: القبيلة تحت نيران التفكيك ومحاولات الترويض
منذ 9 أيام
في مشهد يختصر تعقيدات المشهد اليمني منذ انقلاب ميليشيا الحوثي، تبدو القبيلة بما تمثله من ثقل اجتماعي وسياسي أمام واحدة من أخطر المراحل في تاريخها المعاصر، فالميليشيا التي تدرك أن القبيلة هي الجدار الأخير الذي ما يزال يقف في وجه مشروعها الطائفي، لم تتردد في استخدام كل أدوات القمع لإعادة تشكيل الخارطة القبلية بما يخدم مشروعها، وهو ما دفع كثيراً من المراقبين إلى وصف ما يجري بأنه عملية هندسة اجتماعية قسرية تستهدف بنية المجتمع اليمني من الجذور
من تفجير المنازل، إلى مصادرة الممتلكات، إلى استهداف المشايخ والوجهاء، تتعامل الميليشيا مع القبيلة بوصفها قوة يجب تحييدها أولًا قبل تثبيت نفوذها، فالهجمات المنظمة ضد منازل قيادات قبلية لا يمكن قراءتها بمعزل عن استراتيجية متكاملة هدفها تفريغ القبيلة من رموزها المؤثرة، وإعادة إنتاج قيادة بديلة موالية للميليشيا، تُستخدم لاحقاً لفرض واقع اجتماعي وسياسي جديد
وتكشف شهادات سكان محليين وتقارير منظمات حقوقية أن ميليشيا الحوثي عملت خلال السنوات الأخيرة على تفكيك الروابط القبلية من الداخل، عبر إذكاء الخلافات وخلق صراعات مصطنعة بين أبناء المنطقة الواحدة، بهدف إشغال القبائل ببعضها، بما يتيح للميليشيا التمدد دون مقاومة، ومع تزايد الضربات التي تلقتها مؤخرًا، باتت هذه السياسة أكثر وضوحاً، في محاولة لتعويض التراجع الميداني بتفتيت الجبهة الداخلية للقبيلة
إلا أن السلوك الأكثر خطورة يبرز عند نقاط التفتيش التي تحولت إلى أدوات اختطاف وابتزاز، يستخدمها الحوثيون للضغط على أبناء القبائل الرافضين لمشروعهم، حيث شهدت حالات القتل والتغييب القسري التي وقعت في تلك النقاط تكشف رغبة واضحة في فرض إرهاب يومي يضمن للميليشيا الخضوع الكامل على المدى الطويل
ورغم فداحة الجرائم المباشرة، إلا أن محاولات التغيير الديموغرافي هي الأكثر أثراً، فتهجير الأسر وفرض الجبايات ومصادرة مصادر الدخل، كلها إجراءات تؤدي إلى نزوح قسري يعيد رسم الخريطة السكانية بما يخدم الميليشيا سياسيًا، ويشير خبراء إلى أن ما يجري يشبه بـإعادة تشكيل ممنهجة تُستخدم فيها أدوات اقتصادية وأمنية لخلق مجتمع خاضع، منزوع الإرادة ومفصول عن هويته التاريخية
ولعل من أخطر انعكاسات هذا الواقع هو تعطيل الحياة اليومية في مناطق سيطرة الميليشيا، بدءًا من إغلاق المدارس ووصولًا إلى حرمان السكان من الخدمات الأساسية، وهي سياسة تطرح سؤالًا ملحًا: هل تسعى الميليشيا إلى مجتمع جاهل يسهل التحكم فيه، أم أنها عاجزة أصلًا عن إدارة المناطق التي استولت عليها؟ في كلا الحالتين، تبقى النتيجة واحدة: مجتمع قبلي يُخضع بالقوة، ويُدفع إلى العزلة، وتُقوض قدرته على لعب دوره الوطني
تكشف الأحداث أن استهداف القبيلة اليمنية لم يعد مجرد تصرفات متفرقة، بل سياسة شاملة تسعى لتغيير هوية المجتمع وتاريخه، ومع استمرار هذه الممارسات، تقف القبائل أمام تحدي وجودي غير مسبوق، يحتاج إلى استعادة دورها التاريخي كركيزة للاستقرار والاعتدال، وإلى دعم عربي ودولي يضمن حماية النسيج الاجتماعي اليمني من محاولات التفكك التي يفرضها مشروع الميليشيا الحوثية الإرهابية