تعز.. الموت بالصعق الكهربائي

منذ 4 ساعات

تعز-عزالدين الصوفيتشكّل خطوط إمداد الكهرباء التجارية في مدينة تعز، جنوب غرب اليمن، الواقعة تحت سيطرة القوات الحكومية، تهديدًا مباشرًا على حياة السكان

وتمتد كابلات الكهرباء في ممرات الأحياء السكنية والشوارع دون اعتبارٍ لإجراءات السلامة وغياب الرقابة من الجهات المعنية

وفي ظل الحرب الدائرة بين جماعة الحوثيين والقوات الحكومية منذ أكثر عشر سنوات، تعيش مدينة تعز حصارًا خانقًا

وتفتقر لأبسط الخدمات الأساسية الحكومية ومنها الكهرباء

لم تعد الحرب وحدها تهدد سكان تعز، بل بات أيضًا خطر الكهرباء التجارية العشوائية يقف على رأس قائمة المخاطر اليومية

تحولت شوارع وأحياء المدينة إلى مصائد مميتة، تتربص بالمارة، لا سيما الأطفال

حيث تتدلى الأسلاك من الجدران وتتقاطع فوق الرؤوس وتختبئ تحت الأرصفة أو تغمرها مياه الأمطار، دون أي تغطية أو عوازل

ويتكرر المشهد في كل حي تقريبًا؛ ليتحول إلى رعب يومي يدفع سكان تعز ثمنه من أرواحهم وممتلكاتهم

يقول المواطن رائد عبدالحكيم الشرعبي (37 عامًا) لـ”المشاهد”: “صرنا نخاف على أطفالنا من خروجهم أوقات الأمطار والاقتراب من أعمدة الكهرباء

مضيفًا: “قبل أيام توفيّ طفل بالحارة؛ بسبب سلك ضغط عالي تجاري مكشوف، لم يكن مغطى أو عليه أي شريط تنبيه

المواطن رائد الشرعبي (37 عامًا)”: “صرنا نخاف على أطفالنا من خروجهم أوقات الأمطار والاقتراب من أعمدة الكهرباء

مضيفًا: “قبل أيام توفيّ طفل بالحارة؛ بسبب سلك ضغط عالي تجاري مكشوف، لم يكن مغطى أو عليه أي شريط تنبيه

”في إحدى أسواق حي الباب الكبير، توفيّ الشاب فواز سعيد الشرعبي (44 عامًا) منتصف يونيو الماضي، بعدما لامس سلكًا مكشوفًا

حيث كان يحاول المرور من زقاق ضيق تملأه التمديدات العشوائية

توفيّ ولم يسعفه أحد، ولم يحقق في الحادثة، ولم تحاسب أي جهة

يقول شقيقه فؤاد لـ”المشاهد”: قدمنا شكوى لكنها قوبلت بالتجاهل، ولم يلتفت إلينا أحدًا، فلا توجد جهات تراقب أو تحاسب

تموت الناس كل يوم، وملّاك المولدات يريدون أمولًا والسلام، والدولة تشغلها أشياء أخرى”

وفي حادثة مماثلة وقعت في حي المسبح

فقدَ الشاب العشريني مؤيد العبيدي حياته، في 18 مايو الماضي، بعد صعقةِ تيارٍ من سلك مكشوف

كان مؤيد يجلب أغراضًا من مخزن خلفي للبقالة التي يعمل فيها أثناء هطول الأمطار

حيث بلل المطر المكان، والسلك الممتد بين الجدران لم يكن معزولًا، فكانت الكارثة

يروي مالك البقالة لـ”المشاهد”: “يعمل مؤيد في محلي منذ شهور، خرج قبل مساءً إلى المخزن الخلفي ليأخذ بعض الأغراض

وجدناه بعد دقائق مرميًا لا يتحرك، وكان قد لمس سلكًا مكشوفًا تعرض للبلل، يمرّ من بين الجدران، ولم ينتبه له”

ويضيف: “نقلناه للمستشفى لكنه وصل وقد فارق الحياة، لا كهربائيين تدخلوا لإصلاح التمديدات، ولا الجهة المسؤولة سآءلت ملّاك المولد

وكان مؤيد يعرف أن طريقه للمخزن فيه سلك مميت، اليوم هو مات، وغدًا من سيموت؟

نعيش وسط فوضى وصمت مخيف من الجهات المعنية”

لا توجد حتى اللحظة إحصائيات رسمية دقيقة من الجهات المختصة بشأن عدد الضحايا الناتجة عن الصعق الكهربائي في تعز

لكن مصادر طبية تحدثت لـ”المشاهد” عن تسجيل حالات متكررة بشكل أسبوعي، خصوصًا خلال موسم الأمطار

مشيرةً إلى أن كثيرًا من الإصابات تنتهي بالوفاة أو بعاهات دائمة

يقول طبيب بمستشفى الثورة العام، طلب عدم الكشف عن هويته: “في موسم الأمطار، نستقبل أسبوعيًا إصابات بسبب الصعق الكهربائي

وتصاب معظم الحالات نتيجة تمديدات تجارية مخالفة أو أسلاك مرتخية، والأخطر مرورها بين طرق الناس، دون حواجز أو تنبيه”

طبيب بمستشفى الثورة العام “في موسم الأمطار، نستقبل أسبوعيًا إصابات بسبب الصعق الكهربائي

وتصاب معظم الحالات نتيجة تمديدات تجارية مخالفة أو أسلاك مرتخية، والأخطر مرورها بين طرق الناس، دون حواجز أو تنبيه”

ويضيف: “المشكلة تتفاقم مع غياب التنسيق بين السلطات المحلية ومُلاك المولدات

بالإضافة إلى ضعف الرقابة الرسمية من قبل الجهات المعنية وانعدام أي برامج توعية مجتمعية”

في هذا السياق، يقول الناشط فيصل العسالي لـ”المشاهد”: “لا يمر شهر إلا ونسمع عن ضحايا جدد للكهرباء التجارية

يأتي هذا في ظل غياب الكهرباء الحكومية، حيث تفاقمت مخاطر الكهرباء التجارية بسبب عشوائية التمديدات وغياب الرقابة

وأدى ذلك إلى حوادث صعق كهربائي خطيرة، والنتيجة وفيات بشرية أو حرائق ممتلكات تجارية أو ورش وشركات”

ويحذر العسالي من أن التمديدات القائمة لا تتناسب مع قدرة التيار الكهربائي

ونحتاج إلى خطوط وكابلات تناسب الأحمال، تمر عبر محولات كهربائية تم تدميرها أو نهبها خلال الحرب

ويضيف: “المشكلة ليست في وجود مولدات خاصة، بل في أنها تستخدم شبكة الدولة العمومية بطريقة عبثية

ويتم تغيير خطوط الضغط العالي إلى ضغط منخفض دون دراية فنية

وتتكرر حوادث انفجارات المحولات العمومية المريعة نتيجة هذا العبث”

ويشير إلى أن الخطر لن يتوقف طالما لا يدير هذه الشبكات مهندسون مختصون

كما لا يمكن أن تترك الكهرباء بيد من لا يفقه فيها

وتابع: “من يستخدمون محولات الدولة العمومية في بيع التيار دون إشراف مهندسين، يرتكبون جريمة بحق المجتمع

ويجب على الدولة والحكومة ووزارة الكهرباء القيام بدورها، وتضع شروطًا صارمة للإشراف على هذا النشاط”

“المعضلة الأساسية تكمن في غياب جهة تتحمل المسؤولية بشكل واضح”

يقول المهندس محمد سعيد الدُغيش، موظف سابق في الكهرباء الحكومي في تعز

ويضيف: “كل شيء عشوائي، والناس تشتري الكهرباء من أقرب مولد، ولا أحد يسأل كيف تمددت الأسلاك أو هل هي آمنة”

ويرى أن هذه الفوضى ليست قدرًا، بل نتيجة مباشرة لغياب الإدارة

حيث تغيب الخطط لضبط هذه الفوضى، وهناك تراخيص تعطى دون رقابة، وهناك من يشغل مولدًا دون تصريح

وصارت الناس تموت بالكهرباء، وهذه جريمة لا تحتاج لجان، بل تحتاج قرارًا رادعًا

وسط تزايد الحوادث المأساوية المرتبطة بالكهرباء التجارية في مدينة تعز

تعالت أصوات المواطنين المطالبة بحماية الأرواح والممتلكات، في ظل غياب الدولة وعدم وجود أي رقابة أو تنظيم لهذا القطاع

يقول أسامة عبدالله، مواطن: “ناشدنا الجهات الرسمية مرارًا وتكرارًا لكن دون جدوى، ولم تتجاوب مع مناشداتنا

وأصبحت الكهرباء التجارية اليوم خطرًا علينا أكثر من منفعتها

وأصبحت تقتلنا تحت صمت الدولة”

أسامة عبدالله، مواطن: “ناشدنا الجهات الرسمية مرارًا وتكرارًا لكن دون جدوى، ولم تتجاوب مع مناشداتنا

وأصبحت الكهرباء التجارية اليوم خطرًا علينا أكثر من منفعتها

وأصبحت تقتلنا تحت صمت الدولة”

ويضيف: “كم قد شاهدنا أو سمعنا أو قرأنا في مواقع التواصل الاجتماعي عن حالات وفاة بسبب ماس كهربائي

فقدَ العشرات من سكان تعز أرواحهم بسبب الكهرباء التجارية”

ويواصل: لم نطلب شيئًا كثيرًا، نريد نعيش بأمان، نشتري كهرباء ونشتري الموت معها

ونطالب الجهات المعنية بتحرك عاجل واتخاذ الإجراءات القانونية والسلامة المهنية اللازمة مع مالكي محطات الكهرباء التجارية

وفي الوقت الذي يغيب فيه الحل الرسمي، يستمر مواطنو تعز بدفع فاتورة قاتلة، ليست كهرباءً فقط، بل أرواحًا تفقد، وحزنًا يتعمق في ذاكرة المدينة كل أسبوع

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير