«الصراع والنزوح» يُحرم أطفال اليمن من التعليم
منذ 5 أشهر
حضرموت ـ إكرام فرج يتردد أصوات الطفلين يحيى (12 عامًا) وعمر (تسعة أعوام)، متنقلةً بين طرقات مدينة المكلا، جنوب محافظة خضرموت (شرقي اليمن)، وهما يعملان في بيع المناديل والمياه، منذ الساعات الأولى من كل يوم، وحتى انتهاء بضاعتهم، سعيًا منهم لسد رمق أسرتهم من الجوع
يقول يحيى لـ«المشاهد»: “كنا نعيش بصنعاء ونسعد أنا وأخي بداية كل عام دراسي بالذهاب إلى المدرسة، ولكن لما اشتدت الحرب وتفاقم علينا الوضع المعيشي، خاصةً بعد وفاة أبي، تركنا كل شيء”
ويضيف: “نزحنا نبحث عن مكانٍ آمن نعيش فيه بعيدًا عن الحرب والدمار، ولم يكن لدينا من خيار سوى العمل لنساعد أمي وبقية إخوتي”
ويواصل يحيى: “أحيانًا نكمل كل بضاعتنا ونشتري من جديد ونعود لمكان آخر ونبيع فيه، فنقدر نسد حاجتنا من إيجار وأكل ومصاريف، وأحيانًا أخرى يُصعب علينا بيع بضاعتنا، ونضطر للتأخر حتى الليل”
(صابر علي 16 عامًا)، من أبناء مدينة المكلا، تظهر على وجهه ملامح الحزن والتعب بعد عجزه عن الحصول على عمل يسد به رمق جوعه وأسرته المكونة من 6 أفراد
صابر ترك مقاعد الدراسة، ويبحث يوميًا عن عمل ليعيل أسرته التي أصبح معيلها الوحيد بعد وفاة أبيه، بحسب حديثه لـ«المشاهد»
“نبكر منذ الفجر بين السيارات والشاحنات الكبيرة لتحميل البضائع وأحيانًا لتحميل الطوب الكبير؛ لينتهي اليوم على مبلغ لا يوفر الوجبات الرئيسية”
يقول صابر
ويتابع: “في الوقت الذي أخرج فيه مبكرًا، مع بدء كل عام الدراسي الجديد، أشاهد زملائي يذهبون إلى مدارسهم؛ لأشعر بحسرة متمنيًا العودة للمدرسة وإكمال تعليمي الذي حُرمت منه”
يعيش هؤلاء الصغار بعمر الطفولة، لكن أرواحهم محملة باليأس وبمسئوليات أكبر من أعمارهم، وجدوا أنفسهم يتحملونها فجأة؛ بسبب الصراعات السياسية والحروب التي منعتهم من الاستمتاع بكونهم أطفالًا”
تبعات وتداعيات لا تقتصر تداعيات النزوح الناتجة عن الحرب على حرمان الأطفال من التعليم فحسب، بل تشمل تعرضهم للكثير من الممارسات التي قد تؤثر عليهم في عدة جوانب نفسية واجتماعية وغيرها
يشير أستاذ علم الاجتماع بمركز الدراسات والبحوث اليمني دكتور عبدالكريم غانم، إلى أن النزوح يتسبب بالضغط على المرافق الخدمية في المجتمع المضيف بما يفوق القدرة الاستيعابية لها، وبما يعيق أطفال الأسر النازحة عن الالتحاق بالتعليم
ويقول دكتور غانم لـ«المشاهد» إن النزوح يؤثر في إعادة توزيع الكادر التعليمي، فالحرب في اليمن ترتب عليها عودة الكثير من المعلمين إلى مجتمعاتهم الأصلية، لكن عودتهم دون نقل مرتباتهم جعلتهم بحاجة إلى الدعم المالي من أهالي الطلبة، وهو أمر قلما تستطيعه الاسر النازحة، التي فقد معظمها مصدر دخله
كما أن نقص المدارس بسبب تدمير أعداد كبيرة منها يجعل فرص الأطفال النازحين على الالتحاق بالتعليم ضئيلة، فتتضاءل أمامهم فرص الالتحاق بمقاعد الدراسة، ويصبح العمل هو ما ينتظرهم وسط حالة الفقر التي تعاني منها أسرهم، بحسب غانم
ويضيف: يترتب على ذلك إعاقة نموهم النفسي والجسدي السليم، وعجزهم عن اكتساب المعارف والمهارات التي يتطلبها سوق العمل
فالأسر النازحة -وفقًا لغانم- هي الأكثر تضررًا من الحرب وفقدانها لمصادر دخلها ومدخراتها؛ ما يجعل تعليم أطفال هذه الأسر في آخر أولوياتها
ويتابع: تعجز الأسر عن تحمل نفقات التعليم، كما أنها تنظر لأطفالها باعتبارهم الأمل الوحيد في التخفيف من الفقر؛ عبر الدفع بهم نحو العمل في سن مبكرة، دون النظر لما يترتب على ذلك من عواقب
وأبدى غانم أسفه من انهيار التعليم وتزايد أعداد التسرب عن مقاعد الدراسة، وقال إن لها آثار كارثية، فالتعليم هو عصب الحياة في المجتمع وانهياره أو ضعفه يترتب عليه اعتلال مختلف القطاعات
فالاقتصاد يتطلب أيدي عاملة مؤهلة وماهرة، والخدمات التي يحتاجها المجتمع ستعاني من قلة الكفاءات، وصولًا إلى القدرة على مواكبة التطورات العلمية والتقنية المتسارعة، والعجز عن استئناف مسار التنمية والتحديث المتوقف جراء الحرب التي بدأت أواخر 2014
صدمات نفسيةمن جانبها، تقول المرشدة النفسية فاطمة شوالة: إن للنزوح تأثيرات مدمرة على الصحة النفسية للأطفال فهو يفقدهم الشعور بالأمان والاستقرار، ويواجهون مشاعر الفقدان والقلق الدائم؛ مما يؤدي إلى ظهور اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)
وأوضحت لـ«المشاهد» أن الأطفال الذين يعيشون هذه الظروف قد يعانون من الكوابيس، التبول اللا إرادي، التراجع في الأداء الدراسي، والانعزال الاجتماعي
فالنزوح يُعرض الأطفال لتجارب صادمة متعددة، نتيجة مشاهد العنف، فقدان أفراد الأسرة، والعيش في بيئات غير مألوفة أو معادية، وكل هذا يزيد من العبء النفسي عليهم، تزيد شوالة
كما أن الصراع والنزوح يفاقمان الفقر، الذي بدوره يزيد من حدة الصدمات النفسية، والأطفال في الأسر الفقيرة يكونون أكثر عرضة للاستغلال في عمالة الأطفال والزواج المبكر؛ مما يعزز من حلقة الصدمات النفسية
وعن أهمية الدعم النفسي والاجتماعي تتحدث شوالة بأنه عنصر حيوي في التخفيف من آثار النزوح والصراع على الأطفال، ويمكن أن يشمل تقديم العلاج النفسي، برامج التعافي من الصدمات، وتعليم الأطفال كيفية التعامل مع مشاعرهم
أما الدعم الاجتماعي ـتضيف شوالة- فيشمل توفير بيئة آمنة ومستقرة للأطفال، تساعدهم على بناء مرونة نفسية تمكنهم من تجاوز تجاربهم الصادمة وإعادة بناء حياتهم
عوامل إجبارية الأخصائية النفسية، مريم محروس، تشير إلى أن عديد عوامل تجبر الطفل على ترك المدارس والانخراط في سوق العمل، وأبرزها الفقر وتدنى المستوى المعيشي وعدم الاستقرار بسبب النزوح، وفقدان الأسرة للمعيل نتيجة الحرب؛ ما يجعل الطفل هو المسؤول عن توفير لقمة العيش لأسرته
وتتحدث محروس لـ«المشاهد»: يؤثر الصراع المستمر على مستقبل الأطفال، من خلال التدمير المستمر للبنية التحتية التعليمية بسبب القصف والتفحيرات ونقص الموارد؛ مما يحرمهم من التعليم ويجعلهم للعنف والاستغلال
آثار كارثيةتواجه اليمن أزمة تعليمية حادة حيث من المتوقع أن يرتفع عدد الأطفال المنقطعين عن التعليم إلى 6 ملايين طفل؛ مما يؤدي إلى عواقب وخيمة طويلة الأمد على الأطفال
وبحسب منظمة اليونيسيف، فإن بداية الهجمات في مارس/آذار 2015، تسبب بالتأثير على أطفال المدارس والمعلمين والبنية التحتية التعليمية تأثيرًا مدمرًا على نظام التعليم بالبلاد، وحرم ملايين الأطفال من الوصول إلى التعليم
حيث تسببت سنوات الصراع بتدمير 2916 مدرسة (واحدة على الأقل من كل أربع)، أو تضررت جزئيًا أو استخدمت لأغراض غير تعليمية، ومع استمرار تدهور الوضع الإنساني، لا يزال نحو مليوني طفل خارج المدارس
وتشير تقديرات الاحتياجات الإنسانية في اليمن عام 2024 إلى أن 4
5 مليون طفل يمني في سن المدرسة (من 5 إلى 17 سنة) لا يذهبون إلى المدارس، كما ترك الآلاف منهم مدارسهم ولجأوا إلى التسول أو مساعدة أسرهم في العمل أو في حقول الزراعة
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير