“شاعر الثورة” الذي جمع بين القلم والبندقية

منذ ساعة

تعز- عزالدين الصوفيمع الاحتفال بالذكرى 63 لثورة السادس والعشرين من سبتمبر، تبرز في الذاكرة الوطنية أسماء مناضلين شكلوا ملامح النضال اليمني ضد الحكم الإمامي، بينهم القائد والشاعر الراحل عثمان سيف قاسم المخلافي، المعروف بعثمان أبو ماهر

ناضل “أبو ماهر” بقلمه وبندقيته من أجل أهداف ثورة سبتمبر في شمال اليمن

وشارك أيضًا في ثورة 14 أكتوبر لتحرير جنوب اليمن

 وفي هذا الصدد، يقول الشاعر المعاصر، عبدالسلام التويتي، في حديث مع لـ”المشاهد”: “لعل شهرة الشاعر الكبير الراحل عثمان أبو ماهر  كشاعر قد طغت على جانب نضاله العسكري والسياسي، حتى أصبح كثير من اليمنيين لا يعرفون دوره الفاعل في ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962، والدفاع عن النظام الجمهوري في أصعب الظروف”

ويتابع التويتي: “عثمان أبو ماهر، كان بطلًا من أبطال الثورة، وتولى مهمة مطاردة الإمام البدر من قرية الذروة بوشحة حتى أطراف منطقة الخوبة الحدودية

بالإضافة إلى كونه أحد أبرز القادة العسكريين الذين خاضوا معارك الدفاع عن النظام الجمهوري في منعطفه الحرج، حيث كان القائد الميداني للقوات المتمركزة في القطاع الشمالي للجمهورية الوليدة طيلة السنوات التي تلت قيام الثورة، وحتى خروجها ظافرة من حصار السبعين يومًا”

وُلد عثمان المخلافي مطلع أربعينيات القرن الماضي، في قرية المبيريك، بمديرية التعزية، شمال محافظة تعز

بدأ تعليمه الأولي في كتاتيب القرية، ثم انتقل إلى مدينة زبيد، التي كانت آنذاك مركزًا علميًا وثقافيًا بارزًا

وهناك -كما يروي مقربون- انفتحت أمامه آفاق أوسع في المعرفة والتاريخ

وبحسب الباحث والناقد فتحي أبو النصر، فإن الشاعر الثائر عثمان سيف قاسم المخلافي يمثل شخصيةً محورية في تاريخ اليمن المعاصر، إذ جمع بين القلم والبندقية، وكان صوت الثورة وأدب المقاومة في آنٍ واحد

وأضاف أبو النصر في حديثه لـ”المشاهد” أن المخلافي اهتم بالقضايا الوطنية منذ صغره، فبعد انتقاله إلى مكة المكرمة والتحاقه بمدرسة الفلاح، أصبح على تماسٍ مباشر بالقضايا السياسية، ما عزّز وعيه الوطني وألهمه الانخراط في الحركة الثورية المناهضة لنظام الإمامة

”فتحي أبو النصر: المخلافي (الشاعر) اهتم بالقضايا الوطنية منذ صغره، فبعد انتقاله إلى مكة المكرمة والتحاقه بمدرسة الفلاح، أصبح على تماسٍ مباشر بالقضايا السياسية، ما عزّز وعيه الوطني وألهمه الانخراط في الحركة الثورية المناهضة لنظام الإمامة

”وأشار إلى أن التحاقه بأكاديمية المدرعات في موسكو منتصف ستينيات القرن الماضي؛ ساهم في تطوير مهاراته العسكرية وتعميق معرفته بالقضايا الإستراتيجية للثورات المعاصرة

وشرح أبو النصر أن الشعر بالنسبة للمخلافي كان أداة تحفيز للمقاتلين ومرآةً لروح الثورة، فقد تزامنت أبياته مع نبض الشعب اليمني في مواجهة الطغيان، ومن أبرز أعماله قصيدته الشهيرة “أيلول فجري” التي تحولت إلى نشيد وطني يعكس الأمل والتضحية وروح الثورة

 كما لعب المخلافي دورًا محوريًا في قيادة العمليات العسكرية، حيث شارك في معركة تحرير اليمن عام 1962، وقاده نجاحه في صد الملكيين بمناطق حجة لشغل مناصب مهمة في جهاز المخابرات العامة والإعلام بعد الثورة

وأشار أبو النصر إلى أن المخلافي واجه تحديات كبيرة في مسيرته السياسية، إذ اعتقل عام 1969 بتهمة الشيوعية بعد خلافاته مع بعض السياسات الجديدة، لكنه حافظ على التزامه بأهداف الثورة واستمر في العمل الوطني بعد خروجه من السجن عام 1972

 حيث شغل عدة مناصب حكومية وساهم في تطوير الإعلام اليمني، كما مثّل صوت الثقافة الوطنية في مراحل مهمة

وشغل منصب الملحق الإعلامي في الرياض عام 1988، ثم مستشارًا لوزير الإعلام في مطلع التسعينيات حتى وفاته عام 2013

يقول أبو النصر إن المخلافي كان نموذجًا فريدًا للجمع بين المقاومة العسكرية والأدب الثوري، فشعره يوثق التاريخ الوطني ويغرس روح الفخر والانتماء لجمهورية سبتمبر في أذهان الأجيال

وأضاف أن المخلافي سيظل شاهدًا حيًا على قيم الثورة والمقاومة، إذ تعكس قصائده وأدبه الملتزم بالوطن روح التضحية والانتماء، وتبقى مصدر إلهام للأجيال الجديدة التي تسعى لاستكمال مسيرة النصر”

مع اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962، التحق أبو ماهر بصفوف الثوار

شارك في مطاردة فلول الإمام البدر في جبال حجة حتى الخوبة، وأسهم في تطويق نائب البدر الذي استسلم لاحقًا

ولم يكتفِ بذلك، بل لبّى نداء ثورة 14 أكتوبر 1963 في الجنوب، وقاتل إلى جانب الشهيد غالب راجح لبوزة، وخلّد استشهاده شعرًا بقوله:يا روحه خبريني أين موقعه؟دار الخلود أجابت: جنة العظماءِ

يقول الباحث الدكتور ثابت الأحمدي لـ”المشاهد” :  “عثمان المخلافي جسّد بفكره وسلاحه واحدية النضال اليمني شمالًا وجنوبًا؛ ليكون نموذجًا حيًا للشاعر المقاتل

لم يكن مجرد مشارك عابر، بل قائد بارز ساهم في تثبيت أركان الثورة

وعلى المستوى الشعري، كان أحد أهم الأصوات التي صنعت هوية الغناء الوطني الحديث، إلى جانب مطهر الإرياني والفضول”

ثابت الأحمدي: عثمان المخلافي جسّد بفكره وسلاحه واحدية النضال اليمني شمالًا وجنوبًا؛ ليكون نموذجًا حيًا للشاعر المقاتل

لم يكن مجرد مشارك عابر، بل قائد بارز ساهم في تثبيت أركان الثورة

وعلى المستوى الشعري، كان أحد أهم الأصوات التي صنعت هوية الغناء الوطني الحديث

”ويضيف: “قصائده التي غنّاها أيوب طارش تحولت إلى أناشيد ثورية خالدة، ومزجت بين رموز التاريخ اليمني مثل مأرب وبلقيس وردفان، وبين معاني التضحية والفداء

ديوانه “النغم الثائر” الصادر عام 1977 جسّد روح الثورة وحلم التغيير”

“عثمان أبو ماهر”، شاعر ثوري ومناضل من الطراز الرفيع، وعسكري مقتدر

كلماته تشحذ الهمم وتستنهضها، كلما صدح بها أيوب طارش، ومنها:يا نسيمًا عابقًا كالزهَرطيب الأنفاس عند السحريا جلال الحق صوت القدريا وثوب الشعب في سبتمبرغنى له أيوب حوالي عشرة أعمال بين وطنية وزراعية

ففي كل سهل وجبل على امتداد هذه البلاد يصدح الزُراع والفلاحون مثلما صدح أيوب بذلك اللحن الزراعي في “شُبّابة الساقية” الذي يقول:أرضي أنا يا ابتسام الحبِّ في كل جيليا أرض نشوان يا تاريخ شعبي الأصيلتحية الحُبّ تهديها تلال الدليـلوبنُّ وادي بني حمَّاد عذْبَ الجنىأبو ماهر هو أيضًا صاحب “معينة الزرّاع”، “شني المطر يا سحابة”، و”وا زخم”، وهو صاحب لحن الحقول، المعروفة بمطلعها:“شنّي المطر يا سحابة فوق خضر الحقول، قولي لمأرب متى سدُّه يضم السيول؟”

وفي “معينة الزراع”، يدعو الشاعر المرحوم أبو ماهر على لسان أيوب إلى العمل وترك المقايل والدعة والاستعانة بالله وعدم انتظار عطاء الغير:“ألا مُعين، ألا يا الله يا رازق الطير/ألا ترزق تخارج من النير/ألا معين ألا ما في المقايل لنا خير/ ولا السؤال من يد الغير”

كتب الشاعر أبو ماهر رواية لكنها لم تنل حظها من الشهرة

وهي رواية واقعية تتحدث عن أحداث النضال في الأيام الأولى للثورة الجمهورية عام 1962

من جهته، يقول الكاتب عميد المهيوبي لـ”المشاهد”: “إن عثمان أبو ماهر لم يكن شاعرًا عابرًا في تاريخ اليمن، بل مناضلًا عسكريًا جسورًا من طلائع الضباط الأحرار الذين حملوا البندقية دفاعًا عن أهداف سبتمبر، مثلما حمل القلم لتأصيل روح الثورة

فقد صنعت قصائده ألف مقاتل سبتمبري، وكانت كلماته بندقية أخرى في ميدان المواجهة”

ويضيف المهيوبي: “تجربته تجاوزت حدود النضال العسكري إلى الإدارة والثقافة، إذ تقلد مناصب مهمة وتركها احتجاجًا على انحراف الثورة، ليُسجن ويُعذَّب ويُطارَد دون أن يتنازل عن مبادئه

كما كتب قصائد غنّاها أيوب طارش وأحمد قاسم وعبدالباسط عبسي، لتصبح علامات بارزة في الذاكرة الوطنية”

ويتابع: “اتسم شعره بالجرأة في مواجهة المتسترين بالدين، وامتاز بقدرته على المزج بين الهم الوطني والإنساني

كتب عن الحرية كما كتب عن الحب، وعن الأرض كما كتب عن المرأة المناضلة

كان ثائرًا بالفطرة، رفض الحياة بلا حب كما رفض الوطن بلا حرية”

رحل أبو ماهر في 20 يناير 2013 بعد حياة امتدت سبعة عقود

ترك إرثًا غنيًا من الشعر والأدب لكنه بقي بعيدًا عن دائرة الضوء

يقول أبو النصر: “تجاهل إرث المخلافي يعكس صورة أوسع لخذلان كثير من رموز الثورة”

يختتم أبو النصر حديثه بالقول: “إحياء سيرته اليوم هو إحياء لروح الثورة نفسها”

سعدنا بزيارتك واهتمامك بهذا الموضوع

يرجى مشاركة رأيك عن محتوى المقال وملاحظاتك على المعلومات والحقائق الواردة على الإيميل التالي مع كتابة عنوان المقال في موضوع الرسالة

بريدنا الإلكتروني: almushahideditor@gmail

comليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير