يحيى الحمادي : (الموتُ عافيةُ الحياة).. قصيدة في رثاء شاعر اليمن الكبير عبدالعزيز المقالح

منذ سنة

  (الموتُ عافيةُ الحياة)  ----------------------------------وَدِّع (خُزَيمةَ) فالزّمانُ غُثاءُلا فيه لا (أَحَـدٌ) ولا (ثلثاءُ)* وَدِّع خُزَيمةَ

فالقصيدةُ صَخرةٌبين الضلوعِ، وزَفرةٌ شَعثاءُ وأَعِر فؤاديَ مُقلتَيكَ فقد أَتىزمَنُ الرِّثاءِ

وما لَدَيَّ رِثاءُ لُغَتي بَكَيتُ بها عليكَ، وغَيمتييَبِسَت، وكُلُّ رَوَاعِدي خَرساءُ وفمِي يُصِيخُ معي إذا استَنطقتُهُويكادُ يَنطِقُ في عيوني الماءُ والدّمعُ أفصَحُ مَن يقول قصيدةًلا يَستطيعُ بُلوغَها البُلغاءُ والصَّمتُ أَبلَغُ ما يُقالُ إذا بَداأنَّ الفصاحةَ والبكاءَ سَواءُ والمَوتُ عافيةُ الحياةِ لِدائِهاولقد يكون مِن الدّواءِ الداءُ ما في الحياةِ لِأَهلِها مِن مأمَنٍوالموتُ خلفَ ظهورِهِم عَدَّاءُ خُلِقَ ابنُ آدَمَ كي يَمُوتَ

وحِكمةُ الــخَلّاقِ ليس أمامَها استِثناءُ لكنَّ بَعضَ الموتِ يُولَدُ ميِّتًالِيُكافَــأَ الشُّهداءُ والشُّعراءُ   لا تَعرِفُ الأَوطانُ قدرَ رجالِهاإلَّا وقد حَمَلَتهُمُ الحَدباءُ ***** يا شاعرَ اليَمنِ الكبير

مُصابُنـاجَلَلٌ بفقدِكَ، والقلوبُ هَواءُ وكأنّ طَعمَ الموتِ قبلَكَ لم يكنمُــرًّا، ولا لِكُؤوسِهِ سَقَّـاءُ وكأنَّ يومَ الفقد لم يَكُ تاركًاهذا الظلامَ يَصُولُ حيثُ يَشاءُ يومٌ أَطَلَّ مِن القيامةِ حارقًاوالشّمسُ خلفَ دُخَانِهِ عَمياءُ هَبَطَ الظلامُ به، فأغطَشَ نورَهُوطوى الصَّباحَ -إلى المَساءِ- مَساءُ وتلفَّت المَشّاءُ فيه كأنهلِوَداعِ أوَّلِ راحلٍ مشّاءُ ورَمَى بمقعَدِهِ اليَقينُ، فلم يعدبين الحقيقةِ والخَيالِ جَفاءُ يا يومَ فقدِك

والبلادُ كأنهاجسدٌ تَطِيرُ بروحِهِ الأَنـباءُ عَبَثًا تُكذّبُ ما يُشاعُ

وكلّمانظرَت إليكَ أَصابَها الإغماءُ وتُفيقُ فارغةَ الفؤادِ، وما لهالُغةٌ تَنُـوحُ بها ولا إِِصغاءُ أَلِفَت حُضورَكَ

غائبًا، أَو حاضرًاأمّا الفِراقُ فإنه لَـبَلَاءُ ما كان فقدُكَ فَقدَ فَردٍ وَاحدٍحتى يَسدَّ فراغَـهُ البُدَلاءُ أو كان فَقدُكَ فَقدَ بَيتٍ وَاحدٍليُقامَ فيه سُرادِقٌ وعَزاءُ  في كُلّ بيتٍ مُذ رحلتَ مناحةٌوبكلِّ قلبٍ خَيمةٌ سوداءُ بك مَن نُعـزِّي يا عَزيزُ، وكلنامُهَـجٌ يُراحُ بنَـعشِها ويُجاءُ ومَن الحَرِيُّ به العَزاءُ؟ وكُلُّ مَنفوق الترابِ وتَحتَهُ أَبناءُ وَسِعَت أُبوّتُـكَ الجَميعَ

فأينماولَّيتَ وَجهَكَ مأتمٌ وبُكاءُ ***** يا أيُّها العَلَمُ الكبيرُ، وأيُّها الــقلمُ المنيرُ، وأيُّها المِعطاءُ ها قد رَحلتَ كما يَلِيقُ بشاعرٍللدّهرِ خلفَ نشيدِهِ إِطراءُ وكما يَليقُ بثائرٍ لِيَديهِ فيوَجهِ الجدارِ قصيدةٌ نَجلاءُ وكما يليقُ بزاهِدٍ نُسِيَ اسمُهُمِن فرطِ ما ارتفعَت به الأسماءُ ها قد رحلتَ وأنتَ أَنصَعُ صَفحةٍفيها لكلِّ فضيلةٍ إمضاءُ وأدَرتَ ظَهرَكَ للحياةِ، ولم تكنممّن يُسِيءُ لأجلِها ويُساءُ ما كنتَ إلّا بالبَساطةِ شامخًافالأَنبياءُ جميعُهم بُسَطاءُ يا ليت مَن بَلَغُوا عُشَيرَ فضيلةٍممّا بلَغتَ تواضَعُوا وأفاؤُوا فالعِلمُ يُوشِكُ أن يكون نَقِيصةًإن لم يَزِنهُ تواضعٌ وحَياءُ اللهَ يا قمرَ البلادِ وشَمسَهاكم أنتَ وَحدَكَ حاضرٌ ومُضاءُ اللهَ يا (عبدَالعزيزِ)

ألَا تَرىأنَّــا الفقيدُ

وأنكَ الأحياءُ ما كان فقدُكَ في (السّعيدةِ) فادِحًاإلَّا لأنّ وُجودَكَ استِثناءُ موتٌ كَمَوتِكَ لن يدومَ

لأنهلا مَوتَ يَغلِبُ مَن له قُـرَّاءُ فالمَوتُ عند ذَوِي السّطورِ وِلادةٌوالموتُ عند ذَوِي القصورِ فَناءُ ومقاعِدُ التاريخِ ليس يَنالُهامتطفلٌ صَعَدَت به الغوغاءُ يَتهافَتُ الزُّعماءُ نحو فنائِهموإلى الخلودِ يُحَلِّقُ العظماءُ ***** يا أَروَعَ ابنٍ لِلبلادِ؛ ويا أَبًـايَلقى بَنِيـهِ كأنهم آبــــاءُ  أنفَقتَ عُمرَكَ للنضالِ، كأنهدَينٌ عليكَ معجَّلٌ وقضاءُ ومَنَحتَ شعبَكَ فوق طاقةِ شاعرٍكسَرَت عَمُودَ شبابِهِ الأعباءُ ولِحَقِّ أُمتِّكَ الكبيرةِ لم تكنممّن هواهُ لِأَجلِها أَهواءُ ما كان أَسهَلَ أَن تُباعَ وتُشتَرىفالشعرُ بَيعٌ عندها وشِراءُ لكن مثلَك لا يَخونُ ضَميرَهُمهما أصابَ وأخطَأ النظراءُ للهِ عُمرُكَ وهو يَبدأ رحلةًللشعرِ ما لِكنوزِها إنهاءُ للهِ فكرُكَ وهو يُشعِلُ شَمعةًتفنى النجومُ وما لها إطفاءُ للهِ صَبرُكَ وهو أثمنُ ثروةٍلا اليأسُ فاز بها ولا الإقصاءُ كَذَبُوكَ إذ قالوا يَئِستَ، وما دَرَواأنَّ التلذُّذَ بالبكاءِ غِناءُ فمِن الغُروبِ يُطلُّ وَجهُ ولادةٍومِن الرّمادِ تُحلِّقُ العَنقاءُ وتَشابُهُ الأشياءِ يَخلِطُ بينها (وبِضدّها تتميّزُ الأشياءُ) واحَسرتاهُ على شُموسِكَ إن تكنسَطَعَت لِيَقرأَ ظِلَّها البُلهاءُ دعهم يَخُوضوا في الغَباوةِ جَهدَهمفمع الغَباءِ يَجوزُ الاستِغباءُ واعبُر كعادتِكَ الأنيقةِ باسمًاإنّ السكوتَ عن الهِجاءِ هِجاءُ وانعَم بنومِكَ، إن شِعرَك مالِئٌسَمعَ الزمانِ

وكلُّنا أصداءُ سَنظلُّ نَفخَرُ أنَّ أجملَ صفحةٍفي شِعرِنا: (التقديمُ، والإهداءُ) ونَظلَّ نَشهَدُ أنَّ كلَّ قصيدةٍقُرِئت عليكَ: قصيدةٌ عَصماءُ (مَن نحنُ؟! عُشّاقُ النهار)، وما بنالخُرافةٍ ظمأٌ ولا استِسقاءُ (سَنظلُّ نَحفرُ في الجِدارِ) وكلُّناأمَلٌ بيومِ سقوطِهِ ورَجاءُ ما الشّعرُ إلَّا أن يكون مُخلِّصًاأمَّا الكَلامُ

فكلّنا أُمراءُ والشاعرُ الإنسانُ رَبُّ قضيةٍولِكلِّ رَبِّ قضيّةٍ أعداءُ وقضيّةُ اليَمنيِّ جُمهوريّةٌيمنيةٌ، ووَلاؤُهُ استِفتاءُ لا حُكمَ إلَّا للبلادِ وأَهلِهاوسوى البلادِ وأهلِها غُرباءُ 

 يا صاحِبَ القلبِ الكبيرِ، أمَا لنابعد اغترابِكَ موعدٌ ولقاءُ! (لا بُدَّ مِن صَنعاءَ) قلتَ، ولم تَغِبفمتى تَعودُ لنفسِها صنعاءُ! ----------------------------------*- (خُزيمة): اسم المقبرة التي ووري فيها جثمان الفقيد الطاهر

 *- (الأحد والثلثاء): يومان كان الدكتور المقالح رحمه الله يلتقي فيهما بالمبدعين والمهتمين بالأدب والفكر

  #يحيى_الحمادي