“الوصمة” تلاحق المتعافيات من الأمراض النفسية
منذ 4 ساعات
الضالع- خديجة الجسري أصيبت “نور” فتاةٌ في محافظة الضالع، جنوب اليمن، بمرضٍ نفسي بعد وفاة والدها وشقيقها في حادثٍ مروري
بعد علاجها وتعافيها تقدم لها شاب، خريج هندسة، فرفضتها والدته وقالت عنها “مجنونة”
بعد إصرارٍ الشاب على الزواج تم له ذلك
لكنّ أهل بيت زوجها ظلوا يوصموها بـ”المجنونة” لأتفه الأسباب؛ حتى ضاق بها الحال وعادت إلى بيت والدها
تقول أم نور: “رجعتْ إليّ وقد أُصيبت بالاكتئاب مرةً أخرى؛ بسبب كلام أهل زوجها ونظراتهم”
أصبحت محاربة الوصمة بعد التعافي من الاضطرابات النفسية أولوية قصوى
إذ تصِف كثيرات ممن يعانينّ اضطراباتٍ نفسيةً أنّ مواجهة المجتمع بعد التعافي أسوأ من المرض النفسي ذاته
وبحسب دراسة بحثية نشرت في 2024 عن “الصحة النفسية في اليمن خلال الحرب الأهلية و جائحة كورونا” فإن حالات الاضطرابات النفسية تضاعفت ثلاث مرات في اليمن خصوصا بين النساء والأطفال بسبب الحرب و جائحة كورونا
وتقول الدراسة إنه نتيجة للحرب يعاني الكثير من اضطراب ما بعد الصدمة، القلق، الخوف، الاكتئاب، نوبات الهلع، اضطرابات النوم، الفصام، قلق الموت، والتوتر
ويتسبب الجهل المجتمعي في ربط المرض النفسي بالعيب والعار؛ مما يجعل المرأة غير قادرةٍ على التعبير عن حالتها أو طلب المساعدة
تقول أريام محمد -اسم مستعار- متعافية من مرض نفسي، من محافظة إب، في حديث مع “المشاهد”: بعد تشخيصي بمرض الوسواس القهري التزمتُ البيت بسبب المرض وتأثير الأدوية
كان يدور في ذهني كيف سأقابل نساء الحارة وماذا سيقلنّ عني؟
وتضيف: “بينما كنتُ في سطح المنزل جاءت جارتنا تقول لأمي: بنتك طلعت مجنونة وليست مسحورة، المرض النفسي إذا حلّ بشخصٍ فمستحيل يتعافى
كان كلامها كالسكاكين يقطع صدري، وبعد أن تماثلتُ للشفاء حضرتُ أول مناسبة، فاستشعرتُ الهمز واللمز، والأسئلة التي توجه لي وكأني بلا عقل”
أريام محمد، اسم مستعار لمتعافية من مرض نفسي: “بينما كنتُ في سطح المنزل جاءت جارتنا تقول لأمي: بنتك طلعت مجنونة وليست مسحورة، المرض النفسي إذا حلّ بشخصٍ فمستحيل يتعافى
كان كلامها كالسكاكين يقطع صدري، وبعد أن تماثلتُ للشفاء حضرتُ أول مناسبة، فاستشعرتُ الهمز واللمز، والأسئلة التي توجه لي وكأني بلا عقل”
يقول الدكتور صلاح الحقب، أستاذ الاجتماع في جامعة الضالع، لـ”المشاهد”: إنّ الوصمة الاجتماعية تعود للجهل وقلة الوعي، واقتصار التديّن على الشكليات في أوساط مجتمعنا
وينتج عن الوصمة بحق المرضى النفسيين أو المتعافيات، تفككٌ اجتماعي وفُرقة في أوساط الأسرة نفسها، بحسب الحقب”
عندما يتم الإقبال على المفاهيم والأفكار المجتمعية، من غير أدنى تحليل أو إدراك علمي وعقلي، يتم إعطاء حظّ وافر للخرافة في الحضور والانتعاش
فالعقلية الساذجة والبسيطة التي تؤمن من غير تحقُّقٍ أو استفسار، تكون أكثر قبولًا للخرافات، وأكثر اعتقادًا بها
الوسواس القهري والاكتئاب مرض مخيف أدى ببراءة صالح، فتاة من محافظة لحج، إلى العزلة والابتعاد عن المناسبات
تقول لـ”المشاهد”: التزمتُ البيت بعد أن كنتُ أشعر أنّ كل اثنين يتحدثان عني، وأحلام مزعجة كانت تصاحب نومي، وأفكار الانتحار لم تغِب عن مخيلتي”
تضيف: “الشعور بالضعف والفشل، كل هذا صاحبني سنوات، وعامًا بعد آخر يزيد، حتى لزمتُ غرفتي وخيّم عليّ وسواس شديد؛ أهلي بادروا بإسعافي لأقرب مركز طبي
الطبيب المناوب هناك قال إنّ عندي التهابات بالأمعاء وحمى التيفوئيد، وقرر لي كميةً كبيرةً من العلاجات التي ضاعفت حالتي”
وتواصل شرح معاناتها: “أمي قالت (الراقي) هو الحل، وإني ممسوسة
مركز الراقي المكتظ بالنسوة اللواتي سمعت صياحهنّ ورأيتهنّ وهنّ يغمى عليهنّ، وكيف يتم ضربهنّ وعلاجهنّ بالكهرباء، زاد في قلبي الخوف والجزع، وتضاعفت حالتي للأسوأ
” قال الشيخ الراقي: إنّ الشيطان الذي يتلبسني خاف من قراءته، وبدأ يؤذي جسدي النحيل؛ هكذا ظللنا عنده عامين، والنتيجة أنني حفظتُ بعض القرآن؛ أما نفسيتي فاستسلمت للجنون واقتنعتُ من الحياة، ومرات عديدة هممتُ بالانتحار، حتى عاد أخي من الخارج وقام بإسعافي إلى صنعاء، حيث تم عرضي على طبيبةٍ نفسية، كانت المنقذة وأعادتني للحياة من جديد”
براءة صالح، متعافية من مرض نفسي، لحج: قال الشيخ الراقي: إنّ الشيطان الذي يتلبسني خاف من قراءته، وبدأ يؤذي جسدي النحيل؛ هكذا ظللنا عنده عامين، والنتيجة أنني حفظتُ بعض القرآن؛ أما نفسيتي فاستسلمت للجنون واقتنعتُ من الحياة، ومرات عديدة هممتُ بالانتحار، حتى عاد أخي من الخارج وقام بإسعافي إلى صنعاء، حيث تم عرضي على طبيبةٍ نفسية، كانت المنقذة وأعادتني للحياة من جديد”
الأخصائي النفسي الدكتور صخر الشدادي، من عيادة الإتقان بصنعاء، يقول لـ”المشاهد”: “إنّ الحالات المَرضية التي أخِذت إلى (القراء) أو المشعوذين في حالات كثيرة، تفاقمت حالتها
وزادت الأوهام والشكوك بأنه عمِل لها (أسحار)، وتراكم الأعداء بالظن أنّ الذين عملوا لها السحر هم أكثر الناس محتكين بها؛ ولذلك يحدث عندها أحيانًا نوبات انفعال وعدائية”
يضيف الشدادي: “وصلتْ عندي حالة تعرضت لصدمة، وأخذها أهلها للمشعوذ، وأوهمهم أنها ممسوسة، متلبسها (جن) عاشق، وأكد لها ألّا تتزين، لأنها كلما تتزين سينام “الجن” معها، ومن أمثلة هذه الخرافات والشعوذات”
وبعد مرور سبع سنوات، جاءت بها أسرتها إلى هذا الطبيب النفسي، حيث كان زوجها قد توفِّي، وتفاقمت معاناتها
ويؤكد الشدادي أنه تم علاجها وتماثلت للشفاء
في حين يتم تحويل الحالات الشديدة إلى المستشفى الخاص بالرقود؛ لأنّ الحالة تكون متفاقمة وشديدة العدائية
قد لا تدرك النساء المصابات بالمرض النفسي حقيقة مرضهنّ أو لا يعترفنّ به من الأساس
وقد لا يكنّ على درايةٍ بأعراض المرض النفسي؛ لذا فقد يعتقدنّ أنّ ما يشعرنّ به أمر طبيعي
وفي كثير من الأحيان، تشعر النساء بالخجل من إصابتهنّ بالمرض النفسي، ويتولد لديهنّ اعتقاد خاطئ بأنهنّ قادرات على التغلب عليه بقوة الإرادة وحدها أو بقراءة القرآن، أو زيارة القراء أو المشعوذين
ولكن من الصعب أن تتحسن أعراض المرض دون علاج، وقد يزداد سوءًا
ويمكن أن تتحسن أعراض المرض بتلقي العلاج المناسب
“المشاهد” قابل أمهاتٍ وأقرباء مريضات نفسيًا يترددنّ على مركز الشفائين للعلاج بالقرآن الكريم، في محافظة الضالع
قالت إحدى الأمهات إنّ بنتها أريام البالغة من العمر (33 عامًا) وأم لثلاثة أطفال، لم تتحسن بل زادت حالتها سوءًا
لكن زوجها مُصرٌ على زيارتها للمركز، وأنّ القرآن شفاء لكل مرضٍ، ومستحيل تزور طبيبًا نفسيًا بصحبته
وتواصل أم ريام قولها: “إنها ستبيع قطعةً ذهبية تملكها وتوصل ابنتها لطبيبٍ نفسي، فالمهم صحتها وليس كلام الناس”
من جانبه
يقول محمد ناصر من محافظة لحج، لـ”المشاهد”: إنّ بنت أخيه كانت تعاني اضطرباتٍ نفسيةً وكان أخوانها يشعرون بخجلٍ مما جعلهم يقيدونها داخل البيت
علم بذلك وذهب إلى القرية وأخذ بنت أخيه وأسعفها إلى طبيبٍ نفسي في عدن
وأرجعها إلى بيته بمدينة لحج حتى تماثلت للشفاء تمامًا
وأوصى العائلة بأنّ المرض النفسي ليس عيبًا، بل العيب أن نجعل المريض يعاني دون علاج
الباحث الاجتماعي صلاح الحقب، قال لـ”المشاهد”: “إنّ قيام مؤسسات التنشئة المجتمعية والتربوية، مثل المسجد والمدرسة والأسرة، بدورها في غرس القيم الحميدة، ونبذ الأخلاقيات التي تؤدي للتفرقة
ونشر الوعي الاجتماعي بأنّ الأمراض النفسية شأنها شأن الأمراض العضوية، ليست عيبًا ولا نقصًا، وإنما نتيجة طبيعية وحتمية في كثير من الأحيان
الباحث الاجتماعي، صلاح الحقب: قيام مؤسسات التنشئة المجتمعية والتربوية، مثل المسجد والمدرسة والأسرة، بدورها في نشر الوعي الاجتماعي بأنّ الأمراض النفسية شأنها شأن الأمراض العضوية، ليست عيبًا ولا نقصًا، وإنما نتيجة طبيعية وحتمية في كثير من الأحيان
”فيما تقترح الأخصائية النفسية الدكتورة شيماء نعمان، المدير التنفيذي ومسئول وحدة الحماية في مؤسسة وئام شباب للتنمية بتعز، لـ”المشاهد” عدة خطوات أو استراتيجيات لمساعد الأسر للدفع ببناتها للعلاج من الأمراض النفسية، منها “التوعية والتثقيف، وعمل ورش عمل، وندوات لتوعية الأسر بالأمراض النفسية وأهمية العلاج
وتوفير معلوماتٍ كافية للأعراض والعلامات التي تشير إلى أنّ هناك مشكلاتٍ نفسيةً؛ أيضًا توفير دعم مالي من خلال إنشاء صناديق أو برامج مساعدة مالية للأسر التي تواجه صعوباتٍ في دفع تكاليف تقديم الخدمات النفسية، عن طريق التعاون مع مؤسسات أو منظمات خيرية أو حكومية”
وتضيف الدكتورة شيماء: “أيضًا يكون هناك تسهيل الوصول للخدمات الصحية في المجتمعات المحلية
وتقليل الحواجز واستخدام التكنولوجيا لتوفير استشاراتٍ نفسيةً عن بعد، ودعم التوجه النفسي عن طريق تقديم خدماتٍ استشاريةً للأسر
ومساعدتهم للتعامل مع الحالة النفسية لبناتهم، والتعاون مع المدارس لتقديم برامج توعوية حول الصحة النفسية للطلاب
وإنشاء قنوات التواصل بين المدارس والأسر
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير