“أمهات معيلات” في زمن الحرب

منذ سنة

في قلب المدينة المحاصرة تعز، تدور معركة صامتة تعاني فيها أسرة بلا معيل من آلام الفقر والحاجة الماسة

تُعد تعز واحدة من المدن الأكثر تضررًا من الحرب، وهذا ما يزيد من صعوبات الحياة للأسر التي تعيش دون مُعيل

تروي قصة أسرة الحسيني الواقع المرير

تتألف الأسرة من أم وثلاثة أطفال صغار، يواجهون صعوبات متعددة في سبيل البقاء وتلبية احتياجاتهم الأساسية

بعد أن فقدوا والدهم في الحرب، لم يتبقَّ لهم سوى الأمل الضئيل والإرادة القوية لمواجهة التحديات

الأم، أسماء العبسي (35 عامًا) تجد نفسها في موقف صعب، حيث حملت على عاتقها رعاية أبنائها الثلاثة، بعد أن فقدت زوجها في 2018 في إحدى جبهات مدينة تعز، ما جعلها في قلب معركة الخدمات التي يجب أن توفرها لتربية الأطفال

أسماء واحدة من آلاف النساء في اليمن عامة وتعز خاصة، اللاتي وجدن أنفسهن في مقام الأب والأم معًا، لتعويض فقدان معيل الأسرة  في الحرب الدائرة منذ ثماني سنوات

وصل عدد الأسر التي تعيلها نساء في عموم اليمن، نحو 26% من إجمالي الأسر النازحة المقدر عددهم 4

3 مليون شخص، تعيلها نساء، مقارنة بـ9% قبل بدء الصراع في 2015، نتيجة فقدان المعيل الرجل في الحرب، حسب تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان في أبريل 2022

وبالرغم من هذه الزيادة لا تزال المواقف الاجتماعية تجاه المشاركة الاقتصادية للمرأة وتنقلها على ما هي عليه بدون تغيير، حسب المصدر نفسه

تعد مهمة توفير مستلزمات العيش الأساسية في هذه المرحلة، أمرًا في غاية الصعوبة، يعجز عنه معظم الرجال ذوي الدخل الشهري، لغلاء أسعار المواد الغذائية وإيجارات المنازل، وهي تحديات تواجه أسماء ومثيلاتها بشكل مضاعف، إلى جانب مسؤولية رعاية الأطفال

يقول ابنها محمد ذو الـ14 عامًا: ”أمي عانت كثيرًا في قيامها بدور الأم والأب معًا، تكابد كل يوم كي لا نشعر أن فقدان أبي أحدث فارقًا كبيرًا في حياتنا، لكننا جميعًا حُرمنا من الشعور بالأمان”

أثر فقدان الأم شعور الأمان، على حياة أطفالها الطبيعية، فلا يمكنهم اللعب بحرية في الحي مثل الأطفال الآخرين بسهولة، “أشعر بقلق دائم على حياتهم، لم أستطع التخلص من صدمة فقدان زوجي، الأمر الذي انعكس على تعاملي مع أطفالي، خوفًأ لفقدانهم أيضًا”، تقول أسماء في حديثها لـ”المشاهد”

تعيش أسماء قلقًا متواصلًا في كيفية توفير متطلبات الأطفال التي لا تنتهي، طعام وغذاء وملبس وتعليم وصحة، كلها أمور لا تنفك عن ملاحقتها باستمرار في عملية أشبه بالركض داخل عجلة دائرية لا نهائية الحركة

يمثل فقدان الأب أكبر التحديات التي تواجه الأسر اليمنية، وتجعل منهم أكثر الفئات الاجتماعية معاناةً، لما يتركه غياب الأب من فراغ في حياة الأسرة، وفي مواجهة مع مستقبل مجهول

يزيد الوضع الإنساني في مدينة تعز المحاصرة منذ نحو تسع سنوات، الأمر تعقيدًا على الأسر التي فقدت المعيل، محدثًا تأثيرًا مباشرًا في شتى مجالات الحياة، ماديًا ومعنويًا

لم تقف أسماء مكتوفة اليدين، تجاه الظروف الصعبة المحيطة بها، لذا توجهت للعمل في مجال الخياطة لتغطية الفراغ الذي تركه الأب وإعالة أسرتها

تقول أسماء باعتزاز: “لا أريد أن يشعر أطفالي بالحرمان والنقص أمام الآخرين، ولا أن أجعل منهم متسولين أمام أبواب الآخرين”

أسماء واحدة من الأمهات اللاتي لم يستسلمن للأوضاع التي وجدت نفسها فجأة في مواجهة مباشرة معها، تقول زميلتها أمينة: “أصبحت أسماء تلك المرأة الحديدية التي يضرب بها المثل كإحدى النساء اللاتي وقفن بقوة في وجه التحديات، وتغلبت عليها”

تقيم أسماء اليوم محاضرات توعوية للنساء االلاتي فقدن المعيل، تنقل فيها تجربتها الصعبة، وبذلك أصبحت مصدر إلهام للأخريات، يتعلمن منها كيف يقفن مجددًا على أقدامهن في مواجهة متاعب الحياة بكل صلابة

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير