هل يمكن أن يستخدم الحوثيون أسلحة كيميائية؟
منذ 2 أيام
تصدّرت جماعة الحوثي المدعومة من إيران العناوين منذ نوفمبر 2023، بعدما شنّت هجومًا واسعًا على حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وعلى الأراضي الإسرائيلية
غير أن الجماعة قد تكون بصدد المرور بمرحلة تطور مقلقة أخرى
ففي سبتمبر، اتّهم وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني الحوثيين بصناعة أسلحة كيميائية من مكوّنات تُهرّب من إيران
وقال إن المتمردين يمتلكون مختبرات سرية ينتجون ويختبرون فيها عوامل سامة وكيميائية وبيولوجية يعتزمون تركيبها على الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة
وجاءت هذه الاتهامات عقب تقارير قبل أسابيع أفادت بأن قوات الحكومة اليمنية صادرت شحنة أسلحة إيرانية تزن 750 طناً، تضم أسلحة كيميائية وتقليدية مموّهة على هيئة مولدات ومحولات كهربائية ومضخات هواء وأعمدة هيدروليكية
وحتى الآن، لم تؤكد الجهات الدولية أو المصادر المحايدة محتوى تلك الشحنة أو الغرض من الأسلحة الكيميائية المفترضة فيها
ورغم أن الحوثيين لم يستخدموا أسلحة كيميائية من قبل، فإن استخدامها في الهجمات الإرهابية له سوابق، خصوصاً في الشرق الأوسط
فبينما حظي استخدام الحكومتين السورية والعراقية لهذا النوع من الأسلحة باهتمام دولي واسع، فإن جماعات مسلحة غير حكومية في المنطقة تمكنت أيضاً من تطويره واستخدامه في مراحل سابقة
ومن بين هذه الجماعات، تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي يمتلك سجلاً في توظيف هذا النوع من السلاح، وقد حقّق في عام 2015 نقلة نوعية عندما جهّز نظام إطلاق قذائف بمواد حربية كيميائية
لكن كيف يمكن أن تبدو استراتيجية الحوثيين في مجال الأسلحة الكيميائية؟سيتعين على الجماعة بناء برنامجها الكيميائي حول عاملين رئيسيين: الخبرة التقنية وتوافر المكوّنات
ونظراً لحدود اليمن المترامية وشبكات التهريب الواسعة فيه، إضافة إلى استعداد إيران لتزويد حلفائها بقدرات غير تقليدية، فإن المسار الأكثر ترجيحاً أمام الحوثيين للحصول على المكونات يتمثل في اقتناء كميات كبيرة من السلائف الكيميائية ثنائية الاستخدام (مواد كيميائية صناعية أو زراعية يمكن استخدامها أيضاً لإنتاج عوامل سامة) أو الحصول على ذخائر سامة جاهزة من جهات خارجية
بعد ذلك، من المرجح أن تعمل الجماعة على تكييف تقنياتها الحالية، مثل الطائرات المسيّرة والصواريخ، لحمل المكوّنات الكيميائية السامة
ورغم أن ذلك يتطلب تجاوز عقبات تقنية وسلامة ولوجستية كبيرة، فإن هذه التحديات قد تُذلَّل إلى حد بعيد عبر الدعم الخارجي، سواء من خلال تزويدها بالمكونات أو الخبرات الفنية، مستفيدة من البنية الحالية لوسائل الإطلاق لدى الجماعة
إن تنفيذ استراتيجية كيميائية واسعة النطاق—بما في ذلك هجمات يمكن أن تؤدي إلى استمرار اضطراب حركة الملاحة—لن يكون مهمة يستطيع الحوثيون إنجازها بسرعة
فإنتاج العوامل السامة وتثبيتها ونشرها بفعالية عملية معقدة تنطوي على مخاطر حتى على الجهة المستخدمة
وبالنظر إلى أمثلة سابقة، لم يطوّر داعش قدرته الكيميائية إلا بعد تأسيس الخلافة في 2014، حين أتاح له ذلك الوصول إلى معدات مخبرية ومختبرات آمنة ومواد أولية
ورغم أن للحوثيين منطقة نفوذ غير متنازع عليها تسمح لهم بإنشاء هذه المختبرات، فإن اليمن لم يكن يملك قاعدة صناعية أو بنية علمية يمكن للجماعة البناء عليها
بالمقابل، فإن إيران—التي أرسلت في السابق مدربين فنيين للحوثيين—بدأت تطوير برنامج أسلحة كيميائية منذ عقود إبّان الحرب الإيرانية-العراقية
وبالنظر إلى هذه التحديات، فمن المرجح أن تكون الخطوة الأولى للحوثيين في مجال الحرب الكيميائية متمثلة في هجمات محدودة النطاق تستخدم آليات بدائية مثل عبوات كيميائية أو عبوات ناسفة بدائية الصنع مزروعة على الطرق أو محمولة على المياه أو السيارات
رغم بساطة هذه الوسائل، يمكن أن تكون آثارها كبيرة
فحتى إطلاق محدود لمواد كيميائية صناعية سامة أو عوامل مصنّعة، وهي مواد تُتداول بشكل شرعي في الزراعة والصناعة والطب، قد يثير الذعر ويسفر عن إصابات بين المدنيين
كما أن استعداد الجماعة لاستهداف السفن التجارية والبنية التحتية للموانئ قد يضيف بُعداً بالغ الخطورة
فاستخدام حتى سلاح كيميائي بدائي ضد سفينة تجارية أو ميناء—وهما بيئتان مزدحمتان وصعبتا التأمين وتعملان وفق قواعد اشتباك تجارية—يمكن أن يشكل خطراً كبيراً على الطواقم والعمال، وقد يؤدي إلى إغلاقات مطولة وإخلاءات جماعية وعمليات إنقاذ وإزالة تلوث متعددة الأطراف
وكل ذلك ينعكس في ارتفاع تكاليف التأمين، وتحويل خطوط الملاحة، وتعطيل تدفقات المساعدات، وربما إغلاق مؤقت لمضايق استراتيجية، بما يخلّف اضطرابات طويلة الأمد في سلاسل الإمداد العالمية
كما أن تحديد المسؤولية في البحر أكثر صعوبة، ما يجعل الردع والتحرك الدبلوماسي السريع أمراً معقداً
وفي مواجهة الشبهات حول تطوير الحوثيين لأسلحة كيميائية، يتعين على المجتمع الدولي الضغط على الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية للتحقيق في هذه الادعاءات ودفع الحوثيين نحو مزيد من المساءلة
وبالتوازي، ينبغي للولايات المتحدة وحلفائها من القوات البحرية العاملة في المنطقة تعزيز عمليات اعتراض شحنات الأسلحة المشتبه بها عبر دوريات بحرية منسقة وتفتيشات للموانئ، مع توسيع نطاق تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول والجهات التجارية، وزيادة مرافقة القوافل الضعيفة ومراقبتها
كما يتعين إعطاء الأولوية لرفع مستوى الجاهزية الطبية في اليمن والدول المجاورة، وتخزين المعدات الوقائية والتدابير المضادة، وتدريب المستجيبين الأوائل وفرق السفن على التعامل مع الحوادث الكيميائية
إن احتمال تحرك الحوثيين نحو امتلاك قدرات كيميائية—وما يرافقه من مخاطر إضافية تهدد التجارة البحرية والسكان الساحليين—يمثل مؤشراً بالغ الخطورة يستدعي اهتماماً عاجلاً ومركزاً
ورغم صعوبة الانتقال من مكوّنات ثنائية الاستخدام مُهرّبة إلى أسلحة كيميائية فعّالة، فإن الهجمات الصغيرة قد تكون كفيلة بإيقاع آثار مدمرة على السكان اليمنيين الضعفاء، وحلفاء الولايات المتحدة الإقليميين، والملاحة الدولية
عن الكاتبة:إميلي ميليكن هي نائبة مديرة مؤسسة N7 ومحللة متخصصة في شؤون اليمن وأمن الخليج
وهي أيضاً خبيرة صاعدة في برنامج الشرق الأوسط التابع لـ الشباب المتخصصون في السياسة الخارجية