: علي عنتر.. بين المجد والمذبحة

منذ 4 أيام

في ذاكرة الجنوب الثائر، لا يمر اسم علي ناصر عنتر مرور العابرين، بل يتردد كصرخة خرجت من رحم الفقر لتحمل على كتفيها مشروع وطن

رجل وُلد في قرية نائية، لكنه حمل في داخله اتساع القضية، وصاغ من جراح الكادحين وعدًا بالحرية

لم يكن مجرد مقاتل في الجبال، بل صوتًا للفقراء، ووريثًا لأحلام جيل حلم بأن تتحول البنادق إلى دولة، والدماء إلى نظام عادل

 بين خنادق القتال وممرات السلطة، وقف عنتر ثابتًا على مبدئه: أن الثورة ليست لحظة اشتعال، بل مشروع دولة وعدالة وكرامة

شقّ طريقه إلى عمق القرار السياسي دون أن يتخلى عن انتمائه للفقراء، ليصبح رمزًا لثورة 14 أكتوبر، وقائدًا لم تنطفئ جمرته حتى لحظة سقوطه برصاص رفاقه في واحدة من أكثر اللحظات مأساوية في تاريخ الجنوب

 من الفقر إلى شعلة الكفاح ولد علي ناصر عنتر عام 1937 في قرية الخريبة بمحافظة الضالع، في أسرة بسيطة عرفت قسوة الحياة

تلقى تعليمه الأولي في الكتّاب، قبل أن تدفعه الظروف الاقتصادية إلى الهجرة إلى الكويت عام 1958، حيث التحق بحركة القوميين العرب، في بداية مسار سياسي وثوري سيشكل لاحقًا خريطة الجنوب

 يقول أستاذ التاريخ والعلوم السياسية بجامعة تعز، الدكتور عبد القادر الخلي: تجربة علي عنتر نموذج مركب يجمع بين النضال ضد الاستعمار، والبناء المؤسسي السياسي والعسكري، ثم الانخراط في صراعات داخلية أثرت بشكل بالغ على مصير الجنوب

 أُطلق عليه لقب عنتر بعد مشاركته البطولية في انتفاضة الضالع عام 1956، وبعد عودته من الكويت أسس خلايا فدائية سرية، وقاد عمليات مسلحة في جحاف والصفراء، أبرزها الهجوم الجريء على مقر الضابط السياسي البريطاني

 ويرى الدكتور الخلي أن: عنتر كان يتمتع بكاريزما قتالية استثنائية، وقدرة نادرة على التواصل مع القواعد الشعبية، ما جعله أحد أكثر الزعماء قربًا وتأثيرًا في الناس

 كان عنتر، ضمن الطلائع التي فجرت الكفاح المسلح في الضالع وساهم في نقل السلاح إلى ردفان، ومع حلول عام 1967، شارك في تحرير الضالع، العام ذاته الذي شهد استقلال الجنوب، وانتُخب عضوًا في القيادة العامة للجبهة القومية، ثم وزيرًا للدفاع وقائدًا للجيش عام 1969

 وفي لحظة مفصلية، انخرط في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر شمالًا، معتبرًا ذلك واجبًا قوميًّا، فقد بادر لعقد اجتماع حاسم في منزل الشهيد علي شائع هادي، وانطلق بعدها أصغر المقاتلين سنًا وأكثرهم حماسة في جبهات الشمال

 من خنادق القتال إلى بوابة السلطة توالت المناصب التي تقلدها عنتر؛ من عضو مجلس الشعب الأعلى عام 1970، إلى نائب الرئيس علي ناصر محمد

نال رتبة عقيد عام 1978، وأكمل دورات عسكرية متقدمة في الاتحاد السوفيتي، في أكاديمية فرونزة وأكاديمية الأركان العامة، ليُرقّى إلى رتبة عميد

 لكن البندقية لم تكفه، فحمل مشروعًا سياسيًا وجماهيريًا عنوانه العدالة الاجتماعية

قال ذات مرة: النصر صنعته هذه الجماهير الفقيرة بتضحياتها من أجل الحرية والاستقلال

 كان عنتر يرى أن الثورة لا تكتمل إلا ببناء دولة تحترم الفقراء، وترتقي بمطالبهم إلى مستوى القرار السياسي، كما ربط مسار الثورة الجنوبية بنظيرتها الشمالية قائلاً: الرصاص الذي أُطلق على صدور الإنجليز في 14 أكتوبر، استلمه الثوار من مستودعات صنعاء

 في هذا الصدد، يوضح الدكتور الخلي: خطاب عنتر حول الوحدة بين ثورتي سبتمبر وأكتوبر يعكس وعيًا استراتيجيًا بضرورة بناء هوية وطنية موحدة، والاستثمار في جيل الشباب كمشروع سياسي طويل الأمد

 ومن موقعه داخل الدولة، خاض معركة إصلاح المؤسسات العسكرية والمدنية، ورفض أن تتحول الثورة إلى عبء أو تُختزل في امتيازات نخبوية، لم يكن مجرد مسؤول بل ثائر داخل الحكم، يقاوم البيروقراطية والانتهازية السياسية

 تحالفات هشة ونهاية دامية لم يكن صعود علي ناصر عنتر بمعزل عن الانقسامات داخل الحزب الاشتراكي اليمني، ففي مرحلة حرجة تحالف مع جناح الرئيس علي ناصر محمد ضد تيار عبدالفتاح إسماعيل

  التحالف وُصف بالهش، حيث حكمته الولاءات اللحظية

في هذا الخصوص يشير الخلي: التحالف مع جناح علي ناصر ضد عبدالفتاح إسماعيل كان تحالفًا هشًّا لا يستند إلى مؤسسات أو ضوابط تنظيمية، ما أدى إلى انفجار الوضع لاحقًا

 وفي 13 يناير 1986، انفجرت عدن بمذبحة سياسية دامية، قضت على آلاف من كوادر الحزب والدولة، وكان علي ناصر عنتر في مقدمة الضحايا، ليسقط برصاص رفاق الأمس

 رحل علي ناصر عنتر، لكنه ظل حاضرًا في ذاكرة الجنوب كثائر لم تغره المناصب، وقائد لم يتخل عن فقراء الوطن، ورمز لوحدة النضال اليمني

  فمهما تعددت القراءات يبقى اسمه محفورًا في سجل ثورة 14 أكتوبر كأحد صُناع النصر، وقائد ميدان، ورمز لحلم ثار لأجله فقراء القرى والجبال