تعز: الحواجز المائية.. رواسب بلا مياه
منذ 2 أيام
تعز- نائف الحسانييقف المواطن الخمسيني جلال الخرباش، المنحدر من إحدى قرى الأعبوس الجبلية، مديرية حيفان، بمحافظة تعز، أمام ما كان يوما حاجزًا مائيًا يروي مزارع الخضروات أسفل الوادي
فالسيول الموسمية المتدفقة من المرتفعات المحيطة أتت على المزارع وحوّلت الحوض إلى أرضٍ طينية قاحلة طمرتها الأتربة والصخور؛ لتتحول منشأة الحاجز إلى مجرد جدارٍ أسمنتي ميت، لا يحجز ماءً ولا يروي زرعًا
بأسى، يقول الخرباش، وهو يشير إلى حاجز وادي نماش المطمور: “هذا السد كان يخدم مئات الأسر في المنطقة
لكن اليوم لم يبقَ منه سوى اسمه، دفنته السيول خلال سنوات قليلة، ولم يأتِ أحد لتنظيفه أو صيانته رغم المناشدات المتكررة للجهات الرسمية
ومحافظة تعز من المحافظات التي تتميز بتضاريس جبلية وعرة وانحدارات حادة، جعلتها عرضةً لسيولٍ جارفة، تنحدر من المرتفعات بسرعة كبيرة
ووَفقًا لمهندسين مختصين، فإن هذه السيول المتدفقة من المرتفعات تُسهم في تراكم كمياتٍ هائلة من الرواسب في أحواض السدود والحواجز المائية؛ ما يؤدي إلى فقدان قدرتها التخزينية خلال فترةٍ وجيزة
ويتابع الخرباش في حديثه: “المشكلة تكمن في سوء التنفيذ
حيث بُنيت على أساس حواجز مصمتة ومقفلة، ولم تُبنَ على أساس سدود، ولم تخصص لها فتحات لتصريف الطمي، بل على جدار وسط السائلة، وأغلب الحواجز في تعز خارج الخدمة والمنفعة
”وفي هذا الصدد يقول المهندس عبدالخالق اليوسفي، مهندس موارد مائية، عمل سابقًا في وزارة المياه والبيئة، أن “أغلب المضائق التي تُبنى فيها الحواجز المائية في اليمن لا تصلح من الناحية الفنية لتشييد سدود كبيرة؛ لأن السيول تتحول فيها إلى شلالاتٍ جارفة تدفن السد بالكامل خلال مواسم متتالية
” المهندس عبدالخالق اليوسفي، مهندس موارد مائية، عمل سابقًا في وزارة المياه والبيئة: أغلب المضائق التي تُبنى فيها الحواجز المائية في اليمن لا تصلح من الناحية الفنية لتشييد سدود كبيرة؛ لأن السيول تتحول فيها إلى شلالاتٍ جارفة تدفن السد بالكامل خلال مواسم متتالية
” ويضيف اليوسفي لـ”المشاهد”: “كثير من السدود بُنيت في مواقع غير مناسبة، حيث شُيّدت في مصبات الأودية مباشرةً دون دراسةٍ للمنحدرات، أو نوعية التربة؛ ما جعلها عرضةً للردم السريع، ويؤكد أن اختيار المواقع بشكل عشوائي ساهم في دفن العديد من السدود خلال فتراتٍ قصيرة، فيما كان بالإمكان تجنّب ذلك لو أُقيمت في نقاطٍ جانبية قادرةً على تصريف الرواسب دون الإضرار بجسم السد”
ويتابع: “العديد من هذه المشاريع نُفّذت دون دراساتٍ جيولوجيةٍ دقيقة أو إشرافٍ فني متواصل، وغياب الصيانة السنوية جعلها تفقد فاعليتها بسرعة، ويشير إلى أنه في بلدانٍ أخرى توجد إدارات متخصصة تُعنى بصيانة السدود ومراقبة أدائها بينما في اليمن يُنجز المشروع ثم يُترك لمصيره حتى يفقد دوره تمامًا”
وخلال العقدين الأخيرين، توسعت الجهات الحكومية وشركاؤها الدوليون في إنشاء سدودٍ صغيرة ومتوسطة في مختلف المحافظات اليمنية، أملًا في دعم الزراعة وتقليل استنزاف المياه الجوفية
ووصل عدد هذه السدود والحواجز المائية نحو347 سدًا، بحسب يمن انفورمشن سنتر
إلا أن عددًا كبيرًا من هذه الحواجز المائية لم يصمد طويلًا، إذ يشير مواطنون في أحاديث مع “المشاهد” إلى أن السيول قد طمرت الكثير منها
ونقلت منصة “ريف اليمن” في أغسطس الماضي عن دراسة نفذتها “الهيئة العامة للموارد المائية” في عام 2020 إلى أن أكثر من 60% من السدود تراكمت فيها الرسوبيات، وتعاني اليوم من الطمي وضعف الصيانة وغياب خطط الحماية؛ ما أدى إلى تراجع قدرتها التخزينية وتحول بعضها إلى مصدر تهديدٍ للسكان القاطنين بالقرب منها في مواسم الأمطار الغزيرة
ففي تعز نفسها، وتحديدا مديرية “جبل حبشي” توفي شخصان وأصيب ثلاثة آخرين، وسجلت خسائر فادحة في المواشي، الأراضي الزراعية والمركبات نتيجة انهيار خزانين لحصاد مياه الأمطار بفعل السيول في أغسطس الماضي
ففي أغسطس 2020 أدى انهيار سد الرونة، في مديرية ثلا، محافظة عمران، إلى إجلاء 30 أسرة وتهدم عشرة منازل
وكان سد الرونة قد تأسس في 2005، ما يعني أنه لم يعمر سوى 15 عاما
وفي أبريل 2023، قضى أربعة أشخاص في مديرية حفاش، المحويت نتيجة انهيار خزانا خاصا لمياه سيول الأمطار
وفي المحويت نفسها، نفذ مكتب الزراعة والري زيارة ميدانية للخزانات والحواجز المائية لتقييم منسوب المياه فيها وتطبيق إجراءات وقائية للسلامة لمنع تكرار الكوارث التي حدثت في بعض مديريات المحافظة
وشهدت مديرية ملحان في المحويت، في أغسطس 2024، كارثة سيول فاقمتها انهيار خزانات المياه في المديرية مما أدى وفاة 43 شخصا ودمار مئات المنازل وتقطع الطرقات
كيف تتراكم الرسوبيات؟تتسبب الجبال المحيطة بسد وادي نخلة في مديرية شرعب السلام، تعز، بانحدار السيول بقوة كبيرة؛ ما يؤدي إلى انجراف الأتربة والصخور إلى الحوض المائي، ومع مرور الوقت تتراكم هذه الرواسب حتى ينطمر السد تمامًا
وعلى ذات الصعيد، يرى مهندسون محليون أن المشكلة لا تكمن في السيول وحدها بل في سوء التخطيط وضعف المتابعة، مؤكدين أن الحلول موجودة لكنها لا تُنفّذ
يقول المهندس هاشم القحطاني، المختص في الموارد المائية: “يفترض بناء مصائد ترسيب كبيرة جدًا قبل حوض السد الرئيسي، بعكس التي يعتمدها المهندس الموجودات حاليًا؛ لتجميع الطمي والرواسب ونقلها لاحقًا إلى الأراضي الزراعية الصخرية التي تحتاج هذه التربة الخصبة”
المهندس هاشم القحطاني، المختص في الموارد المائية: “يفترض بناء مصائد ترسيب كبيرة جدًا قبل حوض السد الرئيسي، بعكس التي يعتمدها المهندس الموجودات حاليًا؛ لتجميع الطمي والرواسب ونقلها لاحقًا إلى الأراضي الزراعية الصخرية التي تحتاج هذه التربة الخصبة”
ويتابع القحطاني: “هذه الخطوة تجعل ضغط المياه وتدفقها داخل السد شبه صفري وتحافظ على عمره التشغيلي لفترات طويلة، إلا أن غياب التمويل وعدم تخصيص ميزانيات سنوية للصيانة يجعل معظم هذه الأفكار حبرًا على ورق؛ لتتحول مشاريع المياه إلى استثمارات مهدورة”
من جهته، يقول بكيل الشرعبي، أحد سكان المنطقة: “إن إهمال المدرجات الزراعية لعب دورًا كبيرًا جداً؛ لأن السيول تجرف تربة المدرجات إلى الوادي، وهذا سرّع عملية الدفن، بما في ذلك الأراضي المجاورة”
وجرف السيل أجزاءً كبيرةً من المدرجات التي كانت على جانبي السد أو بالقرب منه
موضحًا أن إهمال أبناء المنطقة في تصريف المخلفات من مجاري السيول ساهم في هذا
ويشير إلى أن الطمي المتراكم كان يمكن استغلاله في إعادة تأهيل المدرجات الجبلية، غير أن غياب الاهتمام جعل المشكلة تتفاقم
إذ تسبب تراكمه في السد بحرمان المزارعين في أسفله من مياه السيول، فالماء المتدفق دون طمي يحفر مجرى السيل ويعمّقه؛ ما يرفع موقع الأراضي الزراعية ويمنع وصول المياه إليها، حتى أن الأمطار الخفيفة لم تعد تروي الحقول بعد أن امتصها الرمل المترسب داخل السد
وعلى ذات الصعيد ، يقول عبدالجبار الصراري، مدير عام مديرية ماوية بمحافظة تعز: “إن وضع البلاد في ظل الحرب يختلف كليًا عن وضعها الطبيعي الذي تُدار فيه المشاريع المستدامة
مؤكدًا أن غياب التمويل المركزي هو السبب الرئيسي وراء توقف معظم مشاريع الصيانة والتنظيف الخاص بالسدود”
عبدالجبار الصراري، مدير عام مديرية ماوية بمحافظة تعز: ضع البلاد في ظل الحرب يختلف كليًا عن وضعها الطبيعي الذي تُدار فيه المشاريع المستدامة
مؤكدًا أن غياب التمويل المركزي هو السبب الرئيسي وراء توقف معظم مشاريع الصيانة والتنظيف الخاص بالسدود”
ويضيف الصراري لـ”المشاهد”: لا يمكن تنفيذ المشاريع أو استدامتها دون وجود تمويل مركزي، لكن هذا التمويل مقطوع منذ سنوات الحرب، ليس فقط على المديريات، بل حتى على مستوى المحافظة، كما أن الإيرادات المشتركة تكاد تكون معدومة، باستثناء ما يصل إلى مديريات المدينة، وهي أصلاً لا تضم حواجز مائية
ويشير الصراري إلى أن غياب استراتيجية مالية واضحة لدى قيادة السلطة المحلية في التعامل مع مثل هذه القضايا؛ فاقم المشكلة، إذ لم تُدرج مخصصات للصيانة أو إزالة الطمي ضمن الموازنات العامة
مضيفًا: “هذه الأمور عادةً ما تُعالج عبر بنود الطوارئ؛ لأن الطمي لا يمكن تخصيص موازنة سنوية له، فهو من الكوارث الطبيعية التي تتطلب معالجة فورية”
ويؤكد أن السبيل الوحيد اليوم لمواجهة هذه الأزمات يتمثل في المبادرات المجتمعية التعاونية، خاصةً في ظل توقف الموارد المركزية منذ أكثر من عشر سنوات، مشددًا على أن مثل هذه الأمور أصبحت تعتمد على دعم المنظمات الدولية في تنفيذ أي مشاريع مائية أو خدمية
ويختتم الصراري حديثه بالقول: “ما لم تستعد مؤسسات الدولة مواردها المركزية وتُفعَّل الخطط الاستراتيجية للطوارئ، ستظل مشاريع السدود والحواجز في تعز وغيرها عرضةً للاندثار والردم؛ ما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن المائي والزراعي في المحافظة
من جانبه يقول الخبير البيئي، الدكتور عمار علي: إن مشكلة تراكم الطمي في السدود ظاهرة تواجه معظم السدود في اليمن، وإن كانت كمياتها تختلف من مكان لآخر بحسب طبيعة الأودية وحجم السيول
ويشرح أن الحلول تنقسم إلى مرحلتين: وقائية وعلاجية، فمن الناحية الوقائية، يشير إلى أهمية زراعة الأشجار والشجيرات على ضفاف الأودية لتثبيت التربة، وبناء حواجز ترسيب صغيرة في أعالي الأودية لاحتجاز الطمي قبل وصوله إلى السد
إلى جانب تحسين إدارة الأراضي الزراعية عبر إنشاء المصاطب واستخدام أنظمة ري حديثة تحد من التعرية، واعتماد التخطيط الحوضي المتكامل للحد من الانجراف
أما من الناحية العلاجية فيؤكد أن من أبرز الحلول تجريف الرواسب من قاع السدود رغم كلفتها العالية سنويًا، إضافةً إلى نقل الرواسب للاستفادة منها زراعيًا أو إنشائيًا، وأحيانًا رفع منسوب السد أو توسيعه إذا كانت كميات الطمي كبيرة ولا يمكن إزالتها بطرقٍ اقتصادية
ما رأيك بهذا الخبر؟سعدنا بزيارتك واهتمامك بهذا الموضوع
يرجى مشاركة رأيك عن محتوى المقال وملاحظاتك على المعلومات والحقائق الواردة على الإيميل التالي مع كتابة عنوان المقال في موضوع الرسالة
بريدنا الإلكتروني: almushahideditor@gmail
comليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقاريرمن نحن