«الهوية اليمنية» في مواجهة للبقاء

منذ 2 سنوات

في ميدان التحرير وسط العاصمة صنعاء، كان عشرات الموالين لجماعة الحوثي (أنصار الله)، متجمعين في وقفة احتجاجية للتنديد بالأنشطة التي نفذتها صحفيات ومثقفات وناشطات في مواقع التواصل الاجتماعي، تحت مسمى حملة “الهوية اليمنية”

كانت الشعارات التي رددها الحوثيون هناك، تقول: “هويتنا إيمانية أعظم هوية”، و”لن نسمح لهم بتشويه هويتنا”، في إشارة لأصحاب حملة “الهوية اليمنية”

مثل ذلك المشهد تكرر في مديريات عديدة بصنعاء، وفي محافظات ذمار وحجة والحديدة، بالمقابل انضم ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى حملة الهوية اليمنية لنشر صور لهم وهم يرتدون الأزياء الشعبية التقليدية أسوةً بما فعلته الناشطات

وفي مدن يمنية خارجة عن سيطرة الجماعة الحوثية كمأرب وتعز، أقام مسؤولون حكوميون وناشطون فعاليات تحت مسميات متعددة، كان أبرزها يوم الوعل اليمني، للتعبير عن “الهوية اليمنية” أو “القومية اليمنية” كما يقولون

وبدا الأمر كأنه أشبه بصراع فكري، أو بمواجهة شرسة بين أصحاب حملة “الهوية اليمنية” المناوئين للجماعة الحوثية، و”الهوية الإيمانية” التي تروج لها الجماعة

أكاديميون وباحثون تحدثوا لـ«المشاهد» بأن الصراع بين الهويات في اليمن، لم يكن وليد اللحظة، إذ تعود جذوره إلى حقب تاريخية إبان عصور حكم الأئمة لشمال اليمن، ليس آخرها عهد المملكة المتوكلية، في حين يرى متخصصون في الفسيولوجيا والأنثروبولوجيا أن اليمنيين غير المنخرطين في الحرب العسكرية المندلعة منذ نحو ثمانية أعوام، لديهم رغبة للمشاركة في هذه الحرب، من خلال المواجهة الفكرية بين مشروعين وهويتين، لا أحد يعلم من سيكون المغلوب فيها، ومن سيكون المنتصر

يُعبر مصطلح الهوية عن مجموعة الخصائص والميزات التي يمتلكها شخص أو أشخاص أو جماعات أو شعب، ومن خلال تلك الخصائص يمكن التعرف على هذا الشعب أو ذاك، ولكل شعب هويته الخاصة

هكذا يُعرف مروان نايف، الباحث في علم الاجتماع بجامعة صنعاء، مفهوم الهوية، ويضيف في حديث لـ«المشاهد»: “تتعلق بمصطلح الهوية مفاهيم أخرى كاللغة والثقافة والعرق والخصوصية، وجُلها مرتبطة بالتنشئة الاجتماعية للفرد، وحصيلة تفاعلاته مع مجتمعه”

أصبح مفهوم الهوية أقل انحسارًا عما كان عليه قبيل الثورة التكنولوجية التي شهدها ومازال يشهدها العالم حتى الوقت الراهن”، يقول نايف

كان الأئمة الزيديون يُكفِّرون مخالفيهم، فعلى سبيل المثال حينما وجد الإمام الهادي يحيى بن الحسين، تخاذلًا ورفضًا من قبل بعض القبائل اليمنية لدولته الدينية ومذهبه الإقصائي، كفّرهم بالجُملة، وأعلن الجهاد عليهم، وأجاز لأبناء القبائل المُناصرين له قتل ونهب وسلب أموال المعارضين لدولته، المُخالفين لمذهبه، بحجة أنهم “كُفار” كما يقول المؤرخ اليمني بلال الطيب، في كتابه ” المتاهة”

في الوقت الراهن المواطن العادي هويته هي توفير لقمة العيش، وتوفير حياة كريمة له ولعائلته، يقول الطيب في حديثه لـ«المشاهد»، ويضيف: “الهوية الوطنية مفهوم يرتكز على الاعتزاز بالماضي وتاريخ الأجداد دون الانتقاص من الآخر”

لكن ما يحدث اليوم هو العكس، فقد حرص عبدالملك بدر الدين، زعيم جماعة الحوثي، على السير نحو خطى شقيقه المؤسس للجماعة حسين بدر الدين، الذي كان يتحدث كثيرًا في محاضراته التي كان يُلقيها لأتباعه، عن أهمية الحفاظ على الهوية الإيمانية لليمنيين، والتي تتمثل بأهمية “الانقياد لمبدأ ولاية آل بيت النبي محمد في حياتهم” أي حصر حق الحكم في ذرية فاطمة بنت النبي محمد، وتمييزهم عن سائر البشر، وهو يقصد في ذلك نفسه،” وفق الطيب

وعلى غرارا أسلافه من الأئمة، كان حسين بدر الدين الحوثي، مؤسس جماعة الحوثي، كان يروج بأن حكم اليمن لا يصح إلا بهم، وعن ذلك يقول عبدالله الراعي المفتي الحالي للجامع الكبير بصنعاء، إن “الهوية الإيمانية مخصصة لأهل اليمن الذين سارعوا في إيمانهم بالإسلام وبالنبي محمد والإمام علي وأعلام الهدى الأطهار، ومنهم السيد عبدالملك الحوثي”

حرصت جماعة الحوثي، منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء، في سبتمبر/ أيلول 2014، على تنظيم حملات وأنشطة لما تسميه “تعزيز وتأصيل الهوية الإيمانية لليمنيين”، تبدأ في شهر رجب من كل عام

وتتضمن تلك الحملات: “إقامة وقفات احتجاجية عقب صلاة كل جمعة في المساجد، تليها وقفات داعمة للحملة في الميادين والشوارع الهامة في صنعاء وعدد من المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، تقام على مدى أيام الأسبوع”

كما تحرص الجماعة على ترويج مفهوم “الهوية الإيمانية” في مجالس مقايل المواطنين، وفي المساجد والمدارس والمعاهد والجامعات والمعسكرات والمؤسسات الحكومية

وحتى لا يكن هناك لبس للقارئ، فإن مفهوم “الهوية الإيمانية” الذي تروج له الجماعة ليس له أي علاقة بالإستقامة على نهج الإسلام بقدر ما هو “شعار فقط لفرض ثقافة “الحق الحصري للحكم في سلالة معينة

”في خطاب له، قال زعيم جماعة الحوثي، عبدالملك بدر الدين، إن “الهوية الإيمانية تواجه خطرًا حقيقيًا بانحراف المجتمع اليمني عنها، وأن التكفيريين يقدمون مشروع الهوية اليمنية والإيمانية بصبغة مختلفة”، في إشارة منه إلى من يخالف ما يروج له الحوثيون حول نظرية الحكم

تزامن مع حملة “تعزيز وتأصيل الهوية الإيمانية لليمنيين”، التي تنفذها الجماعة الحوثية، حملات للتضييق على الحريات الشخصية للمواطنين، كمنع جلوس العائلات في المتنفسات العامة مثل الحدائق والأماكن العامة، مثل سائلة صنعاء القديمة

كما عمل الحوثيون على التدخل في مسائل تحديد النسل والصحة الإنجابية، وفي شكل حلاقة شعر الرأس للشباب، وفي تحديد ملابس النساء، وهو الأمر الذي دفع ناشطات في مواقع التواصل الاجتماعي، إلى تنظيم حملات تحت وسم #الهوية_اليمنية، وفيه نشرت الكثير من الناشطات صورًا لهنّ ولأقاربهنّ وهنّ يرتدين أزياء تقليدية معبرة عن التراث اليمني

كان خالد المداني، المعين من جماعة الحوثي مشرفًا لأمانة العاصمة، إلى جانب قيادات حوثية، يلقي محاضرة في مسجد بصنعاء، وفيه يُحرّض عقال الحارات ومشرفي الجماعة في أحياء صنعاء، على منع النساء من ارتداء ملابس ملونة، عدا اللون الأسود، كما يقول لـ”المشاهد” أحد الحاضرين في تلك المحاضرة

روجت وسائل إعلام تابعة لجماعة الحوثي، توجه الجماعة نحو المزيد من ممارسات التضييق على الحريات، وكان للنساء اليمنيات ردود أفعال رافضة لتلك الممارسات الحوثية

تقول ناشطات يمنيات إن “حملة الهوية اليمنية لم تكن عرضًا للأزياء، وإنما جاءت كرد فعل طبيعي ضد القرارات التي تصدرها جماعة الحوثي ضد المرأة اليمنية بين الحين والآخر”

مبررات مشابهة كانت أيضًا سببًا لبروز حركات فكرية مناوئة لجماعة الحوثي، وممجدة للهوية اليمنية، مثل “أقيال”؛ الحركة التي تأسست العام 2017، ودعت إلى إعادة إحياء مفهوم الهوية اليمنية

يؤكد الباحث في علم النفس، محمد بن كليب، أن عدم ثقة اليمنيين بمن يحكمهم، جعلهم يُفكرون بالعودة إلى هويتهم التي يعتقدون أنها ملجأ لهم، فالهوية هي إحساس الشخص بأنه يعرف من هو، واليمنيون يعرفون من هم، وما هو تاريخهم، لذلك يستدعون أمجادهم التاريخية لتعويض ما يحصل لهم من مشكلات تعيق مسايرة التطورات في مختلف مجالاتهم المعيشية

ويقول بن كليب لـ«المشاهد»: “نستطيع القول إن اليمنيين اليوم يعانون من صراع الهويات؛ نتيجة الاقتتال على كرسي الحكم”

وفي حديثه لـ«المشاهد» يرى الصحفي بجريدة :الأهرام: المصرية، إبراهيم العشماوي، أن “الهوية هي سمات الشخصية الوطنية، والتي تشمل الملامح والصفات، ومخزون الثقافات، وطبيعة التكوين الحضاري، والعادات والتقاليد”، كما يرى أن مشكلة بعض اليمنيين هي في تعدد الولاءات للخارج، وليس للوطن نفسه

يدعو العشماوي إلى الحفاظ على حملة “الهوية اليمنية” لمواجهة الدعوات الظلامية للجماعات التكفيرية الرجعية، بحسب وصفه

ويقول إن أهم ما في حملة “الهوية اليمنية” أنها أظهرت ارتباط اليمنيين بتراثهم وهويتهم، وحبهم لوطنهم الذي يثخن الأشرار جراحه، كما أن الحملة من وجهة نظره تُبيّن التنوع والثراء في الأزياء والملابس والطقوس في مختلف المحافظات

ويتمنى العشماوي أن يرى حملات للقوى الناعمة اليمنية بعنوان “الدم اليمني” لوقف القتال العبثي والحرب، وتحريم إزهاق الأرواح لحساب الشيطان، وحملة أخرى بعنوان “السلام لليمن” للضغط على أمراء الحرب لوقفها، ومطالبة القوى الخارجية بأن تترك اليمنيين وشأنهم للخروج بحلول وطنية ترضيهم

ليصلك كل جديدالاعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير