“المعلومات المضللة” تحصد أرواح أطفال اليمن
منذ 3 ساعات
تعز- عز الدين الصوفيعلى طول خطوط الصراع المتقطعة التي تُقسّم اليمن، لم يَعُد الخطر قادمًا من القذائف والرصاص وحسب
ففي أحياء مثل الحوبان، شرق تعز، تُدَقُ أجراس الإنذار الصحي بانتشار أوبئةٍ كان اليمن قد طواها، حيث تواجه الطفلة ليان (شهرين) خطر الموت جرّاء إصابتها بالحصبة، في نداءٍ مريرٍ يكشف عن انهيار المناعة الجماعية التي بناها اليمن قبل عقود
القصة المروعة لليان، التي شُخِّصت إصابتها بعد أسابيع من رحلة بحثٍ فاشلةٍ لوالدها عن لقاح روتيني، هي انعكاس للكارثة الصحية التي حوّلت مناطق في اليمن إلى “بؤرةٍ وبائيةٍ” تهدد الصحة العامة
وكان “المشاهد” قد كشف في فبراير 2023 عن تضليلٍ ممنهجٍ تقوده السلطات الصحية التابعة لحكومة جماعة الحوثي في صنعاء، ضد لقاحات الأطفال، بما في ذلك أمراض خطيرة كالحصبة وشلل الأطفال
وتوّجت جماعة الحوثي الدعاية المضللة ضد اللقاحات في فبراير 2023، بندوةٍ نظمتها مؤسسةٌ موالية للجماعة بصنعاء، وحضرها وزير الصحة في حينها، طه المتوكل، بعنوان “خطورة اللقاحات البشرية”، تحت شعار “اللقاحات ليست آمنة ولا فعّالة”
واليوم يَفتِك المرض بمئات الأطفال في مختلف محافظات اليمن كنتيجةٍ مباشرةٍ لانتشار هذا النوع من التضليل الممنهج
وتُظهر الإحصائيات الأولية حجم الأزمة
حيث سجّلت السلطات الصحية في مدينة تعز، الخاضعة للحكومة المعترف بها، سبع وفيات و1,432 إصابة بالحصبة خلال الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام، معظمهم من الأطفال، بحسب تصريح مسؤول صحي لـ”المشاهد” في أغسطس الماضي
وفي محافظة أبين، جنوب اليمن، كشف مدير إدارة الترصد الوبائي بمديرية زنجبار، عدنان علي، في تصريحٍ لـ”المشاهد” نُشر في أبريل الماضي، تسجيل 35 حالة إصابة مؤكدة بالحصبة، منها وفاة ثلاثة أطفال بالمرض خلال شهر مارس الفائت
وأرجع المسؤول الصحي في أبين سبب تزايد حالات الإصابة بمرض الحصبة إلى امتناع بعض الأسر عن تلقيح أطفالهم
وقال إن قلة الوعي والإشاعات المغلوطة عن تلقيح الأطفال خلقت تخوفًا لدى السكان من تلقيح الأطفال ضد الأمراض
مدير إدارة الترصد الوبائي بمديرية زنجبار، عدنان علي: يعود سبب تزايد حالات الإصابة بمرض الحصبة إلى امتناع بعض الأسر عن تلقيح أطفالهم
وقال إن قلة الوعي والإشاعات المغلوطة عن تلقيح الأطفال خلقت تخوفًا لدى السكان من تلقيح الأطفال ضد الأمراض
”وفي حالة ليان في تعز، فإن والدها لم يتمكن من تأمين اللقاح في حي الخمسين الخاضع للحوثيين؛ بسبب انعدام اللقاحات الناتجة عن “حملات التضليل المستمرة” والمنع الفعلي للتطعيمات بذريعة أنها “مؤامرة خارجية”
قال مصدر مسؤول بمكتب الصحة في الحوبان، فضّل عدم الكشف عن هويته لأسبابٍ أمنية، في حديث لـ”المشاهد” إن توقُّف حملات التطعيم الوطنية في مناطق سيطرة الحوثيين منذ عام 2018 ساهَم بشكل مباشر في الانفجار الوبائي
وتزامن ارتفاع حالات الإصابة بالحصبة مع عودة شلل الأطفال عام 2020، وهو ما يُعد مؤشرًا خطيرًا على عودة هذه الأمراض المعدية
وكانت اليمن قد أعلنت خلوها رسميًا من شلل الأطفال عام 2006
بالنسبة للأسر التي تعيش بعيدًا عن المراكز الحضرية، تتضاعف المعاناة
محمد سعيد الخديري، من مديرية دمنة خدير، يعترف كيف عولجت ابنته في البداية “بالطرق التقليدية” اعتقادًا منه أنها كانت مصابة بمجرد “حمى”؛ ليتفاجأ لاحقًا بأنها مصابة بـ”الحصبة”، وكان يمكن تفادي المرض لو تلقت التطعيم المتاح في مناطق أخرى”
وتؤكد منظمة “أطباء بلا حدود“ المأساة على أرض الواقع
فقد استقبل مستشفى الأم والطفل في الحوبان أكثر من 1,500 حالة حصبة بين أغسطس 2023 وفبراير 2024
ونقل موقع المنظمة عن رئيسة الفريق السريري بالمنظمة، الدكتورة آي إي خينغ، قولها: “اعتدنا على رؤية نحو ثمانية مرضى شهريًا، لكن الأعداد ارتفعت بشكل مثير للقلق، وبعد ستة أشهر، لا مؤشرات على تراجع الإصابات”
وتضيف الدكتورة خينغ: “رغم أن الحصبة مرض يمكن الوقاية منه، فإن نسبة التطعيم بين الأطفال الذين نعالجهم من الحصبة لا تتجاوز 16 %
وبمجرد انتشار الفيروس في المجتمع، يمكن أن ترتفع معدلات الإصابة بالمرض والوفيات، خصوصًا بين الأطفال الصغار”
رئيسة الفريق السريري بمنظمة أطباء بلا حدود، الدكتورة آي إي خينغ: رغم أن الحصبة مرض يمكن الوقاية منه، فإن نسبة التطعيم بين الأطفال الذين نعالجهم من الحصبة لا تتجاوز 16 %
وبمجرد انتشار الفيروس في المجتمع، يمكن أن ترتفع معدلات الإصابة بالمرض والوفيات، خصوصًا بين الأطفال الصغار”
وأشارت الدكتورة خينغ إلى أن نقص التجهيزات، وغياب وحدة العناية المركزة، وتأخر الأسر في طلب العلاج بسبب التكاليف، يفاقم من تعقيد الحالات التي تصل إلى المستشفى
انتهاك الحق في الصحةإلى جانب الإهمال المباشر، يشير الخبراء إلى أن الأزمة هي نتيجة “إهمالٍ منظم” وانتهاك للقانون الدولي
يقول الخبير القانوني، أمين الخديري: إن “حصر حملات التطعيم بمدة قصيرة لا تتجاوز ثلاثة أيام يمثل إهمالًا متعمدًا في توفير الرعاية الصحية الأساسية للأطفال، بما ينتهك صراحةً اتفاقية حقوق الطفل”
وحذّر الخديري من أن إبقاء المناطق النائية دون حماية يحوّلها إلى بؤرٍ وبائيةٍ تنتقل عدواها إلى المدن، مهددةً المجتمع بأسره
الخبير القانوني، أمين الخديري: حصر حملات التطعيم بمدة قصيرة لا تتجاوز ثلاثة أيام يمثل إهمالًا متعمدًا في توفير الرعاية الصحية الأساسية للأطفال، بما ينتهك صراحةً اتفاقية حقوق الطفل”
وحذّر الخديري من أن إبقاء المناطق النائية دون حماية يحوّلها إلى بؤرٍ وبائيةٍ تنتقل عدواها إلى المدن، مهددةً المجتمع بأسره
ويأتي هذا التفشي وسط انهيارٍ كامل للقطاع الصحي
فالحرب المستمرة منذ عشر سنوات دمّرت البنية التحتية، وجعلت الأسر اليمنية التي تعاني تدهورًا معيشيًا غير قادرةٍ على تحمل تكلفة العلاج والنقل
بينما أطلق استشاري الأطفال والأمراض المعدية، الدكتور عبد الرحمن المخلافي، تحذيرًا من استمرار القيود (على التطعيم)، التي قد تتسبب بموجةٍ جديدة من الأوبئة قد تتجاوز حدود اليمن، وقد نرى مئات الحالات مصابةٌ بشلل الأطفال والحصبة خلال سنوات قليلة”
وبالنسبة لليمن، الذي يسجل أعلى معدلات سوء التغذية في العالم، يعني هذا التحذير أن الأطفال الأكثر ضعفًا هم الأكثر عرضةً للوفاة عند الإصابة؛ مما يرشّح الأوضاع الصحية للتفاقم بشكل غير مسبوق
فالوباء الصامت العائد، يقدم وجهًا آخر للصراع السياسي الذي يحصد ضحيته الأضعف: أطفال اليمن
ما رأيك بهذا الخبر؟سعدنا بزيارتك واهتمامك بهذا الموضوع
يرجى مشاركة رأيك عن محتوى المقال وملاحظاتك على المعلومات والحقائق الواردة على الإيميل التالي مع كتابة عنوان المقال في موضوع الرسالة
بريدنا الإلكتروني: almushahideditor@gmail
comليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير