«التنمر» بحق صانعات المحتوى اليمنيات.. عنف من نوع آخر

منذ 6 أشهر

تعز – معاذ مدهش “كل الناس يدعموا البنات صنّاع المحتوى في بلدانهم إلا عندنا في اليمن، يدعموا البنات اللي من بلدان ثانية، وتعليقاتهم لهم كلها دعم وتحفيز، إلا أني بنت بلادهم لما أنزل فيديو يدخلوا يسيئوا لي وأهلي ويعلقوا بكلام يستحي أحد يقوله لبني آدم”

بهذه الكلمات ظهرت “تالا الوائلي” مطلع الشهر الماضي على فيسبوك وهي تبكي بحرقة، معبرة عن استيائها وحزنها من التعليقات المسيئة التي تتلقاها من متابعين يمنيين

تالا الوايلي، طفلة يمنية -تنح من محافظة إب- تبلغ من العمر 10 سنوات، صانعة محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، يتابعها على فيسبوك أكثر من مليون شخص من مختلف الجنسيات، منهم يمنيون وخليجيون

رغم صغر سن تالا، والمحتوى الذي يُفترض أن يكون خاليًا من الاستفزاز، فإنها تواجه موجة من التعليقات السلبية والتنمر بكل أشكاله

من خلف الكاميرا في المقطع ذاته، تحدثت والدتها عن الأسباب الاجتماعية المحتملة التي قد تكون وراء هذه الإساءة، في محاكاة لصوت المسيئين كي تخفف من حزن ابنتها، ورغم أن تالا تنشر محتوى منضبطًا، وتظهر بلباس محتشم، حتى إنها ترفض نشر الموسيقى في محتواها، فإن والدتها لم تدر هي الأخرى ما دوافع التحامل والإساءة تجاه ابنتها

ما يثير التساؤل هنا هو سبب هذه العدائية الإلكترونية التي لا تتوقف على شخص واحد وحسب، بل أصبحت ظاهرة طالت حتى الأطفال، يتضح إزاءها أن التحامل على المرأة اليمنية سابق لكل الادعاءات

لا يقتصر التنمر الالكتروني في اليمن على الفنانات فحسب، إنما شمل نساء من مختلف الخلفيات والمجالات، ففي دراسة مسحية أجراها مرصد الحريات الإعلامية في اليمن عام 2022، أظهرت أن 72% صحفية من 79% تعرضن للتنمر الالكتروني بكافة أشكاله

“فرح قائد” “27” عامًا صحفية ومذيعة في إذاعة محلية بعدن، تقول بهذا الخصوص: “بعض اليمنيين يشعرون بالعار عندما يرون امرأة يمنية تشق طريقها خارج الصورة النمطية لها في عقولهم”

مطلع العام الماضي شاركت قائد في فرقة موسيقية مع مجموعة من زميلاتها في عدن، كأول فرقة موسيقية نسائية في اليمن، لقيت المبادرة قبولًا كبيرًا على مستوى الإعلام العربي، ونقلتها قنوات شهيرة، سيما رواد مواقع التواصل في اليمن، إذ واجهوا المبادرة بحملات سخرية كادت تكون ممنهجة، بخصوصها قالت قائد:“لم يركزوا على المحتوى الذي نقدمه وهذا يحتمل النقد والتصحيح، إنما تنمروا على أشكالنا (لا صوت ولا صورة) ورمونا بتهم خلصوا فيها بأننا نشوه اليمن، ونتقاضى مقابل ذلك”“فيسبوك” ساحة للنقد الجارح منصة “فيسبوك” باعتبارها الأكثر شعبية في اليمن، تشهد يوميًا موجات من التعليقات والآراء السلبية والمسيئة التي تستهدف الفنانات اليمنيات

هذه الموجات اضطرت بعضهن إلى ترك المنصة والاتجاه نحو منصات أخرى، مثل انستجرام، تيك توك، سناب شات

هذا السبب، إضافة لغياب المنظومة العدلية والقوانين الرادعة، والتحريض المستمر تجاه نشاط المرأة اليمنية، والخطابات السلطوية، والدينية، فرضت وسائل التواصل نفسها، كمنابر جديدة للحط والازدراء من مكانتها الافتراضية، التي تعد مهربهن الأوحد من قيود الواقع

زينب” (تحفظت عن ذكر اسمها) واحدة من هؤلاء الفنانات اللاتي تركن فيسبوك، وهي فنانة شاركت في السنوات الثلاث الأخيرة في أكثر من مسلسل يمني رمضاني

ومع تحديات الدراما في اليمن والوضع الاقتصادي اللذين فرضا على كثير من الممثلات بأن يمارسن أنشطة خارج مهام التمثيل، اتجهت زينب نحو التسويق والإعلان، على فيسبوك قبل أن تغادره

تقول بخصوص هذا “فيسبوك ما منه غير وجع الرأس، كنت كل يوم أواجه مشكلة ما، لا علاقة لها بالمنتجات التي أسوق لها، بل مشكلات تغذيها التعبئة الخاطئة، التي ترى بأن المرأة اليمنية لغم يجب التخلص منه، كما أن الفراغ والحرب لهم دور كبير في ما يحدث”

إساءة تتجاوز الفئات لمنى تجربة مشابهة، سوى أنها رسامة عدنية ترسم لوحات أقل ما يقال عن رشيتها إنها تنافس الكاميرات الرقمية في تجسيد الصورة

أواخر العام 2022 تعرضت منى لموجة من السخرية والإساءة على مواقع التواصل من متابعين يمنيين، خصوصًا في منصة فيسبوك، جراء نشرها لوحة جسدت فيها ملامح ممثل أجنبي، تقول عن ردة فعل الجمهور “رغم أني رسمتها بعفوية مثل كل رسوماتي، فإني واجهت إساءة كما لو أني قدمت خاتم زواج للمثل”إساءة مثقف اللافت والمحزن في آن واحد، حين تأتي الإساءة من الفئة المثقفة، التي يُعول عليها في تعزيز الوعي الجمعي، هذه الإساءة تأخذ أشكالًا متعددة، كأن ينشر أحدهم أداء فنانة يمنية ويذيله بعبارة “ألم أقل لكم إن…”

مشيرًا إلى اسم فنانة أجنبية، في مقارنة مبالغ فيها تمتدح فنانة أجنبية حد السماء على حساب فنانة يمنية أخرى تصل إلى التبخيس والسخرية، هذا التناقض إن نم عن شيء، فهو يضعنا أمام ازدواجية ينجو فيها الذكر دائمًا، وتدفع ضريبتها المرأة

بشرى الجرادي ناشطة وإعلامية تنحدر من إحدى قرى ريمة، وهي بيئة تعتبر دراسة الفتيات ضرب من المستحيل، وبخاصة الالتحاق بالجامعة، سيما تخصص إعلام

تحديات كثيرة وقفت أمام الجرادي، أولها رفض الأهل لفكرة إكمال دراستها، يليها تحديات مجتمعية أشد قسوة، وقد ظهرت جلية على نشاطها في مواقع التواصل، وخاصة من أبناء قريتها

نضال من أجل الاعتراف“من كانوا يكتبون في صفحتي أنتِ لست من قريتنا ولا نتشرف بكِ…اليوم لا يقولون أنهم من قريتي فحسب بل أنهم من أقاربي”

تتحدث الجرادي عن الفارق بين الأمس واليوم، كيف تغيرت الانطباعات، وهذا لم يأت بمحض الصدفة، إنما بعد تحديات، لمجابهتها تدعو الجرادي زميلاتها -خصوصًا من يبحثن عن المكانة وإعلاء صوت المرأة اليمنية- “نحتاج الكثير من الصبر والثبات ليتقبل الآخرين اختلافنا واختياراتنا كنساء

وذلك من خلال نجاحنا وتميزنا ويجب أن نستوعب أن اليمن ما زالت تحتاج سنوات طويلة لتتخلص من الأفكار المتطرفة تجاه المرأة واختياراتها وحرية قراراتها وحياتها كون اليمن خرج من عقود طويلة تسلط فيها الظلم والجهل الذي نعانيه الآن”

————–تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنميةليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير