاختفاء بالفهلوة والذكاء والحفاظ على الأفراد

 سيتم لاحقا الزج بأولئك الأفراد ، مختطَفي العقول، في محارق حروب الدفاع عن الجمهورية تلبية لرغبة قادة الحزب بالدخول بتحالفات جديدة تحت قيادة قوات التحالف للحصول على مكانة سياسية جديدة

وسيقوم الحزب مجددا بخيانة الجميع بما فيهم التحالف، وسيقومون بخلق حروب جانبية بكل مكان، وسيخرجون معركة التحالف عن مسارها حتى تحتار العقول السياسية العالمية لما يحدث في المناطق المحررة

اضافة الى ذلك، سيتزعم الحزب الفساد في ما يخص التمويل العسكري وسيتم سرقة مخصصات الأفراد ومرتباتهم وسيتم بيع قطع السلاح في كل مكان حتى في أسواق القات، ثم يأتي من يستغرب حصول الحوثي على قطع اسلحة جديدة بإستمرار

وفي الأخير ستجد مشاهير الاصلاح في السوشيال ميديا يشنون حملات تحريض ضد المملكة العربية السعودية ودول التحالف وتصوير التحالف على أنه يحاول اطالة زمن الحرب في اليمن وأنها غير قادرة على الحسم

  بالعودة مرة أخرى لقراءة تسلسل الأحداث سنجد أن حزب الإصلاح وفي سبيل سعيه للوصول الى سدة الحكم بعد أن أحس بتناقص شعبيته سياسيا، قد سارع الى تأييد الخروج على الدولة ونظامها ومؤسساتها، ومن ثم قام بوضع يده بيد الحوثي الذي كان ما زال يقاتل الدولة اليمنية منذ العام 2004

لقد قام قادة الحزب الذين تفوق أعمارهم الخمسين عاما بتأييد عملية هدم الدولة وقاموا بالتحالف مع أكبر عدو للدولة اليمنية ومشاركته عملية الهدم، الدولة التي كانوا يحضون بها بكل الامتيازات التي ذكرناها سابقا

لقد أدركت أنا بان ذلك يعد خطأ كبيرا عندما بلغت الثلاثين من العمر، لكن قادة الحزب الذين تفوق اعمارهم الخمسين عاما خاضوا تلك المغامرة بقلوب تملأها الخيانة

لقد خانوا الوطن وخانوا كل ما كان بيدهم من نعم وحق عليهم قول الحق عز وجل لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ

 لازلت أتذكر كل ذلك التحشيد والتزييف للواقع عن طريق تضخيم المشاكل السياسية البسيطة وتصويرها على أنها نهاية العالم وأنه يجب انقاذ العالم من هذا الفساد قبل أن تقع السماوات على الأرض

 لقد قام الحزب عن طريق قنواته الإعلامية باستغلال حماس الشباب البريء، وتوجيه طاقاتهم الهائلة نحو السور الذي يحمي الدولة ليقوموا بهدمه

الدولة اللتي يمكن وصفها بالهشة نتيجة لأنها لا تزال دولة نامية في مقتبل شبابها، الدولة التي تنتظر من شبابها أن يسقي زرعها ويرمم جسدها الذي انهكته الحروب والصراعات طيلة الـ50 سنة الفائتة، الدولة اليمنية الفتية قد تعرضت لخيانة كبيرة من قبل قيادات حزب الإصلاح

بالنسبة لي، وهذا رأي شخصي، الحوثي هو عبارة عن عاقبة جاءت في نهاية العواقب أو النتائج، العواقب التي تلت القرارات الخاطئة قد أورثت الحوثي

كان الحوثي، وهو وريث الأئمة، منذ الستينات شبيه الفيروس الخامل المحتجز في حجر صحي وهكذا أبقت عليه الحكومات والقيادات المتعاقبة، وفي أوج ازدهاره خرج على الدولة وخاض حروب ستة ضدها

وفي 2011 رمى الاصلاح له طوق النجاة وفرش لمسلحي الحوثي الخيام في قلب العاصمة صنعاء

 لقد كنت شاهد عيان على المسيرات الحوثية اواخر العام 2011 و وخلال العام 2012 في العاصمة صنعاء

 كانت مسيرات منظمة تقام أسبوعيا بعد صلاة العصر يوم الجمعة، كانت الجماعة تجلب لتلك المسيرات آلاف المتظاهرين من محافظات صنعاء وعمران وصعدة

كان لاولئك المتظاهرون ميزة لا يمكن نسيانها

كانوا جميعا رجال ما بين الـ 25 الى 35 سنة ، مسلحين بالكلاشينكوف، يرتدون ملابس متشابهة

كانوا يتجمعون فيما عرف بساحة التغيير حتى تكتمل الأعداد ومن ثم ينطلقون في مسيرتهم المسلحة

كل هذا كان تحت سمع وبصر الإصلاح في مناطق العاصمة الواقعة تحت سيطرتهم حينها، وتحت حماية قوات الفرقة الأولى مدرع

تعود العواقب كما اسلفنا للقرارات الخاطئة، وأول تلك القرارات هو سماح الرئيس الراحل علي عبدالله صالح بإنشاء حزب ذا خلفية دينية، سيصبح هذا الحزب لاحقا وكيل الله في اليمن، وسيقنع أعضائه بأن المبادئ الوطنية تتعارض مع القيم الإسلامية ويقود أجيال تسخط على الوطن وتتناسى المعاني الوطنية الأصيلة

أجيال تعرف معلومات عن رموز الأخوان أكثر مما تعرفه عن أعضاء مجلس قيادة ثورة 26 سبتمبر 1992

يكفي أن يعرف القارئ أن الإعتقاد السائد الذي يتوارثه اعضاء الاصلاح والذي لا يرغبون أن يعرفه الأخرون هو اعتقادهم أن عملية اغتيال الرئيس ابراهيم الحمدي هي نصرة للإسلام

 لا يعتمد الحزب في اكتساب أعضاء جدد على انجازاته الوطنية، إنما يعتمد بشكل أساسي على العاطفة الدينية للشعب اليمني المتدين بطبعه

 بالطبع يكتشف العضو الجديد بعد فترة أن الذين كسبوه لصف الاصلاح بالتدين الظاهر ما هم الا بشر عاديون واغلبهم يؤخر الصلاة عن وقتها ولا يقرأون القرآن إلا في رمضان وفي مجالسهم التنظيمية

كان قرار الرئيس صالح بإنشاء حزب الاصلاح في العام 1990 هو من أجل تغليب كفته أمام كفة الشريك الجديد، الحزب الاشتراكي اليمني

القرار الخاطيء التالي، كان قرار الإصلاح الخروج على الدولة في العام 2011 ووضع يده في يد الحوثي بغية الوصول الى سدة الحكم عن طريق إسقاط نظام الدولة اليمنية

ما سيأتي تاليا ليس اإلا مجرد عواقب ونتائج لأهم قرارين خاطئين في تاريخ اليمن الحديث

 ~منير علوان~