واقع تدريس الإعلام بجامعة عدن.. «تعليم تقليدي» في «أطر نظرية»
منذ سنة
عدن – ريا المزاحمي يقول”جوزيف بوليتزر”: “إن الصحافيين الذين لا يتعلمون مهنتهم في كليات علمية يتعلمون مهنتهم على حساب الجمهور”
“وإذا ظلت كليات الإعلام في الجامعات العربية تمارس التهميش في عملية تدريس طلابها؛ فإن الطلبة سيتعلمون المهنة على حساب الشعب المغلوب على أمره”
“كما سيظل الإعلام العربي أسيرًا للقيود، خاليًا من أصول الصحافة”
وجدنا حقًا قيمة مقولة “جوزيف بوليتزر” أثناء رحلتنا الشاقة، التي جمعتنا بخريجي قسم الصحافة والإعلام بجامعة عدن خلال الأعوام الماضية
كما وجدنا الكثير منهم يتعلم المهنة في ميدان العمل الإعلامي، منكرين ما تعلموه خلال رحلة السنوات الأربع، وأن شهادة البكالوريوس ماهي إلا “وثيقة ورقية جائعة”
أو بحسب ما وصفوها بجواز سفر يتم من خلاله دخول عالم الصحافة، مؤكدين أنهم في الوهلة الأولى يتعلمون أصول وأساسيات المهنة من الميدان
دراسة علمية دراسة بحثية بعنوان “تحديات التعليم الإعلامي بالجامعات اليمنية، دراسة حالة كلية الإعلام بجامعة عدن” -المقدمة ضمن مشروع زمالة معهد الجزيرة للإعلام، هدفت إلى الكشف عن أبرز التحديات والمشاكل التي تواجه تدريس الإعلام في الجامعات اليمنية-
حيث أظهرت الدراسة أن نسبة الخريجين الذين أكدوا أنهم لم يحصلوا على معلومات ملائمة للعمل الصحفي أثناء رحلتهم الدراسية، بلغت 85 %
وأن هذه النسبة تتعلم أساسيات للإعلام في وظائفهم يتعلمون، بينما شكلت نسبة مؤيدي ملائمة المعلومات الدراسية نحو 15% فقط
تضييع وقتسألنا “حنان فضل”، (30) عامًا، -خريجة منذُ 2015- عن واقع تدريس الصحافة والإعلام بجامعة عدن، وما جمعته من معلومات خلال رحلتها الدراسية فقالت: “آه، لو يرجع بي العمر، لما ضيعت أوقاتي في قاعات قسم الإعلام الذي لم يعلمني حتى كيفية اختيار عنوان لمقالة أو خبر صحفي”
وتضيف: ما تعلمته خلال الأربع الأعوام حشو، لم يقدم لي شيئًا عن ممارسة المهنة، والآن أتعلم المهنة من وظيفتي وعملي في الميدان
“حنان” لم تكن الوحيدة بل هي قطرة من بحر الإعلاميين الذين خذلهم واقع تدريس الصحافة في قسم الإعلام كلية الإعلام جامعة عدن خاصة، واليمن عمومًا، وإن اختلف مستوى المعاناة من طالب إلى آخر، ومن جامعة إلى أخرى
المناهج الدراسية
حشووعلى الرغم من التطور الهائل في التكنولوجيا، والتحولات العملاقة في حقول الاتصال الجماهيري، وما يشهده العالم من تقدم إعلامي، والذي بدوره يقود إلى تحولات جذرية شاملة في العملية الاتصالية والإعلامية ونظم تعليم الصحافة في المجتمعات الغربية، إلا أن تعليم الصحافة في اليمن، وحتى العالم العربي بأسره، لايزال حبيس التقليد والمناهج القديمة، في ظل مجتمعات مهيمنة لا تؤمن بالتنوع والابتكار والتغيير
المناهج الدراسية وغياب المبادرات والمطالبة بالتغييرالمناهج الدراسية لطلاب الإعلام حشو متراكم من القواعد التقليدية القديمة حسبما وصفها خريج هذا العام “جابر السعدي”
ويزيد: فالأعوام الأربعة لا ندرس إلا نفس الحشو، وذات المخرجات والمعلم، اللهم لا تتغير سوى المادة بشكل موسع كلما تقدموا من مستوى إلى أخر
غياب الجانب العملي في المناهج الدراسية والتركيز على الجانب النظري يأتي في مقدمة تحديات التعليم الإعلامي
حيث شكلت نسبة 85 % وفقًا لبيانات البحث نفسه، تليها قِدَم المناهج الدراسية وعدم مواكبتها للتطورات العصرية والتي شكلت نسبة 77
8%، ثم أسلوب التدريس التقليدي الذي لا يشجع الطالب على الحوار والنقاش 76
8
ويتذمر “السعدي”: لم نتعلم يومًا عن كيفية معالجة الأخبار، أو كيف نبرز كصحفيين في ساحة الميدان، أو حتى كيف نحمي أنفسنا حين نتعرض للخطر”
قصور وعدم مواكبة في نفس السياق، يرى الباحث في مجال الصحافة وتطوير الإعلام الصحفي “بسام غبر” أن المناهج الدراسية لكليات الإعلام في اليمن تحتاج للكثير من الجهد والمبادرات لتجديد وخلق روح جديدة
فهناك قصور وعدم مواكبة للمتغيرات التي فرضتها التكنولوجيا، والمجالات الحديثة على مجال الإعلام، وفرضت عليه حقول وتقنيات عصرية لم توليها جامعات الإعلام اليمنية أي اهتمام
هنا فإن أسباب القصور وعدم العصرنة؛ تعود إلى التقليدية المسيطرة على طبيعة القائمين على هذا المجال، وعدم الإيمان بهذه التغيرات، والاستمرار على شيء معين دون الولوج إلى عمليات تفرضها المتغيرات، حسب “غبر”
ويتابع: تلك التشوهات المعقدة فرضتها معوقات ومسببات هلى واقع تدريس الصحافة والإعلام في كلية الإعلام بجامعة عدن -والتي لم يمض ِ عليها أكثر من ثلاث أعوام لتصبح كلية مستقلة، منذ تأسيسها عام 1998 كقسم صغير تابع لكلية الآداب
ذلك جعلها وسمًا على جبين خريجي الصحافة والإعلام، كالأسلوب التقليدي، المناهج والخطط القديمة، غياب السياسة الواضحة في عملية قبول الطلبة في أقسام الإعلام، وفق “عبر”
بالإضافة إلى عدم استخدام الإنترنت في التعليم، وغياب الإبتعاث الخارجي، وعدم الاهتمام بالتدريب الإعلامي؛ جميعها تكالبت لتشكل أزمة خانقة في تعليم الصحافة والإعلام
كادر غير مهني علاوة على أن الكثيرين يرون أن الافتقار إلى الكادر الأكاديمي المهني، سببًا مهمًا في رداءة تدريس الصحافة، فمن النادر أن يترك صحفي ناجح عمله في وسيلة صحفية ويتفرغ لتعليم الطلاب أصول المهنة، يقول “عبر”
أضف إلى ذلك فإنا نجد الصحفيين الكبار والمتمكنين في الصحافة لا يرتبطون بعمل أكاديمي؛ لضعف إمكانيات أقسام الإعلام المادية، فيفضل الصحفي العمل خارج إطار التعليم بالكلية؛ لما يوفر له من فرصة دخل أكبر
ويعود “غير” إلى مشكلة الكادر الأكاديمي، ويشير إلى الجمود في تعليم الصحافة في كلية الإعلام جامعة عدن، حسب رأي الخبراء؛ يرجع إلى ضعف أداء المعلم
فأغلبية معلمي الإعلام غير متخصصين في الإعلام، وإن وجد المتخصصين نجدهم معيدين وخريجي سنوات سابقة، فنادرًا ما نجد من يحمل شهادة الدكتوراة في الصحافة والإعلام، حد تعبيره
حيث يأتي تحدي إسناد المواد الإعلامية إلى مدرسين غير مختصين في الترتيب العاشر بنسبة 71
5 % من التحديات، وفق الدراسة المشار إليها أعلاه
غياب المبادرات وحسب الكثير من الخبراء، فإن واقع التخاذل الذي حُضي به حال تدريس الصحافة في كليات الإعلام في اليمن أتى من جميع الاتجاهات، الحكومية والمدنية والدولية
ولأكثر من 20 عامًا لم يتدخل أي طرف في معالجة واقع تدريس الصحافة وما تمر به من تحديات
ولن يبادر أي طرف في معالجة أو الحد من التشوهات التدريسية، حتى باتت قضية واقع تدريس الصحافة في اليمن خاصة والوطن العربي عامة أزمة وقف عندها الجميع بصمت مخزي
يقول “محمد” -طالب مستوى ثالث-: (نريد خطوة في البلدان الشقيقة حتى يتم تطبيقها في اليمن، نريد تحركات ومبادرات نقوم بتقليدها)
وعلى الرغم من مكانة الإعلام الكبيرة، وما يحضى به عند الكثير من الدول، فإننا نلمح تلك المكانة المهمشة في اليمن، ويتبين ذلك التهميش من عدم السعي والمساهمة في تحسين واقع تدريسه من خلال المبادرات والمطالبة بالتغيير
ذلك التخاذل على مستوى الوطن العربي ككل، فالمبادرة الوحيدة- التي وجدتها في إطار هذا البحث كانت منذُ 15 عامًا، أطلقتها “اليونسكو” بالتعاون مع جامعة القاهرة عام 2011، وهي مبادرة صغيرة لتقييم أداء كليات الصحافة المصرية، ولم نسمع عن نتائجها إلى يومنا هذا
بالإضافة إلى تلك الحركة الاحتجاجية التي قام بها مجموعة من الطلبة قبل أكثر من (15عامًا) في إحدى جامعات الصحافة والإعلام الأردنية التي كانت بعنوان “نريد منهجًا جديدة؛ لتعليم الصحافة، وتعليمًا جديدًا، وأساتذة جدد”
تشير الحركة -التي كسرت حاجز الصمت، وكانت من المبادرات التي قد تكون الوحيدة، للمطالبة بجودة التعليم في كليات الصاحفة والإعلام، إلى حجم معاناة أزمة تعليم الصحافة والإعلام في الجامعات الأردنية التي تعد من أفضل الجامعات العربية في كثير من المؤشرات، فما بالك بحجم هذه الأزمة في الجامعات اليمنية؟
غياب التحديث يعتقد “غبر” مرة أخرى أن المراجعة في أسس نظم تعليم الصحافة والإعلام في الكليات؛ تكشف أسباب التحديات التي تواجه تطوير مهنة الإعلام في اليمن، وحجم الفرص الضائعة التي كان من المفترض أن يساهم التعليم من خلالها في تطوير مهنة الصحافة، والكادر الإعلامي معًا
ويضيف: يجب أن تخضع الخطط الدراسية تقليدية للتحديث بعين الاعتبار، فما زالت الخطط الدراسية في أقسام كلية الإعلام في اليمن حبيسة الماضي، غير محدثة بما يستجيب للتطور الذي شهده علم الصحافة والإعلام، ولم تستجب للتطور الكبير في تكنولوجيا الاتصال
ويعتبر التركيز على المعرفة النظرية على حساب التطبيق من أهم الأسباب التي جعلت تعليم الصحافة رديئة الجودة، إذ تركز الخطط الدراسية على الأطر النظرية، فيما لا تتجاوز المهارات التطبيقية في أحسن الأحوال 4 %، ما ينعكس سلبًا على نوعية الخريجين وقدرتهم على المنافسة في السوق الإعلامي
وذلك يسبب ضعف الاستجابة للتجديد والتكيف مع التغيير والاندماج السريع مع التكنولوجيا وبيئات الأعمال الجديدة؛ ما ينسحب على ضعف انفتاح كليات الإعلام على وسائل الإعلام الوطنية والإقليمية والاتصال بها
رؤية وحلولبحثًا عن الحلول، وبالنظر إلى التحولات الديمقراطية والرقمية التي حدثت للعالم مؤخرًا، وكشفت لليمن عن تلك الفجوة المهنية، والأزمة الأخلاقية، وضعف الصحفيين في استخدام الأدوات الرقمية؛ يقترح الدكتور في علم النفس بكلية الآداب “عبدالله عبدالخالق” الحل لردم تلك الفجوات، بإصلاح نظم تعليم الصحافة والإعلام؛ لأنها تعد الأساس والمستقبل
حيث لفت إلى أن ما يشهده اليمن اليوم من تراجع في المستوى الإعلامي؛ ما هو إلا نتاج تعليم منحط وجامد، وعلى مقولة المثل العربي “من جد وجد ومن زرع حصد”
ويشير”عبد الخالق” إلى أن الأهداف التي يجب على جامعات الإعلام اليمنية أن تطمح للوصول إليها بكل بساطة في تحديث أسلوب التعليم بما يتناسب مع متطلبات العصر والتكنولوجيا
ولا يكون ذلك إلا بالاندماج في العالم الرقمي، والحرص بدقة على تعليم أصول الصحافة في القيم والأخلاقيات المهنية، وسلامة المهنة
ويضيف: “المحاولة الدائمة لإحداث تغييرات في الخطط الدراسية، بما يتوافق مع احتياجات المجتمع، والتغييرات التكنولوجية في مجال التدريب والاتصال بما في ذلك العالم الرقمي”
مع التركيز على الجانب العملي في التخصصات المختلفة سيثمر إعلاميا بشكل ملحوظ، حيث وإن الكادر اليمني جدير بتحقيق الإنجازات فهو سباق إلى القمم، بحسب الدكتور عبدالخالق
ويوضح ضرورة تنسيق كليات الصحافة والإعلام في اليمن مع بعضها البعض، وتبادل الزيارات لمحاضري أقسام الإعلام مع الجامعات الأخرى، لفتح المجال أمام الخبرات المهنية والتدريسية والإطلاع على تجارب جامعات العالم في مجال الإعلام
وكذا الاهتمام بالمنح والبعثات الخارجية لحملة الماجستير والمتفوقين من حملة البكالوريوس بتنويع ابتعاثهم بين الجامعات العربية والأجنبية؛ لأنه يعود بكادر مؤهل يساهم في تحسين الجودة الإعلامية، وظهور إعلام البلد بمستوى راقي
تدقيق واختيار وعن اختيار طلاب الإعلام يرى “محمد علي” -خريج حاصل على المرتبة الأولى، الدفعة 22 صحافة وإعلام- أن من الضروري على كليات وأقسام الصحافة والإعلام اختيار طلابها بعناية؛ ذلك لأنهم سيسببون أزمة إعلامية في المستقبل إضافة إلى هشاشة التعليم في البلد
ولذلك يجب اختيارهم طبقًا للمعايير المهنية، وضرورة إجراء مقابلة شفوية وتحريرية، مع الأخذ بالاعتبار كلا من الهيئة والثقافة، واللغة
ويقترح “علي” أنه يجب على أستاذة الصحافة والإعلام النظر في موضوع تغيير أسلوب الاختبارات والامتحانات الفصلية من أسلوب الأسئلة الموضوعية والمباشرة إلى الأساليب التحريرية وتصحيح الأخطاء، ويذكر مثال لذلك
كأن يأتي معلم المادة بحدث قصير، ويطلب من طالب الإعلام إعادة تحريره، أو كتابة عنوان للحدث، أو كيف يحرره لوسيلة مقروءة وكيف يحرره لوسيلة إلكترونية”
اكتشاف الواقع
حق للطالبيدافع الصحافي “بديع سلطان” عن حق طلاب الإعلام في اكتشاف واقع الإعلام الحقيقي في الممارسة الفعلية للمهنة، وضرورة ربط كلية الإعلام بالمؤسسات والمعاهد الإعلامية بالصحف ومواقع الأخبار؛ لاكسابهم الخبرات العلمية الضرورية، والتنسيق لهم بدورات إعلامية مع منظمات محلية ودولية،ويطالب “سلطان” بتوفير قاعات خاصة بطلاب وطالبات الإعلام، تتوافر فيها إمكانات التدريس من وسائل تعليمية وظروف بيئية وصحية جيدة؛ فقد تسرب كثير من الطلاب من قاعات الدراسة والامتحانات بسبب انقطاع التيار الكهربائي تزامنًا مع مناخ البلاد الحار
96
2% هي نسبة الخريجين الذين اقترحوا تحسين وتطوير العملية التعليمية للإعلام وفق بيانات البحث المذكور سلفًا، بينما شكلت نسبة انتقاء كادر تعليمي مؤهل 95
6%
ويتذكر عدد من الصحفيين استطلع التقرير آراءهم حجم المعاناة التي يمرون بها أثناء دراستهم، ويطمحون بمستقبل صحافة أفضل للأجيال القادمة من ناحية التدريس، والحرية، والتطوير المستمر لمساقات تدريس الإعلام، بما يواكب التطورات التكنولوجية العالمية الحديثة
ويختمون حديثهم بأمنية، مفادها ألا تتعلم الدفع القادمة مهنتهم الصحفية على حساب الجمهور، فتتحقق مقولة “جوزيف بوليتزر” مرة أخرى، نريد للدفع القادمة أن تتعلم مهنتها على حساب كليات الصحافة العلمية بطرق حديثة وأسلوب حديث”
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير