“حلم أسمر جديد” يتخرج من الجامعة
منذ 13 ساعات
تعز- عبد الغني عقلان“لم يكن يوم تخرجي يومًا عابرًا في حياتي
بل كان يومًا تاريخيًا ومفصليًا حلمت به منذ أن كنت طفلا
شعرت بالسعادة الكاملة وكادت دموعي أن تسقط من الفرح”
بهذه الكلمات بدأ الشاب الأسمر، محمد سيف محمد راوح المشولي، ذو الربيع الثالث والعشرون، خريج من جامعة تعز – مركز التعليم المستمر – مساعد طبيب أسنان مؤخرًا، يروي قصته التعليمية وكفاحه الطويل في التحصيل العلمي
ويضيف: “أهدي تخرجي لكل شباب اليمن عامة بمناسبة اليوم العالمي للشباب، وخصوصًا الشباب السمر وأحثهم على التعليم والاهتمام بتعليم الأطفال ذكورًا وإناثًا؛ لأن العلم نور والجهل ظلام”
تشكّل قصة حصول محمد على فرصة التعليم وتخرجه من كلية طب الأسنان نجاحًا كبيرًا لفئة المهمشين في اليمن التي تعاني فقرًا مدقعًا وفرصًا محدودة في الوصول إلى الخدمات الأساسية بما في ذلك التعليم
تقدر الأمم المتحدة عدد المهمشين في اليمن الذين يتميزون بالبشرة السمراء ما بين نصف مليون إلى 3,5 مليون شخص
وغالبًا ما يعمل أفراد هذه الفئة في مهن بسيطة
نشأ محمد المشولي وسط أسرة فقيرة يتيم الأب في قرية الروي، عزلة المشاولة، مديرية المعافر، جنوب مدينة تعز، الواقعة تحت سلطة الشرعية
سميرة محمد عبد الله، أم الشاب الأسمر تقول في حديث مع “المشاهد”: “نزلت دموعي اليوم وأني أشاهد ابني وزملائه والجمهور يحتفلون بالتخرج
لم أكن أتوقع أن نصل إلى هذا اليوم السعيد، أشعر بالفرح والسرور”
وتضيف: “سجلتُ محمد في مدرسة النهضة وهو في سن السادسة، وكان متفوقًا بالدراسة منذ أن كان طفلًا، وكان يقول لي يا أمي أحلم أن أكون دكتور، وبفضل الله اليوم تخرج مساعد طبيب”
تأخذ نفسًا عميقًا لتواصل حديثها ودموعها تنهمر فرحًا بتخرج ابنها: “توفيّ والد محمد وهو صغير وشقيت “عملت”، من أجله وتعبت، واجتهد من أجل أن يتعلم، وكان شغوفًا بالتعليم أكثر من أخيه وأخته
كنتُ أذهب إلى المدرسة معظم الأوقات للاطمئنان عليه ومتابعة تحصيله العلمي”
يتذكر محمد أيام دراسته، وتحديدًا في الصف السابع، حيث قال: في إحدى الأيام كلفتنا المدرسة بواجبٍ منزلي، ولم يكن عندي قيمة دفتر صغير فكتبتُ الواجب على قصاصةٍ من الكرتون، وفي اليوم التالي سلمتُ قصاصة الكرتون للمدرسة في الفصل، فضحك بعض الطلاب بسخريةٍ والبعض صمت
، فأخذتْ المُدرسة قصاصة الكرتون وصححت لي الإجابات
ويضيف: “تأثرتْ المُدرسة بهذا الموقف واشترتْ لي دفاتر وأقلام وشجعتني، وكان لهذا الموقف أثر كبير على مواصلة تعليمي حتى النهاية”
يتذكر “محمد” المراحل الأساسية لتعليمه، ويقول: “لولا أمي ما استطعتُ أن أواصل تعليمي في المراحل الأساسية
كنت أذهب إلى المدرسة أتعلم وأعود إلى المنزل لمساعدة أمي في جلب الحطب ورعي الأغنام، وبعد تناول وجبة العشاء أقوم بمذاكرة دروسي أولًا بأول”
محمد راوح المشولي: لولا أمي ما استطعتُ أن أواصل تعليمي في المراحل الأساسية
كنت أذهب إلى المدرسة أتعلم وأعود إلى المنزل لمساعدة أمي في جلب الحطب ورعي الأغنام، وبعد تناول وجبة العشاء أقوم بمذاكرة دروسي أولًا بأول”
ويواصل: “كنتُ أكتب على جدران منزلنا المتواضع “أنا الدكتور محمد”، وكان يراودني هذا الحلم وأنا صغير وعملت من أجله بالجد والاجتهاد، وبعد إكمال المرحلة الاساسية بدأتْ تتبلور عندي أفكار الدراسة الجامعية في مجال الطب، وتحديدًا قسم مساعد طبيب أسنان؛ لتحقيق حلمي”
ويتابع: “بعد تخرجي من الثانوية العامة عملتُ لمدة سنة في أعمال حرة من أجل جمع مبلغ مالي استعدادًا للالتحاق بالجامعة
وبعد أن عرف الناس نجاحي من الثانوية العامة بامتياز؛ بادر البعض بمحاولة مساعدتي في الدراسة الجامعية بشرط أن أدرس في فرع الجامعة بالتربة”
ويكمل: “لكني رفضتُ هذا العرض وقررتُ أن التحق بجامعة تعز ليسهل لي أن أحصل على فرص عمل مستقبلًا بشكل أفضل”، ويزيد: “أخبرني بعض الزملاء أن جامعة تعز خصصت مقاعد دراسية للطلاب الأكثر فقرًا، فذهبت وتقدمتُ بأوراقي وتم قبولي في التعليم المستمر، قسم مساعد طبيب”
تحدث مبتسمًا: “كتب عليّ أن أصل إلى نهاية المراحل التعليمية وحيدًا
ففي المرحلة الأساسية كنتُ أنا الوحيد المتفوق في الثانوية العامة من بين زملائي السُمر الذين لم يتمكنوا من إكمال الثانوية العامة، وعندما التحقتُ بالجامعة كان لديّ سبعة زملاء ذكور فقط، من غير السمر طبعًا
والمتبقين زميلات أخريات، وكنا في المستوى الأول 37 طالبًا وطالبة، ولم نصل إلى التخرج سوى أنا و16 من الزميلات، وبينما تعثر بقية الزملاء، ولم يتفوقوا؛ بسبب الظروف التي تمر بها البلاد ومنهم من غير التخصص والبعض لظروف خاصة بهم”
محمد راوح المشولي: كنتُ أكتب على جدران منزلنا المتواضع “أنا الدكتور محمد”، وكان يراودني هذا الحلم وأنا صغير وعملت من أجله بالجد والاجتهاد، وبعد إكمال المرحلة الاساسية بدأتْ تتبلور عندي أفكار الدراسة الجامعية في مجال الطب، وتحديدًا قسم مساعد طبيب أسنان
”ويضيف: “الشكر والتقدير لكل من ساندني ودعمني وشجعني ابتداءً من رئاسة الجامعة ورئيس القسم والدكاترة المدرسين والمدرسات والأخوات الزميلات والأهل والاصدقاء “سلوى، اسم مستعار، إحدى زميلات محمد من خريجات الدفعة تقول لـ”المشاهد”: “محمد شاب مجتهد مثابر وخلوق، كان أخًا لنا في كل المستويات، فيه من الأخلاق والتواضع ما لا يوجد عند البعض في وقتنا الحاضر”
وتضيف: “يكاد كل الحاضرين في قاعة 22 مايو بالجامعة يعرفون أو قد سمعوا بالطالب محمد؛ وبات الجميع يتحدث أنه لم يصل إلى المستوى الأخير وتخرج من الطلاب إلا طالب واحد فقط، والبقية طالبات خريجات، وكان فعلًا محل فخر؛ كونه جدّ وأجتهد واستطاع أن ينال شهادته الجامعية بكفاءة واقتدار”
يقول محمد: “أحلم باجتياز التجريبي بامتياز، وأشعر أنني سأواجه صعوبة؛ لسبب واحد فقط وهو عدم امتلاكي جهاز لابوتوب شخصي”
ويضيف: “أود من الحكومة إتاحة الفرصة لتوظيفي وكافة زملاء الدفعة حتى نستطيع أن نقدم خدمة أفضل للوطن والمجتمع”
الأمين العام للاتحاد الوطني لتنمية الفئات الأشد فقرًا، فرع تعز، صالح عبدة صالح قال في حديث مع “المشاهد”: “نشكر رئيس جامعة تعز ورئيس مركز التعليم المستمر وعمداء الكليات على تعاونهم وتشجيعهم للطلاب الفقراء والأكثر احتياجًا من خلال إتاحة الفرصة لهم بالتحصيل العلمي، وفي مقدمتهم الشاب الرائع المتألق محمد المشولي الذي أفرحنا جميعا من أجله”
ويضيف: “هذا التألق والإبداع والفرحة التي عمّت الجميع لم تأتِ إلا بعد جهود كبيرة ومثابرة مستمرة في التحصيل العلمي، وننتمى له حياةً عمليةً حافلة بالنجاح”
ظهر الشاب الأسمر بثقة كبيرة منذ اللحظة الأولي لحفل التخرج
لم تفارقه الابتسامة بمناسبة تخرجه وسط حضور الأهل والأصدقاء
ولم يشغله الاحتفال والتصفيق من قبل الحاضرين في القاعة أثناء جلوس الخريجين في الصفوف الأمامية عن ابن أخيه الطفل (أحمد) ذو الربيع الرابع من عمره، عندما تقرب منه وجلس بجانبه
التفت محمد إليه ورحّب به مبتسمًا ووضع الفل على صدر الطفل وأجلسه إلى جانبه ولسان حاله يقول: “أريد أن أحتفل بك يوم تخرجك يا أحمد”
كان فخورًا أثناء التقاط الصور مع كافة أسرته وأصدقائه، ومن كان لهم الدور في تشجيعه وتسهيل الصعوبات أمامه حتى يكمل تعليمه الجامعي
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير